إن القهر والسلب والسرقة الكبرى التي نفذها اللص مستغلاً حيازته لبعض أسباب القوة في المجتمع، جرائم لا تسقط بالتقادم ولا ينساها الوطن، ولم يعرف التاريخ أن انقلاباً جاء للامة بأمان حقيقي واستقرار راسخ، وإنما وهم استقرار وخيال أمان.. قد يبدو للظالم المُنقلِب (بكسر اللام) للوهلة الاولى أن الأمور استتبت له، وآذنت للإستقرار، وأن المجتمع سرعان ما يتناسى غدرته الماكرة ويتعايش معها، ويراهن المنقلب على ذاكرة الجماهير المثقوبه (كما يظن)، أو إلهاء الجماهير الرافضة برغد العيش. أو مراهنة المنقلب على سلوكه المستقبلي الذي سيوفر الرخاء والخير للأمة ويتوهم أنها ستصبح شافعة له عند الجماهير التي تعيش اليوم تحت ظل انقلابه، أو في نصوص التاريخ التي ستتحدث عنه.
وطالما وهو المنتصر فإن التلاعب بالتاريخ الذي سيكتب مهمة ليست شاقة مقارنة بجريمته الكبرى في الحاضر، والتي قذفت بالأمة واختياراتها عرض الحائط!
غير أن القهر والسلب والسرقة الكبرى التي نفذها اللص مستغلاً حيازته لبعض أسباب القوة في المجتمع، جرائم لا تسقط بالتقادم ولا ينساها الوطن، ولم يعرف التاريخ أن انقلاباً جاء للامة بأمان حقيقي واستقرار راسخ، وإنما وهم استقرار وخيال أمان..
ماذا يعني الانقلاب؟
يعني أن تلغي إرادة حفنة من اللصوص إرادة الأمة بقوة السلاح.
يعني أن التحركات الخبيثة وراء الكواليس وفي جنح الظلام هي التي تنجح وأن التحركات السياسية في العلن والمكشوفة للأمة (صاحبة الإختيار)، والتي مارسها أفراد المجتمع السياسي وفي وضح النهار هي المهزومة.
يجعلك مشهد الانقلاب تعيش حالة من احتقار الذات تتحسس كل الوقت الندبة التي انطبعت في وجه كرامتك المُداسة..
هل نملك تفسيراً لإنقلاب الحوثيين وصالح بعد عشرة أشهر من الحوار الوطني والالتقاء والاتفاق غير أنهم كانوا يقدمون لنا الوهم (بسخرية مستفزة)، ويختبئون وراء أسوار المكر والمكيدة!
وأنهم بانقلابهم يستخفون بقدرات كل هذا المجموع الوطني، ويسخرون من كل حقوقه الأصيلة وأولها (الحريه في الاختيار)، والانقياد لهذه السلطة التي اختارها.
الإنقلاب يعني الخداع؛ ويَعلمُ الإنسان كم يؤلمه ويستفز رجولته ويستنفر دفاعاته مفردة مثل (الخداع) واحساسك بأنك كنت عرضة للإستغفال!!
هل قرأ الشعب ما وراء سطور تحركات الانقلابيين وهم يصنفون المجموع بأنه غِّر ساذج يمكن الضحك عليه والتلاعب به؟ وهل تجاسر المنقلب على القيام بفعلته إلا وقد استقر في ذهنهِ: أنك بلا كرامة تدفعك لمقاومة هذا القهر!
وإذا كانت الديمقراطية تعلي من وزن الفرد داخل المجتمع السياسي في القطر الوطني، وتجعل صوته محل احترام وتسابق بين كل المتنافسين على السلطة والحكم، فإن الانقلاب لا يعبأ بك! وبصوته المتبجِّح يقول: من أنت حتى نخطب ودَّك ونطلب صوتك! ثم ما الذي يجعل هذا الانقلاب يحسب حسابك وهو ليس مديناً لك بشيئ! فقد وصل السلطة بطريقة غبتَ أنت عنها.
الانقلاب يدفن العقد الإجتماعي الذي يضبط علاقة الحاكم بالمحكوم، وإهالة التراب على هذا العقد يعني عودة المجتمع إلى الحالة الطبيعية، حالة ما قبل الدولة، وهو مصطلح دارج عند فلاسفة السياسة، ومنظري العقد الاجتماعي ويعنون بهذه الحاله: المجتمع من غير قوانين تحكمه وتضبط العلاقات بين أفراده وتحفظ لكل أفراد المجتمع حقوقه. ويصبح والحال كذلك: الدستور والقوانين واللوائح وكل انجاز شارك المجموع في ترسيخه وارساء دعائمه والدفاع عنه فيما مضى؛ يصبح هذا كله ماضٍ سقط في بئر سحيق ويبقى صوت الفرعون هو السائد بلا معارضة: (ما اريكم إلا ما أرى).
يرسم الانقلاب لوحته للوطن بريشة الحفنة الغادرة وباللون الأسود، وهو اللون الوحيد في حقيبة الانقلابيين؛
وبغياب فرشاة الشعب المُشارك والواعي والمتعدد تغدو اللوحة بالغة السواد!
في عهد الانقلاب تذهب كل الاعتبارات المنصفة والعادلة في تقييم البشر، ويغدو الاعتبار الأوحد هو قربك من المستبد المنقِلب أو بعدك عنه.
وكل جهدٍ عظيم في الحياة وامتياز استحقه صاحبه بالجهد والعمل: يغدو سفاسف في وعي حفنة الإنقلاب! ومن يستحق الاحترام والتبجيل والانحناء هو البندق!. هذا البندق الذي راهن عليه الانقلابي للدخول إلى بلاط السلطة والحكم.
أنت أيها اليمني من ينبغي أن تعي شناعة الانقلاب واستحقاقه لعداوتك الأبدية.عداوةً لا يؤمَّلُ أن تفلت منها ذرة سماحة أو تهاون أو قبول..
يسعى كل حاكم للحصول على الشرعية.. والشرعية تعني طريقته في الوصول إلى منصب الحكم واستحقاقه للطاعة والامتثال من المحكومين.
إذ أن منطق الأشياء يقرر أنه لا يمكن أن يقول الحاكم للمحكوم: (افعل أو لا تفعل) إلا إذا سبق هذا الأمر مقدمة مصيرية مصدرها أنت وهي قول المحكوم للحاكم ابتداء: (قد اخترتك). وبتجاوز هذه المقدمة يصبح الإنقلاب هو القهر الأعظم بما يمثله من مصادرة لإرادة الأمة والالتفاف على أهم ما يميز انسانيتها وهي الحرية. يطعن الانسان الفرد أخاه بالسيف أو الرمح أو بجرعة السم أو بطلقة رصاص غادرة. وتطعن الحفنة الصغيرة اللئيمة الأمة بالإنقلاب على اختياراتها والإستخفاف بحقوقها الأصيلة..
وإذا استعرنا النظرة الوظيفية في علم الاجتماع والتي تتعامل مع المجتمعات أنها كالكائنات الحية فإن المجتمع لا يمكنه أن يبتلع هذا القهر أو يحتزنه داخل صدره، وإنما ينتج ألف وسيلة مقاومة وممانعة لاستعادة حقه والثأر ممن تلاعب به واستضعفه وسرق منه هذا الحق.
وعلى الأمة أن تحشد دفاعاتها وتتقيَّأ هذا الخجل والعار وأن تتخلص من هذا القهر.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.