من أخطر التحديات التي واجهت إدارة جورج دبليو بوش قبل توليها المسؤولية رسمياً، في يناير 2001، كان التحدي الخاص بمسألة الشرعية. كانت الانتخابات الرئاسية، قد انتهت في نوفمبر 2000، بنزاع قانوني حول فرز الأصوات في ولاية فلوريدا، والتي كان يشغل منصب الحاكم فيها آنذاك «جيب بوش»، شقيق الرئيس المنتخب. بعد أخذٍ وردٍّ، والكثير من الجدل، جرى حسم الموضوع، من خلال قرار أيَّده خمسة وعارضه أربعة من قضاة المحكمة العليا، بأحقية جورج بوش في الفوز بالانتخابات.
ورغم أن منافسه «آل جور»، قبل القرار الصادر من المحكمة العليا على مضض، لاعتبارات رأى -كما قال في ما بعد- أنها تصب في مصلحة وحدة الوطن، فإن الكثيرين من المواطنين الأميركيين العاديين شعروا في ذلك الحين بأن آل جور قد حُرم من الفوز في تلك الانتخابات بفعل فاعل.
وخلال الأشهر التسعة الأولى من حكم إدارة بوش، كانت مسألة الشرعية المنتقصة، بسبب ما حدث في موضوع فرز الأصوات، عاملاً يعوق حركتها تجاه تأسيس مصداقيتها في واشنطن. لكن هذا الموضوع انتهى من دون مقدمات، في يوم 11 سبتمبر 2001، عندما أدت الهجمات الإرهابية التي وقعت ضد الولايات المتحدة في ذلك اليوم إلى توحيد البلاد وراء الرئيس، لمواجهة الخطر الداهم الذي تتعرض له.
وتنصيب دونالد ترامب في العشرين من يناير الجاري، بات هو الآخر مشوباً بشائبة نقص الشرعية هذه، والتي أضحى التعبير عنها أكثر صخباً في هذه الأيام التي تسبق التنصيب مباشرة.
وهناك ثلاث قضايا، ما زالت حتى لحظتنا هذه، تغذّي عوامل القلق بشأن الانتخابات التي جرت في الثامن من نوفمبر الماضي، والتي انتهت بفوز ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
القضية الأولى: الرسالة المفاجئة، المرسلة من قبل «جيمس كومي»، مدير «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف. بي. آي)، والتي قال فيها إن هناك رسائل بريد إلكتروني معينة، تتعلق باستخدام هيلاري لسيرفر بريد خاص، لإرسال واستقبال رسائل بريدها الإلكتروني، عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية في إدارة باراك أوباما، تحتاج إلى المراجعة. والقنبلة التي فجّرتها رسالة كومي، جاءت في أعقاب تصريح له في الخامس من شهر يوليو الماضي، في ذروة الحملة الانتخابية، قال فيه إن تحقيقات «إف. بي. آي» لم تتوصل إلى أي أسانيد، يمكن على أساسها محاكمة هيلاري بشأن موضوع البريد الإلكتروني.
في تلك النقطة من الزمن، كان الافتراض الذي ساد لدى الديمقراطيين، هو أن الأمر قد جرت تسويته، وبالتالي فإنه لن يصبح بعد ذلك قضية رئيسية في الانتخابات. لكن الرسالة الثانية التي أرسلها كومي أعادت فتح موضوع صدقية هيلاري مجدداً، كما كان لها، كما يرى العديد من المراقبين، تأثيراً سلبياً على التصويت في نوفمبر، حتى بعد أن أدلى كومي قبل الاقتراع بـ48 ساعة، بتصريح قال فيه إنه لا توجد هناك أي معلومات جديدة، في الرسائل الإلكترونية الأخيرة، يمكن أن تؤثر على القضية المرفوعة ضد هيلاري.
القضية الثانية: خلال هذه الفترة كان «كومي» وأجهزة الاستخبارات الأميركية، يمتلكان في حوزتهما، قدراً كبيراً من المعلومات، حول الجهد المتعمد من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتدخل في الانتخابات الأميركية من خلال اختراق الموقع الإلكتروني لمقر قيادة الحملة الانتخابية الديمقراطية، وتسريب رسائل إلكترونية مسيئة لمدير حملتها «جون بوديستا»، إلى الصحافة.
في ذلك الوقت، لم يتم إخراج المعلومات المتعلقة بالدور الذي لعبته روسيا في ذلك إلى العلن، واكتفى الديمقراطيون حينها باتهام كومي بالكيل بمكيالين. لكن الذي حدث بعد انتهاء الانتخابات، هو أن أجهزة الاستخبارات الأميركية، اعترفت علناً بالمدى الذي كان قد وصل إليه التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وهو اعتراف قوّى من حجة الديمقراطيين بشأن قيام حكومة دولة أجنبية (روسيا)، بمساعدة ترامب على تحقيق الفوز في تلك الانتخابات. وليس هناك خلاف على أن الدفء الواضح للغاية في العلاقة بين ترامب والزعيم الروسي فلاديمير بوتين، كان هو أيضاً عاملاً أساسياً في الحملة الانتخابية، كما استمر في أعقابها.
القضية الثالثة المرتبطة بشرعية ترامب، تتعلق بالمحصلة الكلية للانتخابات. فرغم أن ترامب كسب عدداً من أصوات المجمع الانتخابي يفوق ذلك الذي كسبته هيلاري (306 مقابل 232) وأنه فاز بالانتخابات بناءً على ذلك، فإن هيلاري هزمت ترامب في التصويت العام للانتخابات الذي قام به الناخبون الأفراد على مستوى الولايات المتحدة بأسرها، حيث تجاوز عدد الأصوات التي حصلت عليها هيلاري، تلك التي حصل عليها ترامب بفارق هائل بلغ 2.9 مليون صوت. أي أن عدد الناخبين الأميركيين الذين صوَّتوا لهيلاري، يفوق عدد هؤلاء الذين صوَّتوا لأي مرشح رئاسي خاسر، في تاريخ الولايات المتحدة برمّته.
وهذه المسائل المتعلقة بالشرعية، قادت عدداً كبيراً من أعضاء الكونغرس الديمقراطي، إلى البقاء بعيداً عن مناسبة تنصيب ترامب. والشهور الأولى من حكم الإدارة الجديدة، ستكون بمثابة فترة اختبار، لمعرفة ما إذا كان ترامب سيستطيع التغلب على المرارات التي سببتها الانتخابات، وسببها سلوكه المثير للانقسام، أم لا. وحتى وقت كتابة هذا المقال، لا تبدو آفاق المستقبل بشأن ذلك جيدة بحال، وهو ما يعد في حد ذاته فأل شؤم للشهور، بل وللسنوات المقبلة.
*الاتحاد الإماراتية