كتابات خاصة

كيف نتعامل مع الحديث (5)

عبدالله القيسي

المتأمل لمعنى البيان في القرآن سيعرف معنى الآية وما هما المقصود بتبيين النبي عليه السلام، فالبيان في القرآن ورد مقابلا للكتمان، وبيانه للناس أي عدم كتمانه وإخفائه، وليس معناه شرحه والزيادة عليه. بعد أن وضعت أنسب تصور في كيفية التعامل مع ما صدر عن النبي في المقال الماضي أقف في هذا المقال مع الأدلة التي وضعها القائلون بأن ما صدر عن النبي خارج القرآن ملزم وتشريع خالد كالقرآن، ومن ضمن أدلتهم استدلالهم بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}النحل 44. وقد اعتبروا أن هذه الآية دليلا على أن مهمة النبي هي تبيين القرآن للناس، وأن البيان هو الشرح والتفسير.
والمتأمل لمعنى البيان في القرآن سيعرف معنى الآية وما هما المقصود بتبيين النبي عليه السلام، فالبيان في القرآن ورد مقابلا للكتمان، وبيانه للناس أي عدم كتمانه وإخفائه، وليس معناه شرحه والزيادة عليه، يقول تعالى:{وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }آل عمران187. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159. والقرآن وصف نفسه بأنه مبين بذاته {رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ}الطلاق11 . وجعل البيان لله سبحانه {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }القيامة 19.
ثم إذا كان النبي مفسرا ومبينا للقرآن كما يقولون فهل هناك تفسير كامل للنبي موجود اليوم أم أنها روايات آحاد تفسر بعض آيات وتترك الكثير؟ ليأتوا لنا بتفسير النبي وشرحه للقرآن كاملا ..، ثم إذا كان كلام النبي بيانا فلماذا لم يحفظ بنفس درجة حفظ القرآن ولماذا لم يدون كاملا ولماذا لم يوزع عثمان البيان مرفقا بالقرآن؟
ومما يستدلون به أيضا قوله تعالى:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم3- 4. فيستدلون بهذه الآية على أن كل كلام النبي وحيا!
وهذه الآية لا تصلح دليلا لكلامهم لأنهم إن كانوا يستدلون بهذه الآية على أن كل ما ينطقه النبي وحيا، فهذا قول لا يقبله أي عقل، لأنهم بذلك يلغون حياته البشرية من كلام وفعل مع أهله ومع الناس من حوله، فالنبي بشر ورسول فهل كل كلام نطقه وحيا؟ هذا كلام لا يقبله عاقل ! وإن قالوا ليس كل ما ينطق وحيا وإنما بعضه وحي وبعضه غير وحي فلا يحق لهم الاستدلال بالآية لأننا سنكون متساوين في الاستدلال بها، فكلنا يؤمن بأنها لا تعني كل نطق وإنما هناك نطق بالوحي ونطق بالطبيعة البشرية، وهناك سنختلف في المنهجية الدقيقة التي تفصل بين هذا وذاك, وما قلته سيكون أدق وضوحا وستكون الآية في صفه، إذ سيكون معنى الآية واضحا وبسيطا في أن ما ينطقه بالقرآن ليس عن الهوى بل هو وحي يوحى وما ينطقه خارج القرآن فهو من كلامه البشري.
وهذا المعنى يؤكده سياق التاريخ والآيات ذاتها، فلو عدنا إلى السياق العام للآية سنجد أنها جاءت ردا على من اتهم النبي في ما جاء به من القرآن بأنه ليس وحيا، فنزلت الآيات في سورة التكوير لتقول “إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين” ثم أكدت ذلك في سورة النجم فقالت: “وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوى”. فهذه الآية دليل عليهم لا لهم، إذ أنها دافعت عن النبي في اتهامهم للقرآن وليس لكلامه خارج القرآن فأكدت أن القرآن وحي من الله ولم تذكر وحيا غيره.
وهذا المعنى الذي ذكرته ليس غريبا بل هو التفسير الأشهر للآية وهو ما ذكره كثير من المفسرين كالطبري والقرطبي ومقاتل وقتادة والبيضاوي والبغوي وابن حيان الأندلسي والآلوسي وابن جزي والسمرقندي والقاسمي والتفسير المنسوب لابن عباس والتفسير الذي اعتمده الأزهر وتفسير ابن الخطيب والصابوني وغيرهم.
وإليك أقوال المفسرين في الآية:
• يقول تعالى ذكره وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه إن هو إلا وحي يوحى يقول ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه. تفسير الطبري ج27/ص42.
• وما ينطق عن الهوى أي ليس يتكلم بهواه وشهوته إنما يتكلم بما يوحي الله إليه. إن هو إلا وحي يوحى يعني القرآن. التسهيل لعلوم التنزيل ج4/ص75.
• وما ينطق عن الهوى يعني ما ينطق بهذا القرآن بهوى نفسه والعرب تجعل عن مكان الباء تقول رميت عن القوس أي بالقوس وما ينطق عن الهوى أي بالهوى إن هو إلا وحي يوحى يعني ما هذا القرآن إلا وحي يوحى إليه. تفسير السمرقندي ج3/ص339.
• (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فيه مسألتان الأولى قوله تعالى: وما ينطق عن الهوى. قال قتادة وما ينطق بالقرآن عن هواه إن هو إلا وحي يوحى إليه. تفسير القرطبي ج17/ص84.
• لم يتكلم بالقرآن بهوى نفسه { إِنْ هُوَ } ما هو يعني القرآن { إِلاَّ وَحْيٌ } من الله { يوحى } إليه جبريل. الكتاب : تنوير المقباس من تفسير ابن عباس. المؤلف : ينسب لابن عباس.
• { وَمَا يَنطِقُ } محمد هذا القرآن { عَنِ الهوى } [ آية : 3 ] من تلقاء نفسه { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى } [ آية : 4 ] إليه يقول : ما هذا القرآن إلا وحى من الله تعالى يأتيه به جبريل ، صلى الله عليه وسلم. الكتاب : تفسير مقاتل.
• وضمير { هو } يعود إلى القرآن. الكتاب : التحرير والتنوير. المؤلف : ابن عاشور.
• { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } أي: بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول القرآن من تلقاء نفسه. الكتاب : معالم التنزيل. المؤلف : أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي.
• { إن هو } : أي القرآن . الكتاب : تفسير البحر المحيط. المؤلف : أبو حيان محمد بن يوسف بن حيّان.
• { إِنْ هُوَ } أي ما الذي ينطق به من ذلك أو القرآن وكل ذلك مفهوم من السياق { إِلاَّ وَحْىٌ } من الله عز وجل { يُوحَى } يوحيه سبحانه إليه. الكتاب : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. المؤلف : شهاب الدين محمود ابن عبدالله الحسيني الألوسي.
• وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أي وما ينطق بهذا القرآن عن هواه ورأيه. وفيه تعريض بهم أيضا إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى أي ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه. الكتاب: محاسن التأويل. المؤلف: محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي (المتوفى: 1332هـ).
• ما القرآن الذي ينطق به إلا وحي من الله يوحيه إليه. الكتاب: المنتخب في تفسير القرآن الكريم. المؤلف: لجنة من علماء الأزهر.
• {إِنْ هُوَ} أي إن الذي ينطق به من القرآن؛ ما هو {إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} إليه من ربه. الكتاب: أوضح التفاسير. المؤلف: محمد محمد عبد اللطيف بن الخطيب (المتوفى: 1402هـ).
• {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} أي لا يتكلم إلا عن وحيٍ من الله عزَّ وجل قال البيضاوي: أي ما القرآن إلا وحيٌ يوحيه الله إليه {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} أي علَّمه القرآن ملكٌ شديدٌ قواه وهو جبريل الأمين. الكتاب: صفوة التفاسير. المؤلف: محمد علي الصابوني.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى