رب قائل يندفع ليردّ على كل محاولة أو شواهد تؤكّد إسلامية حزب العدالة والتنمية غير المعلنة، بأن قيادات حزب العدالة أنفسهم يصرّحون بأنهم علمانيون، وأن حزب العدالة ليس إسلامياً، بالمعنى الذي عليه الحال في دول عربية وإسلامية عدّة، بل لايعدو الأمر انطلاقته من مرجعية إسلامية. حزب العدالة يقدّم نموذجاً جديداً للعلمانية…. لماذا؟ وكيف؟
رب قائل يندفع ليردّ على كل محاولة أو شواهد تؤكّد إسلامية حزب العدالة والتنمية غير المعلنة، بأن قيادات حزب العدالة أنفسهم يصرّحون بأنهم علمانيون، وأن حزب العدالة ليس إسلامياً، بالمعنى الذي عليه الحال في دول عربية وإسلامية عدّة، بل لايعدو الأمر انطلاقته من مرجعية إسلامية.
ومثل هذه الإطلاقات لن تفهم كما ينبغي إلا في ضوء بعض المعطيات من أبرزها تصريح أكبر رأس في الحزب وهو الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه ابتداء (مسلم وليس علمانياً)، ردّا على سؤال له عمّا إذا كان علمانياً ؟ ففي ذروة انتصار الربيع العربي في مصر، الذي كان للإسلاميين هناك دور بارز فيه صرّح أردوغان رئيس الوزراء التركي -حينذاك- عشية زيارته إلى مصر بناء على دعوة من الرئيس محمد مرسي، قبل أن يدلي هناك بحديث أكثر استفاضة في دار الأوبرا المصرية- على سبيل المثال- بأنّ:
” رجب طيب أردوغان ليس علمانياً، فهو مسلم، لكنه رئيس وزراء دولة علمانية” (21).
واستطرد شارحاً لمفهوم العلمانية عنده وحزبه بقوله إن العلمانية يعني “أن تكون الدولة علي مسافة متساوية من كل الأديان. الأشخاص لا يكونون علمانيين[ تأمَّل]، لكن الدولة تكون علمانية.الأشخاص يستطيعون أن يكونوا متدينين، أو ضدّ الدين، أو من أديان أخري. 99% من الأتراك مسلمون وهناك أتراك يدينون بأديان أخرى، ولكن الدولة تتعامل مع الكل بالتساوي. الدولة العلمانية لا تنشر “اللادينية” وإنما العلمانية تعني احترام كل الأديان، وتؤمّن حرية كل شخص في أن يمارس عقيدته (22).
ولو أخذنا ابتداء مفهوم المخالفة في تصريح أردوغان في قوله:
” رجب طيب أردوغان ليس علمانياً، فهو مسلم”؛ لكان المعنى المباشر أن العلمانية كفلسفة كليّة نقيض الإسلام، وأن العلمانية لا تجتمع مع الدّين بأيّ وجه. مع أنه حاول بعد ذلك في حواره ذاته، فيما يشبه الاستدراك، وفي ضوء واقع الحال في تركيا ومعاناة حزب العدالة والتنمية ونضاله أن يفسّر مقولته السابقة بقوله: ” مفهوم العلمانية ليس مفهوم رياضيات، كأن نقول حاصل 2 ضرب2 يساوي 4، فتعريفات المفاهيم الاجتماعية تختلف فيما بينها، فالعلمانية في المفهوم الانجلوساكسوني، لها مفهومها المختلف عنه في أوروبا، كما أن المفهوم التركي لها مختلف. وقد دفعنا ثمناً باهظاً من أجل ذلك المفهوم في تركيا”(23).
ومع أن جملته الأخيرة السابقة، توضّح مدى الانقلاب الفعلي على العلمانية المتوحشة التي سادت هناك منذ فرضها مؤسسها مصطفى كمال أتاترك، وقد كانت مصادمة للدين بل للإنسان والقيم الاجتماعية التركية والحقوق والحريات، ولكل ماينتمي إلى أصالة الشعب التركي وارتباطه بأمته وثقافته ، وذلك حين قال:
” …كما أن المفهوم التركي لها مختلف. وقد دفعنا ثمناً باهظاً من أجل ذلك المفهوم في تركيا”؛
ولعل أردوغان قد أوضح هذا المعنى بما يؤكّد بوضوح أكثر سلامة التحليل السابق، في حديثه مع قناة الجزيرة في برنامج المقابلة في 3/11/2016م المشار إليه آنفاً، فقد أعيد توجيه السؤال إليه مباشرة: عمّا إذا كان علمانياً ؟ أم إسلامياً؟ أم محافظاً، والسؤال مركز عن منطلق التشكل الفكري تحديداً لديه؟”فأكّد على أنه “شخص مسلم قبل كل شيء وهذه هي الخطوة الأولى في العمل” (24)، ثم أشار إلى أن ثمة تطورا في شخصه، وشدّد على ضرورة تطوير الذات، وأن حزب العدالة والتنمية أفاد من أخطاء تجارب من سبقه، ولا سيما حزب الرفاه ، وتطور كذلك حتى جاء بمفهوم مختلف للديمقراطية كما للعلمانية عن ذلك المعنى الذي كان سائداً في تركيا. وجاءت إجابته حرفياً هكذا فيما يتصل بمفهومه وحزبه للعلمانية:
قال:” … وجئنا بمفهوم جديد للديمقراطية، وأرينا العالم كيف لمسلم أن يمارس السياسية. كمثال جئنا بمفهوم جديد للعلمانية. قلنا إن العلمانية ليست بالشكل المفهوم في تركيا الآن[ يقصد قبل مجيء العدالة والتنمية]. العلمانية هي معيشة كل المجموعات الدينية والفكرية بالطريقة التي يريدونها، وقولهم لأفكارهم كما يؤمنون بها، وقيام الدولة بتأمين كل المعتقدات، وهكذا خططنا الطريق” (25).
وفي سياق تأثره ببعض الشخصيات الفكرية في إطار تشكله الفكري ذكر محمد عاكف ويحيى كمال – مثلاً- أما السياسية فذكر أستاذه نجم الدين أربكان ، مشيراً إلى أن هناك تطوراً مستمراً في الفكر والسياسة، ثم أردف بالقول:
“لكن قبل ذلك : هناك نبينا المحبوب هو خريطة طريقنا، وسنته بالأخص هي خريطة طريقنا،وكلما عشنا هذا الأمر وتعمقنا فيه، يبتعد الإنسان عن الأخطاء، ولكن فوق هذا كله هناك كتابنا الكريم، القرآن الكريم وارتباطنا به، وصدقنا تجاهه مهم جدا. ولكن لم نتجه في يوم من الأيام إلى التشدد، دائما تبنينا الطريق الوسط، ولهذا خير الأمور أوسطها (26).
أبعد ذلك يصحّ أن يقال- عزيزي- إن حزب العدالة والتنمية علماني؟! ورموزه وقياداته علمانيون؟! وكأنهم مسرورون بذلك ، لامضطرون إلى تكييف واقعهم بما يضمن بقاءهم خارج السجون، وغير محرومين من ممارسة نشاطهم السياسي، وخدمة مجتمعهم وأمتهم، إن لم يكونوا ملاحقين مجرّمين، بوصفهم منقلبين على ثوابت الدولة التركية وعلمانيتها. مع أن توصيف أردوغان السابق واضح الدلالة، بيّن الاختلاف من الجذور عن مفهوم العلمانية الذي ساد في العقود السابقة، قبل وصول العدالة والتنمية إلى الحكم؟ وليس كما يصوّر خصومهم المتنافرون من العلمانيين (الدوغمائيين)، وبعض من يمكن وصفهم بـ (المتشدّدين) من الإسلاميين أنهم لايختلفون عن العلمانية السائدة في مجتمعهم ونظام حكمهم إلا رتوش خفية، يعمدون من خلالها إلى تسويق نموذج العلمانية (الأخطر) في ثوب جديد؟ و سمعت أحد المصنفين على (الاتجاه الإسلامي)، يردّد: إن نموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا أخطر في علمانيته على الإسلام من علمانية أتاترك ذاتها، لأنه يزيّن العلمانية باسم الإسلام!!!
وقبل أن استطرد معك في النقاش هيا لننتقل إلى هذه المفاجأة تحت العنوان التالي (الإخوان المسلمون والعلمانية) ولكن في اللقاء القادم -بإذن الله-.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.
___________________________
الهوامش والمراجع:
(21) أردوغان، حوار مع قناة (دريم) المرجع السابق.
(22) أردوغان، حوار مع قناة الجزيرة، برنامج المقابلة الجزء الأول ، مرجع سابق.
(23) المرجع السابق.
(24) المرجع نفسه.
(25) نفسه.
(26) نفسه.