بين صرخة المولود متألما لفراق حياة رغيدة، ومستوحشا من حياة مجهولة بين صرخة المولود متألما لفراق حياة رغيدة، ومستوحشا من حياة مجهولة، وبين صرخة المرأة وهي تقذف به إلى وهن الحياة، وصراخها في سائر شأنها تستغيث وتستنجد، وبين صراخ أفلام الزومبي الأمريكية وهي تقتلع قلوب المشاهدين، وبين صراخ أب فاشل يعوض قدراته المفتقده أمام أطفال عاجزين وزوجة مقهورة، تعلو صرخة زومبي اليمن وهم من كل كهف ينسلون، ومن القرى يخرجون، ينفضون عن كواهلهم الميتة التراب.
الصرخة..
في محصلتها النفسية مؤشر ضعف.. حيلة العاجز، متنفس المغلوب؛ إنها الرديف في استراتيجة الصارخ للوصول ، وجوقته للخداع والنفاق، إنها جوخ التورية بألوانه الفسفورية الذي يعطي أكثر من دلالة في وقت واحد. لا دلالتين فحسب.
صرخة مؤدلجة؛ فهي بتهوفينية من جهة الغرب هولوكستية من جهة الشرق؛ الغرب يعرف أنها غطاء والشرق يعرف أنها بغاء ينبت كلأ الرذيلة لا أكثر.
صرخة تبدأ بلفظ الحق وتمرغ منه في ذات الوقت ؛ غير أن صرخة صبيان مران فاقت مناورات ملالي طهران في سياستها؛ لقد تجاوزت موسوعة جنس دون أن تدخلها، صرخة زومبي؛ أموات يقتلون أمواتا؛ فاليمنيون لم يكن ينقصهم غير موت فيزيائي يضفي صفة الموت الرسمي عليهم بعد أن أذاقهم الحليف السخي صالح في حكنه ألوان الموت لتكتمل بذلك دراما المشهد على يد هؤلاء.
الصرخة توقف الدم في اوردة الضعفاء بدل أن تنطلق من حناجرهم لأن لها ما بعدها، وهي توقف إقامة الصلاة في المساجد وتعلو عليها، وتقطع صوت الحق في المنابر وتنافسها؛ فهي استهلال كل بطش قادم، ونهاية كل جريمة تتم.
إنها شرعنة الفساد وامتداد لكل سينارو رهين الاعداد، إنها صوت مشروخ موسوم بالتناقض يختم على كل أداء كارثي ينخلع عن الانسانية، ويتجاوز العقل، ويخرج عن عرى الدين.
صوت السفاح يغلب خواره خوار ذبيحته حين يشخب دمها ليعلن بصرخته المكبوت؛ منتصرا لأجل الانتصار ،مزهوا لأجل الزهو.
لقد صمت اليمنيون كثيرا وحين أرادوا أن يصرخوا جاءهم من يكتم أصواتهم إلى الأبد، ويصرخ فوق جثثهم الصامتة.. إنها مفارقة الظاهر والباطن للصرخة، العذاب في صورة الرحمة ، الرفض في صورة الالتزام، الفساد في شكل الصلاح، الموت في صوت الحياة.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.