الفن قادر على بناء الأوطان واقتحام جماليات التراجيديا
تدرس الباحثة والأكاديميّة الأميركية مريم كووك في كتابها “الرقص في دمشق: الإبداع، المقاومة والثورة السورية”، من وجهة نظر ثقافية ونقدية، المنتج السوري الإبداعي المرتبط بالثورة السورية، ودوره في بناء سوريا المستقبل وإعادة هيكلة الهوية السورية بعد الثورة. الفن قادر على بناء الأوطان واقتحام جماليات التراجيديا
يمن مونيتور/العرب اللندنية
تدرس الباحثة والأكاديميّة الأميركية مريم كووك في كتابها “الرقص في دمشق: الإبداع، المقاومة والثورة السورية”، من وجهة نظر ثقافية ونقدية، المنتج السوري الإبداعي المرتبط بالثورة السورية، ودوره في بناء سوريا المستقبل وإعادة هيكلة الهوية السورية بعد الثورة.
الفن والسياسة
كانت سوريا قبل عام 2011 قلعة للصمت، إثر قبضة النظام السوري المحكمة، التي كانت تخنق معارضيه وأي صوت يسائل أو يتوجه بالنقد للنظام الحاكم، ومنذ اندلاع الثورة السوريّة، تهدمت هذه القلعة، وبدأت الأصوات تصدح صارخة “حريّة”، ليتكشف للعالم وجه جديد لسوريا، مختلف عن ذاك الذي كان النظام يروج له، وبدأ المنتج الثقافي والفني السوري ينال الاهتمام العالمي بالدراسة والتمحيص.
تطرح كووك منذ بداية الكتاب القضايا المرتبطة بعلاقة الفن بالثورة، ودور القيمة السياسيّة للفن في بناء الوعي بما يحدث “الآن”، سواء لدى السوريين أو على المستوى العالمي، وخصوصا في ظل وحشية النظام وانتشار الخراب في الداخل السوري، إذ لا بد من أن يشهد العالم وحكوماته نتائج فشلهم في إيقاف ماكينة القتل في سوريا. وتركز كووك على دور الناشط-الفنان، بوصفه يمتلك دورا سياسيا وثقافيا عبر منتجه الفني، الذي يلعب دورا وثائقيا من جهة.
ونقديا من جهة أخرى بوصفه يحاكم النظام وممارساته بصورة جماليّة وفنيّة، فالعمل الفني الذي ينتجه الناشط-الفنان يساهم في تشكيل هوية الثورة السورية، وبناء الذاكرة عن سوريا، وتحديد وضعية النظام بوصفه “ضد الثورة” و”قامعها”، فهذه الأعمال الفنيّة تبتعد عن الصيغة الصحافيّة الاستهلاكيّة، بوصفها قادرة على التأثير بصورة أكبر والاستمرار عبر الزمن، بوصفها تنتمي إلى القطاع الفني، مع التركيز على تقنيات الاتصال والتواصل الاجتماعي التي ساهمت في الانتشار الهائل لهذه الأعمال ومضاعفة تأثيرها.
كتاب عن الإبداع والمنتج الأدبي
تستعرض مريم كووك في كتابها “الرقص في دمشق: الإبداع، المقاومة والثورة السورية” العديد من الأعمال الفنيّة والأدبية السورية عبر تحليلها أو من خلال اللقاءات الشخصية مع صانعيها، طارحة التساؤلات حول قدرة الفن على نقل المأساة والخراب والعنف المفرط، وتلمس حساسيّة الخسارات الهائلة التي تشهدها سوريا، وخصوصاً أن هناك كتبا وأفلاما ترتبط بسوريا قبل الثورة، كروايات أدب السجون السوريّة، بوصفها تؤرخ لوحشية النظام حين كان في أوج قوته، فهذه التجارب هي الإرهاصات الأولى لزعزعة الصمت في سوريا، أما ما تلاها من بعد الثورة، فيشير إلى دورها في إعادة بناء التاريخ السابق والحالي، إذ تركز كووك على أهمية الثقافة في بناء الوعي السياسي، بوصف الأعمال الفنية والثقافية وسيلة لتمكين مفاهيم المواطنة والانتماء إلى سوريا وحدها، لا إلى النظام أو تعريفاته الدكتاتورية.
جماليات التراجيديا
تساهم الأعمال الأدبية والفنية التي يطلق عليها صفتي “سوري” و”ثوري” في بناء سردية الثورة السورية، والتأسيس لحكاية الثورة بوصفها مرجعية للانتماء والذاكرة، وخصوصا حضور ملامح فنية جديدة لم يعرفها الفن السوري من قبل، كإهانة الرئيس والسخرية منه، وجماليات الخراب، وتقنيات الاحتجاج السياسي التي تحمل خصائص فنية كالمظاهرات الطيارة.
كما بدأت تظهر تجارب فنية جديدة مرتبطة باللاجئين ومآسيهم الشخصيّة، بوصفها الحكايات التي تشكل مأساة الشعب السوري في وجه أنظمة البطش والعنف التي يواجهها لينال حريته، فهذه الحكايات تشكل مرجعية بديلة عن تلك التي يرسمها النظام أو وسائل الإعلام في ما يخص سوريا والثورة. بالرغم من أن الكتاب يتناول المنتج الفني السوري إلا أنه لا يطرح التساؤلات الجماليّة والفنية المرتبطة بهذا المنتج، بل يركز على التأويل السياسي لها، وخصوصا أننا أمام كم هائل من المنتجات والأعمال الفنية التي تحمل ذات التعريف “سوريّة” و“ثوريّة”.
فهل يمكن لاحقا أن تتحول هذه الأعمال إلى ما يمكن تسميته “الفنّ السوري” وخصوصا أن مفهوم الهوية السورية مازال غامضا نوعا ما كونه قيد التأسيس، إلى جانب أننا الآن أمام ثنائية نظام وثورة، وألا تشكل “الثورة” في حد ذاتها “نظاما” آخر للتقييم والبرمجة والتصنيف، بما يناقض مفهوم “الحرية” ضمن العمل الفنّي، أي هل يمكن لفنان سوري مناهض للنظام أن ينتج ما لا ينتمي إلى ثنائية نظام وثورة، ككتاب أو فيلم خيال علمي؟ وهل يمكن اعتباره “فنيا” أو “سوريا” أو حتى “ثوريا”؟.
لا يمكن إنكار القيمة السياسية والثقافية للعمل الفني، وخصوصا في ما يتعلق بسوريا، لكن غياب تساؤلات “الاستقلالية الجماليّة” عن الدراسات المتعلقة بالفن السوري، يخلق نوعا من القيد الأخلاقي الذي تشكله الثورة، ما يجعل العمل الفني والاعتراف به يدخلان ضمن خطاب القوة الذي تمارسه الثورة ذاتها، بحيث يرسخ أشكالا وتعريفات قد لا تنتمي إلى قطاع الفن لكنها تطبق فنيا، هذه التساؤلات تترك معلّقة، وخصوصا أمام ظهور الكثير من أشكال الكيتش المرتبطة بسوريا الثورة.