الجماهير التي تمنحك العظمة، تخلعها عنك وترديك إلى الحضيض. الجماهير التي تمنحك العظمة، تخلعها عنك وترديك إلى الحضيض.
نحن في زمن الجماهير، زمن الحائط الأزرق الذي اشتكى منه “إيكو” لمساواته بين الهواة والحائزين على نوبل.
الحقائق لا تدوم طويلًا في مخابئها السرية، حتى القرى النائية اندمجت في القرية الكونية، أنا أكتب من قرية قطعت المليشيا الحوثية الطريق عن أبنائها، لم يعد أحد من الفتيان يذهب إلى سوق عصيفرة لأكل قلوب الدجاج المقلية بزيت أسود يجعلك توقن بأنه لا فرق بين زيت الطبخ والزيت الذي تخرجه سيارات نيسان. لم يعد أحد يذهب إلى المستشفى ولا إلى ميدان الشهداء، ولم يعد أحد يذهب إلى محلات الخياطة لتفصيل القمصان بأزرار مفضضة تلتمع كالمرايا، والتباهي بأكمامها المختلفة تمامًا عن لون القميص المنقط بالوردي!.
في 2006، كنا من رواد الملابس الجاهزة، كان حسن نصر الله يفصل ألبسة مطاطية بلا قياسات، الجماهير تتلقف بنظرات دَهِشَة وإعجاب فخيم، حسن نصر الله سيد المقاومة في حرب تموز. كنا طلابًا متفاوتي السن، نجلس على جنبات الطريق الذي يصل المديريات بالمدينة، قرية ريفية بوسط اليمن، نحس أنفسنا مُدرجين ضمن الضواحي التي يقولها المذيع في إذاعة تعز عند موعد آذان الظهر: لمدينة تعز وضواحيها!. لن يعرف عنها حسن نصر الله أي شيء لكننا كنا لا نعرف عنه كل شيء، كنا نهتف حتى تنشف حلوقنا: نصر الله يا حبيب.. اضرب اضرب تل أبيب. نتنشق الغبار ونعد السيارات اللواتي يضعن صور حسن اللاصقة على الواجهات الخلفية.
الجماهير تبني عشًا لأسطورة “الرخ” عشبًا عشبًا. قالوا أن العدو دمر قناته التلفزيونية فأعاد البث بعد 30 ثانية، قالوا أنه كان يلقي خطابًا طويلًا وفجأة توقف: الآن سندمر بارجة للعدو.. وانفجرت البارجة قبل أن ينهي الجملة، قالوا هم أما نحن فكنا نردد ما يقولون.
نمت جماهيرية حزب الله باطراد، قبل أن يسقط في أرض أوحلها الدم.. أضْفِيَت الألقاب الكبيرة على اسم حسن نصر الله في 2006 “السيد، الزعيم، القائد، الأمين..” إلخ. حتى للثغة لسانه إعجاب مستقل. ثم تورط في الفراغ، وكلما تعمق فيه أسقطت الجماهير لقبًا: السيد حسن نصر الله قائد المقاومة.. السيد حسن نصر الله.. حسن نصر الله.. الزعامة لا تدوم لحي أبدًا، لا تعظم أحدًا قبل أن يموت. عناصر حزب الله في سوريا لقتل السوريين، تتحد مع الطاغية في الهدف: الإمعان في القتل لمجرد القتل! يسقط لقب: حسن نصر. لا “السيد” أمامه، ولا “الله” مضاف إلى والده!
يقوم الحوثيون بتقليد الحزب اللبناني، حسن نصر يرسل بركاته للمليشيا في اليمن، كما تحالف حزب الله مع الأسد، تحالف الحوثيون مع صالح، كما قتلت ميليشيا حزب الله أبناء الريف الدمشقي، قام الحوثيون بقتل أبناء القرية الذين هتفوًا يومًا لحسن نصر.
كنا نحتاج وقتًا طويلًا لتحطيم الصنم الكاريزمي هذا، خضنا ثورات ودفعنا دمًا. استبدل الهتافون اسم حسن نصر، أزاحوا “نصر” تمامًا، يطلقون عليه: حسن زميطة. لم أجد معنى لزميطة في القاموس مع إني أرجعتها للأصل: زمط.
في عزلتنا المتمخطرة على ظهور الروابي، إذا ذكروه مع سيرة الخراب، يسمونه: حسن بتالة.
وبما آن الوعي السياسي آخذ بالتفتح كعباد الشمس، حلف أحد الكبار بالحرام والطلاق أن “وليد جنبلاط” أحسن من حسن بتالة.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.