اخترنا لكمتراجم وتحليلاتغير مصنف

ماذا يريد “صالح” من الإصلاح؟! (قراءة في رسالة مؤتمرية غريبة)

قراءة تحليلة تسبر أغوار مطامع صالح من حزب الإصلاح واستخدام تكتيكات حرب 94م واستخدام الحوثيين. يمن مونيتور/ خاص/ من ليث الشرعبي
قبل أيام نشر موقع “المؤتمر نت” لسان حزب الرئيس اليمني السابق، نشر ثلاث رسائل منسوبة إلى ناشطين سياسيين مجهولين تحت عنوان: “سياسيون يوجهون 3 رسائل لعلي محسن وحزب الإصلاح ونظام آل سعود”.
ويرى سياسيون أن الرسالة الموجهة للإصلاح هي بيت القصيد، وهي الرسالة الأولى التي يوجهها صالح لهذا الحزب منذ بدء عاصفة الحزم بلغة هادئة وخالية من مفردات الشتائم التي تربى عليها إعلام المؤتمر، ومضمون الرسالة هو تحذير الإصلاح من مخطط يسعى إلى تفتيت اليمن، ومطالبته بالتوقف فورا عن القتال حفاظا على الوحدة، وانتهت الرسالة بالقول: “وأن لا يتنكروا لما قدموه من تضحيات من أجل الوحدة”… فماذا يريد صالح من الإصلاح؟
الظروف تغيرت
استغل صالح الفراغ الموجود في اليمن بعد ثورة 11 فبراير بسبب ضعف إدارة الرئيس هادي وحكومة الوفاق التي رأسها محمد سالم باسندوة وخلافات الشركاء السياسيين، وتحالف مع الحوثي بغرض السيطرة على البلد وتكرار سيناريو صيف 94م، واعتقد صالح أن جماعة الحوثي ستعوضه عن خسارته للإصلاح، وكما أزاح الحلفاء السابقين سيزيح حليفه الجديد لاحقا، فصالح واقع تحت وهم إنه أذكى وأمكر شخص في اليمن.
ولأن صالح من الماضي ويشتغل بأدوات قديمة فقد أقر نفس الخطة العسكرية التي اعتمدها في 94م عندما فجر الحرب في عمران، وشكل جبهتين إحداهما مرت عبر مأرب باتجاه حضرموت وأخرى عبر تعز صوب عدن، وهذا ما حدث في هذه الحرب القائمة لولا أن المقاومة الشعبية كانت له بالمرصاد.
وكما تجاهل صالح التحذيرات الدولية في 94م من اقتحام عدن، تجاهل هذه المرة التحذيرات الخارجية التي أوصلها له ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بواسطة نجله أحمد بأن عدن خط أحمر، وظن صالح أن دول الجوار ستكتفي بالتنديد والاستنكار وأنه سيفرض أمر واقع على غرار الأمس لكن “ما كل مرة تسلم الجرة”، فالظروف قد تغيرت 180 درجة ووحده صالح لم يتغير.
ومؤخرا أيقن صالح أن خطته فشلت للأبد، وظهرت إلى السطح عدة مؤشرات أثارت هلعه، وهذه المؤشرات تشير إلى أن القوى الدولية قد اتخذت قرارها بفصل الشمال عن الجنوب لضمان منفذ لنفط الخليج إلى البحر العربي عبر الجنوب الذي أسند ملفه إلى بريطانيا، والسيطرة على باب المندب لضمان سلامة الملاحة الدولية وقطع الطريق على إيران في هذه المنطقة الإستراتيجية التابعة لتعز المحسوبة على الشمال تأريخيا وعلى الجنوب جغرافيا، وبعدها سيعلن التحالف العربي وقف الحرب بموجب اتفاق ترعاه أمريكا بين السعودية والحوثي يؤمن للأولى حدودها، ويعطي الضوء الأخضر للأخير بالاستفراد بالشمال بدون باب المندب!
 
قراءة “صالح”
يرى صالح أن هذا المخطط الدولي غير المعلن هو ما يجري على أرض الواقع الآن، وفي الرسالة التي وجهها للواء علي محسن قال “صالح”بكل وضوح: “يجري الترتيب لاستكمال كيان الدولة الانفصالية في الجنوب بمعزل عمن يدّعون أنهم جزءا من دولة الوحدة التي يقوم هادي بتفكيك أوصالها في غفلة منهم، وليس أدل على ذلك من التعيينات والقرارات التي يصدرها هادي بتعيين الجنوبيين في المناطق الجنوبية، وتعيين الشماليين في الشمال، وتغذية وتمويل التناحرات والصراعات فيما بين الشماليين”.
وليس صالح فقط من يطرح هذا الطرح، فهناك آخرون يوافقونه هذه الرؤية ويستدلون بأمور كثيرة منها حديث صحفي منسوب لوزير الداخلية في حكومة هادي اللواء حسين عرب قال فيه “إن مصلحة الجنوب تقتضي استمرار الحرب في الشمال لأطول فترة ممكنة لترتيب أوضاعه”-لكنه عاد ونفى هذا التصريح-، بالإضافة إلى بعض الخطوات كنقل البنك المركزي في الوقت الضائع واعتزام هادي إنشاء شركة للطيران وأخرى للاتصالات في عدن، وإعلان إنشاء كلية للشرطة في حضرموت وغيرها يراها البعض خطوات لتأسيس مؤسسات دولة الجنوب القادمة ناهيك عن تعدد الجبهات في الشمال لاستنزاف الخصوم، وإهمال تحرير تعز رغم أهميتها الإستراتيجية، وصمت علي سالم البيض، وهلم جرا من أدلة يحشدها فريق صالح وآخرين للتأكيد على أن مشروع الانفصال يجري على قدم وساق.
وحتى العمليات العسكرية التي تدور هذه الأيام في ذو باب بتعز استبعد مراقبون أن تكون مقدمة لتحرير المحافظة، وقال رئيس مركز باب المندب للدراسات‏ معاذ المقطري على صفحته في الفيسبوك: “الحرب حق ذو باب متفق بشأنها مع الأمم المتحدة، هدفها تأمين خط الملاحة فقط بدحر المليشيات كم كيلو من الساحل”، مضيفا: “المساحة الآمنة ستديرها القوة العسكرية التي تحارب اليوم” في إشارة للقوات المنتمية للمحافظات الجنوبية التي قادت هذه العملية بصورة لافتة بعد أن كانت تمتنع عن المشاركة في أي معارك بالشمال مما اعتبره البعض محاولة دولية لضم باب المندب للجنوب مستقبلا، والملفت أيضا أن سفير اليمن في بريطانيا د. ياسين سعيد نعمان وهو قيادي جنوبي أشاد بهذه العملية، وتجاهل في منشوره على صفحته في الفيسبوك أن المنطقة تابعة لتعز!
ونشر موقع “سكاي نيوز” التابع لدولة الإمارات وهي طرف رئيس في قوات التحالف تقريرا صحفيا يؤكد ذلك جاء فيه: “تحرير منطقة ذو باب شكل ضربة قوية لميليشيات الحوثي وصالح، ويمنعها من تهديد مضيق باب المندب ويحقق هدف التحالف العربي بحماية الملاحة البحرية في المضيق الذي يشكل الشريان التجاري الاستراتيجي لكافة دول العالم”.
وجاءت تصريحات المتحدث باسم قوات التحالف العربي أحمد عسيري الأخيرة وكأنها مقدمة لرفع قوات التحالف يدها عن الحرب في اليمن قريبا، وترك القوى في الشمال تتصارع لزمن طويل، حيث قال عسيري لقناة العربية إن القوات الحكومية اليمنية أصبح لديها القدرة على إدارة العمليات العسكرية.
دور الحوثي
تقول مصادر مؤتمرية خاصة لـ(يمن مونيتور) إن صالح يشك بتواطؤ جماعة الحوثي في تنفيذ هذا المخطط بناء على وعود دولية بتمكينها من حكم الشمال خصوصا وأن الجماعة تنفرد باللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين في سلطنة عمان وذهبت منفردة إلى ظهران الجنوب بالسعودية، وأن دورها الآن هو تمثيل دور المتصلب والمتعنت في أي حوار سياسي سيجري بين الفرقاء اليمنيين وذلك لاستكمال هذا المخطط الدولي الذي يراه صالح ويحذر منه، ولهذا خاطب صالح الإصلاح بينما الحوثي حليفه أقرب إليه ونفس الرسالة ستؤدي الغرض ذاته، فصالح يريد أن يستغل وطنية الإصلاح ويعرف أن الحزب يقدم المصالح الوطنية على مصالحه الحزبية وقد خسر في سبيل ذلك الكثير، والإصلاح أيضا العمود الفقري للمقاومة الشعبية التي لولاها بعد الله لما تمكن التحالف من تحرير محافظة يمنية، وهو ما يدركه صالح جيدا ولا تدركه بعض القوى المؤيدة للشرعية!
صالح قلق من تقسيم البلد رغم أن إدارته السيئة للسلطة كانت أهم عوامل تغذية المشاعر الانفصالية، وقد وجه رسالته للإصلاح وأعقبها بلقاء مع قيادات تنتمي لجزيرة سقطرى الجنوبية وقد خاطب صالح الرئيس هادي في اللقاء قائلا: “هذا عقد اجتماعي وسياسي عملناه في عام 1990م بين شطري الوطن وباستفتاء شعبي انتهى التشطير، وراءك بريطانيا وراءك الخليج ما بينفعوك”!
ويعود قلق صالح لسببين رئيسيين، أولهما، شعوره بأن الوحدة اليمنية منجزه الوحيد الذي يتفاخر به، ولا يتمنى انهيارها وهو على قيد الحياة لأن التأريخ والأجيال ستلعنه للأبد كونه طرفا رئيسا في هذه الحرب التي تبدو شماعة لترسيم مشروع الانفصال بنظره وبنظر البعض، والسبب الثاني هو أن صالح ورجالاته من “الهضبة المقدسة” لديهم مصالح كبيرة في الجنوب من شركات نفطية وشركات اصطياد ومزارع وغيرها تدر عليهم مليارات الريالات، وأي تقسيم لليمن سيحرمهم من موارد ضخمة، وهذا أيضا أحد أهم أسباب رفضهم لفكرة الأقاليم.
وجماعة الحوثي وإن كانت توافق صالح على أهمية السيطرة على الشمال والجنوب إلا أن مصالح أتباعها قليلة في الجنوب، وقد تفرط بالجنوب إذا شعرت أن الوصول إليه صعب بشرط ضمان سيطرتها على الشمال لأنها تخاف من انتفاضة تعز ومأرب والحديدة إذا ذهب الجنوب، ولولا هذه المخاوف لتركت الجنوب فهي تنظر للأمور بمنظور مادي بحت، ولا مكان للوحدة الوطنية في قاموسها، ولا تخاف على صورتها المشوهة أصلا، فإيرادات المحافظات الشمالية مكسب كبير بالنسبة لها مقارنة بإيرادات صعدة التي ظلت تنهبها لسنوات، ونهب إيرادات الشمال منجز عظيم بنظر الحوثي لأنه سيتمكن من بناء أبراج سكنية للأسر الهاشمية الموالية له، وإنشاء شركات استثمارية عابرة للقارات، وقد سبق أن تنازل الإمام يحيى عن الضالع لبريطانيا مقابل مصالح شخصية في 1928م.
الإصلاح كبير
ما لا يدركه صالح الآن هو أن الإصلاح قد شب عن الطوق ولن يضحي نيابة عن صالح، ولن يفرط بشرعية دستورية لصالح جماعة إرهابية عنصرية مارست ولا زالت جرائم حرب وأبشع الانتهاكات بحق الإصلاح والإصلاحيين في مختلف المحافظات بما فيها المدن التي لم يقاتل فيها الإصلاحيين ولا قامت فيها مقاومة.
الإصلاح لن يقدم رقبته إلى مشنقة الحوثي مهما كان الثمن، ومن يزعمون خوفهم على الوحدة اليمنية عليهم أن ينسحبوا من المعركة أولا لإثبات حسن نواياهم خصوصا وأنهم ليسوا عرضة للملاحقات والاعتقالات والتصفية كما هو حال الإصلاح مع جماعة الحوثي التي لم تغفر للإصلاحيين المحاربين ولا تركت المسالمين في منازلهم، والسجون أكبر برهان.
وحزب الإصلاح لا يرضى للشعب اليمني الانفصال، ويراهن على صحوة القيادة السعودية الجديدة لأن مشروع الانفصال يهدد الأمن القومي الخليجي.
إيران متواجدة في المحافظات الجنوبية منذ سنوات، ودربت فصائل في الحراك الجنوبي في طهران وبيروت، وهذه الفصائل ستضع الجنوب على صفيح ساخن في الوقت المطلوب، وهذه الفصائل الجنوبية تعمل حاليا مع الحوثي من خلف الستار ويكفي متابعة إعلامها وخطابها المتطابق مع إعلام الحوثي، وطعنها في شرعية هادي بطريقة غير مباشرة من خلال الحملات الإعلامية المستمرة ضد الإصلاح الذي يمثل أهم قوى الشرعية الواقفة ضد الانقلاب.
ولا نبالغ إذا قلنا إن بعض فصائل الحراك تفضل احتلال الحوثي على الانفصال بقيادة هادي، والوثائق التي نشرتها قناة بلقيس قبل أسابيع كشفت عن مجموعة من القيادات الجنوبية المنضوية في مشروع الحوثي، وبحسب تعليق ساخر لأحد الناشطين فإن “فادي باعوم يحلم أن يعينه الحوثي مشرفا على حضرموت”!
أنشأت إيران جماعة الحوثي ضمن خطة إستراتيجية للسيطرة على الحرمين الشريفين وتواجدها بالحد الجنوبي للمملكة يكفيها، والحوثي مهما تظاهر بالاستقلال فهو بالأخير ذراع إيراني مسلح ينتظر ساعة الصفر الإيرانية لينطلق بدافع مذهبي عقائدي مقدس، والسيطرة على باب المندب غير كافي ولا مضمون.
ما يجري اليوم معركة مصيرية الانتصار فيها هو الحد الأدنى، وليس أمام دول الخليج إلا الحسم العسكري لضمان أمنها القومي، وليس أمام الإصلاح من خيار إلا المقاومة لحماية نفسه ووطنه، وواهم هادي إذا ظن أن الجنوب سيعصمه إذا استمرت الحرب في الشمال، وإذا كان صالح خائف على مستقبل الوحدة فمطلوب منه الانسحاب من هذه المعركة قبل مناشدة الإصلاح، ولو الانسحاب من تعز على الأقل نظرا لما تمثله هذه المحافظة من ثقل وطني وقربها من عدن، وترك الحوثي يواجه مصيره بمفرده لأنه يأبى إلا أن يقود الوطن إلى الجحيم.
—————————————
*مادة تحليلية خاصة، لكنها لا تمثل بالضرورة سياسة شبكة (يمن مونيتور).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى