حرب الكوليرا… اليمن يواجه عواقب طبية خطيرة
صنّفت منظمة الصحة العالمية اليمن في مرحلة الطوارئ الطبية، مع انتشار الأمراض في البلاد، ومنها الكوليرا، بعد نحو عامين من الحرب
يمن مونيتور/العربي الجديد
صنّفت منظمة الصحة العالمية اليمن في مرحلة الطوارئ الطبية، مع انتشار الأمراض في البلاد، ومنها الكوليرا، بعد نحو عامين من الحرب
مع استمرار الحرب في اليمن، تعود أمراض مختلفة إلى الواجهة. منها ما اندثر منذ عقود، كحال الكوليرا الذي أعلن عن عودته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبات يتفشى بشكل واسع بمساعدة المياه الملوثة والصرف الصحي غير الآمن بالترافق مع نقص شديد في الاستعداد الصحي الحكومي، والاستجابة الدولية غير الكافية.
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العامة في اليمن إلى أنّ ما مجموعه 7.6 ملايين يمني (30 في المائة من إجمالي السكان) نصفهم من الأطفال، معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا.
في هذا الإطار، تقول الطبيبة نجاة التي عالجت الطفلة ياسمين بشير (7 سنوات): “ياسمين تعاني من الفشل الكلوي بسبب شدة الجفاف الذي أصيبت به مع تأخرها عن العلاج من الكوليرا. وتحتاج الآن إلى وضعها في العناية المركزة. وضعها سيئ جداً في هذا المستشفى الذي يواجه أزمة شديدة من جراء افتقاره إلى الأدوية والمعدات والأطباء وحتى الرواتب للموظفين”.
جاءت ياسمين للعلاج من الكوليرا من منطقة همدان الريفية إلى مستشفى السبعين للأطفال في مدينة صنعاء مع شقيقتها وأشقائها الثلاثة. يقول والدها بشير (38 عاماً): “كانت جدتهم قد أصيبت بأعراض الكوليرا قبلهم وبعدها بثلاثة أيام، انتقل المرض إلى ستة من أطفال أسرتنا، ثلاث فتيات وثلاثة فتية، وقد أصيبوا بإسهال شديد. وعلى الفور، ذهبت بأطفالي إلى أقرب مستوصف في منطقتنا، لكنّ الأطباء لم يقبلوا الحالات بسبب عدم استعداد المستشفى لعلاج هذه الأمراض. ابنتي ياسمين ذهبت في غيبوبة حينها، وشعرت حيالها بالقلق البالغ، ليقترح الطبيب هناك أخذها وبقية الأطفال إلى المستشفى في صنعاء”.
لكنّ مستشفى السبعين نفدت منه بعض الإمدادات، مثل العديد من المستشفيات في اليمن، فاضطر الموظفون إلى الطلب من المرضى شراء الأدوية الخاصة بهم من الصيدليات الخارجية إذا كانت متوفرة. يقول بشير: “أنفقت الكثير من المال لأشتري العلاجات المطلوبة”.
تتفاقم مشكلة تفشي الكوليرا في الوقت الذي يعيش فيه عدد من المناطق اليمنية حرباً استنزفت كامل أموال الدولة ومنها مخصصات القطاع الصحي الذي تعاني كلّ مرافقه من فشل في التشغيل وشحّ في الأدوية وإضرابات موظفين لم يتسلموا رواتبهم منذ شهر سبتمبر/ أيلول الماضي. بذلك، يرمي القطاع الصحي اليمني كلّ مسؤوليته على المنظمات الصحية الدولية العاملة التي بدورها لا يختلف وضعها كثيراً عنه في ظل استمرار اتهامات مسؤولي الصحة للمنظمات أنّها لم تنزل إلى الميدان بعد.
إلى ذلك، تشير تقارير المنظمات وتصريحات مسؤوليها إلى تدخلها لعلاج المرض وحصاره خصوصاً عبر المساعدة في توفير مياه الشرب الآمنة وأنظمة الصرف الصحي والتوعية بكلّ ما يمكن أن يقي من الوباء. لكنّها لا تشير إلى كمية المساهمة في إنقاذ الوضع.
في أوقات معينة من كلّ عام، تزداد إصابات الإسهال لدى تلاميذ مدرسة “النور” بقرية إسبيل عنس في محافظة ذمار (وسط) كما يقول أحد أولياء الأمور. يضيف أنّ التلاميذ يضطرون إلى الخروج إلى العراء المجاور لقضاء حاجتهم بسبب عدم وجود دورات مياه في المدرسة. وهو ما يهدد جميع السكان، فبركة مياه القرية لا تبعد كثيراً عن المكان. يتابع أنّ معظم المدارس في البلاد مثل هذه المدرسة، لا دورات مياه فيها، ما قد يؤدي إلى امتداد الكوليرا إليها.
في العاصمة صنعاء، يشير مدرّس اللغة العربية في إحدى المدارس الخاصة عادل الصلوي إلى أنّ إدارة المدرسة خصصت أوقاتاً للتوعية بالأمراض والأوبئة خصوصاً الكوليرا، باعتباره تهديداً حقيقياً اليوم. يضيف أنّ الدروس التوعوية تساعد التلاميذ في كشف الأمراض والأوبئة وتعرفهم بكيفية التعامل معها. لكنّه يبدي مخاوفه من إمكانية انتشار الأمراض في المدارس الحكومية التي لا تهتم بالجانب الصحي كثيراً. يقول لـ “العربي الجديد”: “أعداد التلاميذ في المدارس الحكومية كبيرة جداً ويحتاجون إلى جهود كبيرة من أجل توعيتهم بمخاطر مرض الكوليرا وطريقة التعامل معه”. يلفت إلى أنّ إصابة واحدة في المدرسة تعني “كارثة محققة”.
في السياق نفسه، يقول مسؤول دولي في تنسيق الأنشطة الصحية في اليمن إنّ الشركاء العاملين في المجال الإنساني ينفذون أنشطة لاحتواء الوباء وعلاج ضحاياه في كلّ المناطق المنكوبة دعماً لوزارة الصحة العامة. يضيف المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”: “يساهم حالياً 24 مركزاً طبياً مدعوماً من المنظمات الدولية بمعالجة الحالات المصابة بالكوليرا في 15 محافظة ذات أولوية في أنحاء اليمن. جرى أيضاً نشر فرق استجابة سريعة للتحقق من انتشار المرض والاستجابة له بصورة فورية وفعالة”.
من جهتها، تقدم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” كميات غير كافية من وقود المازوت “الديزل” لتمكين عدد من شبكات المياه الحكومية من الضخ عبر الشبكة العامة بعد إضافة الكلور إليها. كذلك، تستمر المنظمات بتعزيز التدخلات الخاصة بمعالجة المياه المنزلية بالكلور لاحتواء تفشي المرض في المناطق الأكثر عرضة لخطر الإصابة. لكنّ المسؤول نفسه يتطرق إلى مشكلة انخفاض التمويل الذي يحدّ من الوصول إلى المجتمعات الضعيفة والمهددة، لا سيما خارج المدن الكبيرة.
يبدو أنّ منظمة الصحة العالمية تحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة حتى تنجح في محاصرة الوباء، إذ تشير تقارير المنظمة إلى تلقيها 21 في المائة فقط من حجم التمويل المطلوب خلال العام الماضي والذي يبلغ 120 مليون دولار في المجمل. وتشير آخر تقارير منظمة الصحة العالمية أنّه في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي جرى تسجيل 148 حالة إصابة بالكوليرا في 12 محافظة يمنية، وكان منها 92 حالة وفاة مؤكدة. وتقول المنظمة إنّه جرى الإبلاغ عن أكثر من 11.600 حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا في 15 محافظة.
ويعتبر اليمن سابع دولة تعاني من شح المياه عالمياً. ولا يتلقى سوى 26 في المائة من اليمنيين إمدادات المياه من الشبكة العامة التي تصل منذ سنوات ملوثة وغير صالحة للشرب. ويضطر معظم السكان إلى التزود بالمياه من مصادر مختلفة تعتمد على الأمطار ومجاري الأنهار المكشوفة والمعرضة للتلوث والحشرات.
افتقار للصرف الصحي
لا يحظى بتغطية شبكة الصرف الصحي العامة في اليمن أكثر من 16 في المائة من السكان. كذلك، يشير البنك الدولي إلى أنّ البلاد هي الثانية في الشرق الأوسط بعد السودان في قضاء الحاجة البشرية في العراء بسبب افتقارها إلى أنظمة الصرف الصحي، وشحّ الموازنة الحكومية الصحية التي لم تتجاوز 8 في المائة في أفضل حالاتها.