قبل أيام اجتمع القيادي في المقاومة عادل فارع “أبو العباس” مع حزب المؤتمر جناح هادي ليتحدثوا عن وحدة الصف وهذه خطوة جديدة ليست خاصة بالأخير ولكن لفصيل سلفي طالما كان يعتبر الآخرين حزبيين حتى من تخرجوا من مراكزهم العلمية واختلفوا معهم فيما بعد.
قبل أيام اجتمع القيادي في المقاومة عادل فارع “أبو العباس” مع حزب المؤتمر جناح هادي ليتحدثوا عن وحدة الصف، وهذه خطوة جديدة ليست خاصة بالأخير، ولكن لفصيل سلفي طالما كان يعتبر الآخرين حزبيين حتى من تخرجوا من مراكزهم العلمية واختلفوا معهم فيما بعد.
هذه الخطوة من جماعة أبي العباس لم يسبق أن حدثت من قبل فيما بينهم وبقية السلفيين، رغم أن القواسم المشتركة أكثر وسبق أن جمعت بينهم “المتارس” في دماج وكتاف وحرض لفترات طويلة.
حينما كنت في زيارة مع بعض الصحفيين لجبهة حرض العام قبل الماضي للقاء بـ”أبي ذر” قائد الجبهة والمحسوب على السلفيين، كنا وقتها متواجدين على أحدى التلال، فشاهدت تجمعات لمقاتلين في تلة موازية فسألت المرافق الشخصي لأبي ذر عن هؤلاء فقال: هم من طلاب دماج رفضوا الاندماج في جبهة واحدة بحجة أننا حزبيون!
من عدم الانصاف الحديث عن أبي العباس وجماعته أنهم ما يزالون على نفس القدر من التفكير كتعامل متشدد مع الآخرين وفقاً لما يتم تصويرهم في الاعلام، فميدان القتال يعجن الطبائع وفقاً للواقع وليس وفقاً لتصورات المراكز العلمية عن الآخرين، والمدفعية في الميدان تفرض مصلحة ومفسدة جديدة وترتيب أولويات مع من كانوا حزبيون، لكن لو بدأت تلك التحالفات مع بقية السلفيين الذين تخرجوا من مراكز علمية واحدة أو متقاربة لكان له أهمية عملية واسعة، فالقفز مباشرة إلى مصافحة كيانات أخرى هو ما يعبر عن مدى افتقار الذهنية السلفية للمرحلة والتدرج والموازنة بين القريب والأكثر قرباً، اذا ما نظرنا للأمر من زاوية.
ولا تقتصر المشكلة في انقسام التيارات السلفية نظرياً، ولكن حين يتحول إلى صراع ميداني، تماماً، كما حدث في المناطق الجنوبية عقب تحريرها من تحالف الحوثي وصالح.
استغلت بعض الجهات الانقسام النظري الذي هو في الأصل اختلاف جزء كبير منه ضغائني بين قيادات العمل السلفي ونفخت فيه حتى انتهى بالقتال والاختطاف والتحريض البيني.
أي دولة أو جهة تحاول تجسير تواجدها في منطقة تصنع لها أدوات تعمل لمشروعها، بينما تظن تلك الأداة أنها تمضي في “تحقيق أحكام الشريعة الاسلامية ووفق الله لها ولي أمر صادق أمين”!
هذه المشكلة، حين يتحول بعض الأشخاص المحسوبين على السلفيين إلى أداة بيد جهات دولية لم يكن سببها المنهج السلفي بل ضغائنيتهم الشخصية ضد الآخرين نتيجة لعدم فهم مقاصد الدين وشموليته، وحين دُفِعوا لممارسة أو التعاطي مع الظواهر السياسية والاجتماعية والعسكرية اندفعوا دون أطر فكرية تحدد ميكانيزم العمل والتعامل مع هذه الظواهر.
ولا ينطبق هذا الاندفاع على فصيل السلفية العلمية “مركز دماج”، بل حتى على بقية التيارات السلفية التي انخرطت في العمل السياسي، أيضاً.
عقب أحداث 2011 لم يدخل السلفيون للعمل السياسي عن استغراق فكري طويل لممارسة العمل السياسي، ولكن دفعتهم الأحداث وظرف الواقع الصاخب بالثورية والتغيير وكسر الجمود الأمر الذي نتج عنه تكريس أكثر لظاهرة الاختلاف وانتقلت من المحاضن الدعوية والخيرية إلى مرابض الصراع السياسي.
المنهج السلفي، وهو مشروع جامع لأهل السنة وليس حكراً على فئة، لديه مشروع دولة، لكن السلفيين لم تعتجن الأفكار لديهم لممارسته وظل مجرد نظريات في الكتب، وحين تشكلوا سياسياً لم يتخلوا عن الخلاف النظري في المراكز العلمية حتى جروها معهم إلى بيئة العمل السياسي.
وعلى قدر هذا الاختلاف، إلاّ أنه ليس من مصلحة التيارات السلفية استمراه أو تحول طرف أو شخص إلى أداة يتم استخدامه تكتيكياً بيد مشاريع مشبوهة، ما دام وأن الخصوم يضعون الجميع في سلة واحدة للاستهداف.
وحتى المحاضن العلمية كمركز، دماج سابقا، ومعبر، وما يوازيهما تنظر لها أمريكا بنظرة ارتياب حتى وإن كانت هذه المراكز لا تدعوا للقتال والجهاد إلا تحت “راية ولي الأمر”، فتقرير مؤسسة راند المقربة من السلطات الامريكية قال في 2007، “إن مركزي معبر ودماج هما أيضا محاضن للإرهاب”!
لو يرتفع السلفيون إلى عشرة كيلو من الأرض وينظروا لخارطة الصراع العالمية لوجدوا أن انقسامهم يجد له ارتياح واسع، فيما انقسام التيارات الاسلامية نفسها يصل حد الابتهاج، فسووا صفوفكم قبل أن تكونوا غنم شاردة ينفرد بها الذئاب كل على حدة.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.