الذكرى الثالثة لتهجير “سكان دماج”.. الحوثيون في مهمة تجريف الهوية الوطنية
الخامس عشر من يناير/كانون الثاني 2014م خرجت آلاف العائلات اليمنية من منازلها باتفاق بين سكان بلدة دماج والحوثيين برضى السلطة الشرعية في أول تجريف واضح المعالم تعيشه اليمن في عصرها الحديث.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
الخامس عشر من يناير/كانون الثاني 2014م خرجت آلاف العائلات اليمنية من منازلها باتفاق بين سكان بلدة دماج والحوثيين برضى السلطة الشرعية في أول تجريف واضح المعالم تعيشه اليمن في عصرها الحديث.
في سبتمبر/تموز 2013 حاول الحوثيون اقتحام “بلدة دماج”، شرقي صعدة، بالقوة ولبسوا ملابس عسكرية، واندلعت أخر الحروب مع “مركز دار الحديث السلفي”، التي بدأت في 2012م. أوفد الرئيس اليمني العديد من لجان الوساطة من أجل التوصل إلى حل وأعلنت العديد من الاتفاقات حتى نهاية عام 2013م، ولكن أياً من تلك الاتفاقات لم تصمد، وأتهم الحوثيون مراراً بخرقها.
بالتزامن مع التهجير
في ذات الوقت حاولت جماعة الحوثي التمدد ناحية عمران وتحديداً في 20 أغسطس/آب 2013 عندما قدم مجموعة من مسلحي الحوثي إلى قرب منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر(شيخ حاشد) في قالت أن لتحرير البلاد من المستعمرين تحولت إلى اشتباكات.
وفتح الحوثيون ثلاث جبهات في 28 اكتوبر/تشرين الأول 2013، في حجور محافظة حجة، وكتاف في صعدة ثم قبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية، ولم تصمد القبائل كثيراً وتم تفجير دار الحديث في كتاف يوم 30 ديسمبر/ كانون الثاني 2013، وبعد تهجير السلفيين من كتاف تفرغ الحوثيون لقبيلة حاشد في عمران التي تبعد عن العاصمة صنعاء 50 كم، وعلى وقع معارك طاحنة مع القبائل على حدود معقل الحوثيين في صعدة، وعلى وقع مئات القتلى من الحوثيين سيطر الحوثيون على مساحات شاسعة من المحافظة واقتربوا من عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم.
وكان تاريخ 15 يناير/ كانون الثاني 2014م، هو الحدث الأكبر والأعظم الذي أُعلن من خلاله تجريف الهوية الوطنية الجامعة وإعلان صعدة مغلقة على الحوثيين-أو على الأقل هكذا أوصل الحوثيون رسالتهم- عندما أعلنت لجنة وساطة أنه جرى الاتفاق على ترحيل “سكان دماج” من ديارهم خارج “البلدة”، وبالفعل تم “تهجير” 15 ألف نسمة خلال مهلة أسبوع، وتاه المهجرون بين المحافظات، وفي اليوم التالي 16 يناير/كانون الثاني كانت سياراتهم خارجه من منازلهم تاركين خلفهم تاريخهم وذكرياتهم مع وعود قطعوها بالعودة.
مرحلة التيّه
ضاع المهجرون وعائلاتهم بين صنعاء والمحافظات المجاورة، من لم يجد ملجأً بين أقاربه افترش الأرض في ليالٍ شديدة البرودة كما هي عادة شهر (كانون)، أشار مسؤولون حكوميون وقتها إن الرئيس عبدربه منصور هادي اتفق مع السلفيين أن ينتقلوا إلى الحديدة لكن ذلك لم يحدث، ظلت المأساة شهوراً وانشغل اليمنيون بأحداث اقتراب الحوثي من العاصمة، ضاع ملف تهجير سكان دماج في الأدراج وفقد الجميع طريق الوصول إلى المسؤولين الذين لم يختموا عام 2014م إلا بسيطرة كاملة للحوثيين على السلطة والثروة واحكموا قبضتهم على الدولة والقرار السياسي فيها.
باجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م ترك المعارضون السياسيون والصحافيون منازلهم خشية الاعتقال في شكل آخر من أشكال التهجير القسري تفرقوا بين المحافظات وفي مدنها بعد أن عاشوا أياماً واسابيع متخفين داخل صنعاء، حتى جاءت عمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في مارس/آذار 2015م، فكانت يد البطش الحوثية تضرب كل من يخالفها بالرأي أو تحاول التعبير عن آرائها.
دخل الحوثيون مرحلة جديدة من تهجير اليمنيين وفرز هوياتهم، فطردوا المدنين من منازلهم في مناطق القتال ليحولوها إلى تحصين ضد تقدم القوات الحكومية، فعلى سبيل المثال لا الحصر قام الحوثيون خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني و ديسمبر/كانون الأول بتهجير أكثر من خمسين ألف نسمة من قرى تعز على النحو الآتي:
في 30 ديسمبر/كانون الأول وصلت عشرات الأسر إلى منطقة “الحوطة” عاصمة محافظة لحج قادمة من “الشريجة” بعد أن هجرها الحوثيون، وأعطتهم مهلة 12 ساعة في اليوم السابق لحزم أمتعتهم الشخصية فقط.
في 25 نوفمبر/تشرين الثاني تعرض أهالي قرى الأكبوش والكعاوش بعزلة الأحكوم في بلدة حيفان، بالإضافة إلى أهالي قرية الحود والعقيبة بمنطقة الشرف في بلدة الصلو، تهجير قسري وتحويل منازلهم وقراهم إلى مخازن أسلحة وثكنات عسكرية.
السادس من نوفمبر/تشرين الثاني قالت شبكة راصدين إن جماعة الحوثي هجرت 3 آلاف أسرة من بلدة الوازعية و250 أسرة من منازلها في بلدة الصلو، و142 أسرة من حيفان، وأكثر من 175 أسرة من منطقة التعزية شرقي عاصمة المحافظة تعز.
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني أجبر الحوثيون سكان 45 منزلا على الإخلاء القسري من قرية الدبح التابعة لبلدة “التعزية” الواقعة قرب جبل حبشي، وذلك بتهمة دعم الأهالي للمقاومة والجيش الوطني.
يرث المجتمع اليمني تركة تهدد تقسيمه وفرزه أكثر محولاً إياه إلى صراعات أثنية وطائفية، فما حدث بحق تجريف الهوية الوطنية بدءً من دماج وحتى اليوم أكثر بكثير من استيعاب المرحلة، بل هو تحشيد (ليس من أجل الطموح لكنه من أجل البقاء).
وهذا التجريف للهوية الوطنية هو أخطر ما يهدد مصير اليمن، عادة ما تستطيع البلاد تجاوزه في صراعتها القبلية لعدة مؤثرات داخلية و”حكمة يمانية” خالصة، لكنها المرة الأولى التي يكون لذلك المؤثر الخارجي وجود والتي يغلب عليه التشيع القومي القادم من إيران، ولخططها مصالحها تسعى إلى فرز أكبر في صراعها من السعودية التي تمثل مركزاً للسلفية السنية في المنطقة.
ستنتهي الحرب في اليمن، فلا حرب تدوم أبداً، ومع كل “حرب أهلية” تنشأ تلك الهويات الفرعية، التي تُدين الهوية الوطنية الجامعة، وتحاول محوها لتطغى كتفككيه مُحبطة لأجيال مابعد الحرب، ولتظهر كلمة “المواطنة” كغرابية تثير الشجون، ومزاعم الخوف من مستقبل هويتهم الفرعية.
الهويات الفرعية التي تُنتج تتشكل ببطء كنجم “سوبر نوفا” حتى يحدث الإنفجار الكبير، وبدون وعيّ مجتمعي وصلنا إلى مرحلة حرجة من تلك العصبويات المُقسمة التي جرفت الهوية الوطنية الجامعة، في مرحلة تأجيج قاسية لم يسبق لليمنيين أن وصلوا لها منذ عبدالله بن الحمزة (1200م-600هـ) عندما أباد أبناء الطائفة المطرفية في حراز، وهي النقطة الأكثر رعباً في تاريخ اليمن، حتى حضر الحوثيون وهجروا يهود آل سالم في 2011م، وزاد الرعب في يناير/كانون الثاني 2014 بتهجير سكان بلدة دماج، وها نحن ذا في فرز مخيف ومستقبل غامض.