كتابات خاصة

مقامة الألغام والخُضرة

إفتخار عبده

حدثتني أمُ عمرو، أن أبا عمرو اشتهى بعض الخضروات، وأنه معتادٌ على أكلها طوال الأوقات، وأن الذي نأى به عنها زمان الأزمات. حدثتني أمُ عمرو، أن أبا عمرو اشتهى بعض الخضروات، وأنه معتادٌ على أكلها طوال الأوقات، وأن الذي نأى به عنها زمان الأزمات.
فأخذ ماكان بجيبه من نقود، وأقسم أنه بدونها لن يعود، فخرج مستبشراً إلى جاره، يشد بالجهد إزاره، ثم ناداه: يا أباعقلان، أراك مثقل الهموم سهران، تبدو عليك علامات التعب، وعلى وجهك قسمات العجب، ما الذي أخل بمزاجك، وما الذي أضعف زنادك؟
فقال أبوعقلان: كثرة الأولاد، وقلة العتاد، ومشاركتي مع القوم في الجهاد.
إني وجدت البيت خالٍ من الكلأ، ووجدت الشارع يخلو من بعض الملأ، وعشت مع بعض الناس جرحى، ووجدت في طريقي بعضهم قتلى.. رأيت ما لايرى الناس.. رأيت الهم واليأس.. رأيت الناس تعيش الغموم، ويُصب على رؤوسهم أصناف الهموم.
هناك من الناس جوعى، ولايملكون قوتاً ولا مرعى.
فقاله له أبو عمرو دعنا من هذا المرض، وعلى ربك العوض.
وهلم معي إلى السوق لنشتري بعض الخضروات، فإني بشوق لها كما يشتاق المحب إلى حبيبه، وكما يشتاق الصديق إلى صديقه، وأنت تعلم في الطريق أنها بحاجة إلى صديق، وتعرف سنين الحرب العجاف يكثر فيها الاختطاف.. فأريدك ياصديقي أن تكون في الطريق رفيقي.
فسعد لذلك أبو عقلان، وذهب معه فرحاً طروب.. يريد شراء بعض الحبوب.
ولما وصلا السوق بعد عناء وخوف من طريق الخلاء، وما يكسوها من بلاء، اهتما بالشراء أيما اهتمام وأزاحا عن خيالهما كثرة الكلام، وذلك اختصاراً للزمان، فإنهما يريدان العودة قبل فوات الأوان.
بعد لحظات، وبدون أي مقدمات، سمع الرجلان أصوات الرصاص تأتي من بعيد، فقال أبو عقلان: هي اشتباكات، وما أظنها تأتي إلى هنا، فأصر عليه أبو عمرو بأن يعودا إلى قريتهما حالاً ، لأنه يشعر بالأرق ويكسوه الخوف والقلق،  وعاد الرجلان يشقان طريقهما مشياً على الأقدام.. لم يعد بوسعهما انتظار السيارات، فهما قريبان من مكان الاشتباكات.
صعد الاثنان إلى الجبل دون أي كلل وملل، وإن كانت قد ثقلت عليهما الأقدام، حتى مرا على بعض أكوامٍ من التراب، ومضيا عليها بخوفٍ وارتياب، فزلت على أبي عقلان قدماه إلى مكان زرعت فيه الألغام وراح ضحيتها، لقد فقد حياته.. وأبو عمرو يصيح، فهو الآخر جريح، فقد شلت إحدى قدميه والدم يسيل من يديه، وأخذ يصيح بصوت مرتفع نادباً حظه العسير قائلاً:
ياليتني لم اشته أكلاً ولاخضرة
ولم ترد بخاطري يوماً ولا مرة!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى