عن المسرح التونسي .. “الثورة” ضلت الطريق إلى خشبته
“أعطني مسرحا أعطيك شعباً عظيماً” .. تلك العبارة كانت أشهر ما قيل في فن المسرح تقريباً، غير أن تطبيقها على واقع المسرح التونسي شهد العديد من العراقيل منذ استقلال البلاد عام 1956 وحتى اليوم.
يمن مونيتور/تونس/الاناضول
“أعطني مسرحا أعطيك شعباً عظيماً” .. تلك العبارة كانت أشهر ما قيل في فن المسرح تقريباً، غير أن تطبيقها على واقع المسرح التونسي شهد العديد من العراقيل منذ استقلال البلاد عام 1956 وحتى اليوم.
فرغم استقلال تونس عن فرنسا العام 1956، إلا أن مسرحها لم يكن له النصيب الكافي من هذا الاستقلال وظل يعاني من التضييق تارة والتهميش تارة أخرى.
وجاءت ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي فتحت أبواب حرية الرأي والتعبير، لكنها لم تمنح المسرح ما يبتغيه من اهتمام ودعم، فاستمرت المعاناة، في الذكرى السادسة للثورة.
وكأن “الثورة” التي يحتاجها أبو الفنون في تونس ضلت طريقها إلى خشبته.
واستمر التضييق على مسرح تونس منذ الاستقلال، إلا أن الظاهرة برزت، بحسب مسرحيين، في زمن نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987-2011) الذي أطاحت به ثورة يناير، فعانى المسرحيون من التضييق والتهميش.
ولم يخف عدد من المسرحيين التونسيين في مناسبات عدّة تعرضهم لمضايقات كثيرة جراء نقدهم للسلطة وتمريرهم رسائل من خلال أعمالهم المسرحية لم تكن على هوى المسؤولين في فترة ما قبل ثورة يناير.
وبحسب الممثل المسرحي التونسي، حسين المحنوش، فإنه منذ سنوات الاستقلال الأولى كانت هناك محاولات لشد أزر المسرح، وجعله مستمراً مرتكزاً على أمور ثابتة من خلال تظاهرات (فعاليات) كانت تخدم هذا القطاع ومن بينها أسبوع المسرح الذّي كان يقام سنويّا.
غير أن هذا، بحسب المحنوش الذي تحدث للأناضول، “لا ينف وجود الرقابة والتسلط ومنع مسرحيات من العرض، فكانت تلك الرقابة عبارة عن سيف مسلول على رقبة كل فنان سواء في نصه، أو طريقة آدائه، فلم تكن هناك حريّة بالمعنى المطلوب بل كانت محدودة جدّا”.
المحنوش، الذّي أسس فرقة “قرطاج بيرصا” (منطقة في ضواحي العاصمة تونس) للمسرح في السبعينيات، قال إن فرقته “عانت الأمرّين من موضوع الرقابة فقد كان هناك لجان (رقابية) تابعة لوزارة الثقافة فيها (كل لجنة) 12 أو 14 شخصاً بينهم أمنيون وحتّى من ليس لهم علاقة بالمسرح”.
وتابع: “كانت هناك صعوبة في الحصول على تأشيرة العمل (تصريح من وزارة الثقافة)، وسط محاولات للحد من طموحنا وعراقيل لا نهاية لها”.
“كنا نحرم من الجوائز رغم أحقيتنا بها، ولا نحصل على تأشيرة العرض (من وزارة الثقافة لكن كان للأمن دور فيها) في وقتها ويتم تعطيلها، وهو إرهاب فكري”، هكذا تحدث المحنوش بشيء من الألم، قبل أن يعود ليقول: “كل تلك المحاصرات لم تمنعنا عن حب المسرح”.
المحنوش، الذّي بدأت مسيرته الفنّية العام 1974 وهي سنة تخرجه في مركز الفن المسرحي (معهد مسرحي) بالعاصمة تونس، رأى أن بلاده في حاجة إلى “ثورة ثقافية “، معبراً عن ذلك بقوله: “ما أحوجنا اليوم إلى ثورة في قطاع المسرح والثقافة بشكل عام”.
واعتبر الممثل التونسي أنه لا توجد اليوم عدالة في توزيع الدّعم على الفنانين فالوزارة (الثقافة) وبحسب تعبيره، “تبنت الثورة (ثورة يناير/كانون الثان 2011) في بدايتها، ولكنها لم تغتنم الفرصة وحافظت على نفس الممارسات القديمة”، في إشارة إلى تهميش المسرح وعدم الاهتمام به.
ولم يتسن للأناضول الحصول على ردّ من وزارة الثقافة، غير أن المسؤولين بها عادة ما يؤكدون اهتمامهم بالمسرح، ويستشهدون بتنظيم مهرجان أيام قرطاج المسرحي، الذي يحظى بمكانة مرموقة.
وحكى المحنوش واقعة تعرض لها العام 1982، قائلاً: “كنت قدمت في تلك السنة مسرحية في قصر الرئاسة بقرطاج بعنوان منصور الهوش، بعد أن حصلت على جوائز في مهرجانات محلية”.
ومنصور الهواش، بحسب المحنوش، هو “ثائر تونسي من مدنين (جنوب) كان قد تصدى إلى جانب رفاقه للمستعمر الفرنسي وشن معركة ضدهم ومن ثم هاجر إلى ليبيا وتوفي فيها بعد أن ألقى الإيطاليون (زمن احتلالهم لليبيا) القبض عليه وزجوا به في السجن”.
ووفق الممثل المسرحي التونسي، فإن “هذا الأمر (قصة الهوش) لم يعجب الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك فلم ير غيره زعيماً ومجاهداً في تونس، ما كانت له تبعات فيما بعد ومضايقات لكامل فريق المسرحية”.
“عشنا سنوات صعبة ورهيبة جدّا.. كنا نتعامل معها في شبابنا بشكل عادي ولم يكن يعنينا حينها سوى المسرح ولكننا فهمنا فيما بعد أنه لدينا رسائل ولا بد من تبليغها”.
هذه الكلمات بدأ بها محمد الهادي الجويني، المخرج المسرحي ورئيس فرقة “الشمس المسرحي” التي تأسست سنة 1983، حديثه مع الأناضول عن المسرح التونسي وما تعرض له قبل الثورة.
واستحضر الجويني مواقف، يعد نسيانها ليس بالهين بالنسبة إليه، إذ كان في كل مرة يقدّم فيها عرضاً بالمسرح البلدي وسط العاصمة تونس، إلا وتوجه في صبيحة اليوم الموالي إلى مركز الشرطة للتحقيق، ذلك أن أغلب جمهوره كانوا من المحجبات والملتحين في وقت كان يمنع فيه الحجاب بتونس.
وكانت إجابته في كل مرّة بأن “المسرح البلدي مفتوح للعموم ولا يمكن منع الناس من ارتياده”.
واعتبر أنّ “نصوص مسرحياته اجتماعية ذات بعد تربوي ولكنها تحتوي مواقف لم تكن ترضي النظام القائم آنذاك (نظام بن علي )، وهو ما تسبب في إيقاف عروضه ومنعه من تأشيرة العرض”.
ففي مسرحية “تماضر ومعزوفات اللاجئين”، التي شاركت بها فرقته في الدّورة الرابعة لأيام قرطاج المسرحية في الثمانينات، وهي مسرحية تعالج القضية الفلسطينية تم حذفها من مسابقة المهرجان بسبب كلمة “عقيدة” التي كانت تخيف السلطات في تلك الفترة.
وتذكّر الفنان هذا الموقف قائلاً: “كان أحد الممثلين يقول ألا ترى أنّ القضيّة تحل بدون رصاص؟ فكنت أجيبه القضية لا تحل إلا بالرّجال والعقيدة والرصاص .. وكلمة العقيدة (العقيدة الإسلاميّة) لم ترق للجنة الرقابة فتم حرمان المسرحية من المشاركة في المسابقة”.
وتطرق الجويني إلى تواصل معاناة المسرحيين في تونس حتى بعد الثورة، التي جلبت معها حرية التّعبير من خلال “وجود لوبي مسرحيّ، وتعامل وزارة الثقافة فيه شيء من المحاباة تجاه دعمها الفنانين”، حسب قوله.
ومن أبرز أعمال المسرحي محمد الهادي الجويني “أولاد مجردة” سنة 1979، وتتطرق للوضع الاجتماعي عموماً في البلاد ولمعاناة العامل البسيط الذي هضمت أبسط حقوقه.
بالإضافة إلى “باب بحر” سنة 2014 وهي مسرحية تتحدث عن الثورة التونسية.
وشهدت تونس، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الدورة الـ18 لمهرجان “أيام قرطاج المسرحية”، والتي احتفت بـ”بمسرح شكسبير” من خلال تخصيص حيز كبير من العروض لاستحضار أعماله ومدى تأثيرها في المسرح بالعالم.