ما شهده مجلس الأمن، يومي الخميس والجمعة الماضيين، ما شهده مجلس الأمن، يومي الخميس والجمعة الماضيين، كان بمثابة دراما دولية على أعلى مستوى دبلوماسي. رئيسان أميركيان يتصارعان علناً، واحد منتخب ولا صلاحيات له بعد وآخر منتهية ولايته ولا تزال لديه كل الصلاحيات، وبينهما رئيس وزراء إسرائيلي يلعب دونالد ترمب ضد باراك أوباما، حاضّاً الأول على إحراج الآخر كي يستخدم حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية ويعتبر المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، والأهم أنه يحذّر من مواصلة الاستيطان كونه يقوّض أي حل قائم على أساس الدولتين ويعرّضه للخطر. و «حل الدولتين» هو الصيغة التي حددتها «الهيئة الرباعية» وباتت منذ 2003 موضع إجماع دولي. لكن الحكومات الإسرائيلية كثّفت أعمال الاستيطان فأطاحت المفاوضات مع الفلسطينيين، وعملت وتعمل على جعل «حل الدولتين» غير قابل للتطبيق.
كان أوباما افتتح عهده عام 2009 مركّزاً على ضرورة وقف الاستيطان وإحياء المفاوضات، لكنه اصطدم برفض بنيامين نتنياهو الذي لم ينجح فقط في إجهاض كل مبادراته بل انتقل إلى تهديده بواسطة «اللوبي اليهودي» في الكونغرس، ثم ذهب إلى أقصى حدّ في تحدّيه في قضية المفاوضات النووية مع إيران. وفي الحالين زاد أوباما مساعداته لإسرائيل ليثبت أنه يفصل بين «البحث عن السلام» وبين الالتزام الأميركي التقليدي بـ «أمن إسرائيل»، ثم إنه ساندها باستمرار في المحافل الدولية مانعاً إدانتها بجرائم حرب في غزة وفارضاً «الفيتو» على قرار يدين الاستيطان (عام 2011)، بل إنه عوّضها على ما اعتبره «أضراراً» لحقت بها من الاتفاق النووي ببرنامج مساعدات غير مسبوق (38 مليار دولار على 10 سنوات)، وزوّدتها أخيراً بمقاتلات من الطراز الأحدث (أف 35).
كل ذلك لم يكن كافياً بل كان على أوباما أن يمنع مجلس الأمن من تمرير القرار ضد الاستيطان، لكنه لم يفعل، ولم يأخذ برغبة خلفه ترمب، عندئذ طلب نتنياهو من ترمب أن يتصل بالرئيس المصري ليطلب سحب مشروع القرار من التداول لإبطال التصويت عليه. كانت مصر، العضو العربي غير الدائم في مجلس الأمن، قدمت هذا المشروع بناء على قرار عربي، وكان واضحاً أنه سيمر بسهولة من دون أي «فيتو»، لكن الرئيس المصري رضخ لطلب ترمب وسُحب المشروع وبدا أن فرصة ستضيع على الفلسطينيين ولن تتكرّر بسبب الانحياز الترمبي الفظّ إلى جانب إسرائيل، لكن من الواضح أن إدارة أوباما شجّعت دولاً أخرى مؤيدة للمشروع كي تتبناه وتطلب التصويت عليه، وهو ما حصل.
بعد شهرين على قول المندوب السعودي في الأمم المتحدة أنه «كان مؤلماً» أن يكون موقف ماليزيا والسنغال أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف مصر في التصويت على وقف القصف على حلب، انضمّت هاتان الدولتان إلى نيوزيلندا وفنزويلا للدفع بقرار وقف الاستيطان الإسرائيلي، فكانت الدول الأربع أقرب إلى العرب من مصر التي لا تنفكّ ترتكب سقطات وأخطاء وفضائح في أدائها في مجلس الأمن، ما يعكس ارتباك سياستها الخارجية وفقدانها البوصلة ليس فقط بالنسبة إلى المحنة السورية بل حتى فيما يتعلّق ببديهيات القضية الفلسطينية. ولعل السيئ في موقف القاهرة أنه يرسل رسالة مقلقة إلى المجتمع الدولي بأن الدولة العربية الأكبر لم تعد قادرة على مساندة القضية العربية الأكبر، بل الأسوأ أنها يمكن أن تساوم عليها.
نقلا عن العرب القطرية