كيف يدير الحوثيون السياسة في الحرب؟. (المحور الأول: نشاط الدبلوماسية)
دراسة تحليله لثلاثة ملفات (وثائق) سرية مسربة من (84) صفحة تكشف إدارة الحوثيين للسياسة الداخلية والخارجية في الحرب وسر بقاءها (حصري) يمن مونيتور/ وحدة التحليل/ من عدنان هاشم
مقدمة
كشفت ثلاثة ملفات (وثائق) من (84) صفحة عوامل ثبات الحوثيين على مواقفهم وكيف يديرون السياسة في الحرب، داخلياً وخارجياً، وما هو السر في عوامل بقائها. كما تشير إلى إدارة الحوثيين لتحالفهم مع علي عبدالله صالح وفق مصالح خاصة للحليفين للغاية في تحركات منفردة داخلياً وفي السياسة الخارجية.
الملفات سبق ونشرت على تلفزيون “بلقيس” خلال شهر ديسمبر الجاري، فيما يقوم يمن مونيتور بتحليل تلك الوثائق وفق المنهج الوصفي لمنهجية تحليل الوثائق السياسية وتحليل المضمون في الدراسات الإعلامية في أسلوب مقارن لما تم وما يمكن إتمامه في إطار سردي.
الوثائق التي تحمل (18يناير) (5/2016)، (4فبراير) (10/2016)، (7ابريل) (21/2016)، جميعها تتبع ملخصات للأعمال التي قام بها المجلس السياسي للحوثيين، وهي جهة رسمية داخل الجماعة المسلحة.
سيخرج الباحث عن الصياغة الأكاديمية ليربط الأفعال السياسية للجماعة والتي نشرت بالتزامن مع ما ذكر في الوثائق لتأكيد أن الوثائق صحيحة وليست مختلقة، من الجهة التي سربت تلك الوثائق، كما أن التحليل على هذا النمط من المقارنات يعطي مجالاً أوسع لكشف وفهم الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعلات السياسية والدولية وتأثيراتها على الأزمة اليمنية خلال الفترة الماضية والمستقبلية.
وستقسم الورقة نفسها حسب الموضوعات، متدرجة حسب الأهمية، وسينتهي كل موضوع باستدلالاته واستنتاجاته وما يمكن الإشارة حوله في الماضي والمستقبل. وسينشر في عدة أجزاء نتيجةً لتفرعاته وحتى يتمكن القارئ والمتابع من ابتلاع ما ذكر فيها بشكل يسير.
المحور الأول: نشاط الدبلوماسية
وثيقة (18يناير) (5/2016) الشخصيات: حسين العزي(مسؤول الدائرة الخارجية للحوثيين)، القائم بأعمال السفارة الإيرانية، فيصل أمين أبو راس (سفير يمني).
وثيقة (4فبراير) (10/2016) الشخصيات: حسين العزي، السفير يحيى السياغي، السفير طارق المطهر (عمل عدة سنوات في مجلس الأمن)، القائم بأعمال السفارة الروسية، عبدالغني الإرياني (مستشار للجنة الأمن والسلام في اليمن التي يرأسها العميد /سليم رعد).
وثيقة (7ابريل) (21/2016) الشخصيات: حسين العزي، (دبلوماسيون يمنيون)، الطلاب في الخارج، سفيرة الاتحاد الأوروبي، (دبلوماسيون مع سفيرة الاتحاد الأوروبي)، سفارة إيطاليا.
في الملفات الثلاثة كان نشاط الدبلوماسية متطوراً تدريجياً ويمكن تلخيصه في منحيين اثنين:
الأول: المتعلق بنشاط الدبلوماسية الخارجية مع الحوثيين
أظهرت الوثائق لقاء حسين العزي مع القائمين بأعمال السفارة الإيرانية والروسية في صنعاء ففيما يخص لقاء السفارة الإيرانية، مدح الحوثيين السياسة الإيرانية بعد رفع الحظر. عرض المسؤول الإيراني على الحوثيين تدخل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في الملف اليمني والتحرك دبلوماسياً كوسيط، وكان تقدير العزي أن العلاقة القائمة حالياً بين طهران والرياض لا تسمح ل ظريف بلعب الدور. وظهر عليهم الثقة من قدرات ظريف، وسيرفع العزي مذكرة ل عبدالملك الحوثي بشأنها. وبالرغم من رؤية العزي التي تشير إلى عدم جدوى الوساطة الإيرانية إلا إنه محمد نواز شريف رئيس وزراء باكستان زار السعودية وعقد لقاء مطول مع محمد بن سلمان ومعاونيه ومن المؤكد أن شريف سيتحرك إلى طهران لمباحثات مع القيادة الإيرانية (الجمهورية الإسلامية في إيران) ولا يستبعد أن تكون وساطة شريف بين الرياض وطهران، وبالعلاقات القوية بين باكستان والسعودية يعتقد العزي أن هناك جدوى من وساطة ظريف.
ويمكن التركيز حول نقطتين (عرض) السفارة الإيرانية بعد قرابة الشهر من زيارة ولد الشيخ إلى إيران (كانت الزيارة في 19 نوفمبر2015م)، والنقطة الثانية يوم (13 فبراير) عندما عرض جواد ظريف التفاوض مع السعودية بشأن سوريا واليمن.
في لقاءه مع القائم بأعمال السفارة الروسية ذكرت الوثيقة أن: ملف اليمن كان ضمن أجندة سرجي لافروف في سلطنة عمان والإمارات. -الاتصالات التي تجريها الخارجية الروسية مع الرياض.-نتائج لقاء مندوبهم بمحمد بن سلمان (لقاءات إيجابية ويتوقع النتائج خلال يومين)-تكرار السعودية رفضها لأي تدخلات إيرانية في الشؤون اليمنية.-رد حسين العزي على تطورات الأحداث في نهم”.
إضافة إلى ذكر وثيقة: “نصائح من دبلوماسيين بمن فيهم القائم بأعمال السفير الروسي على تقديم مبادرة سلام من جانب الحوثيين، في مقابل التوجه السعودي لإطالة أمد الحرب وتقوم على ثلاث مراحل: الأولى/ وقف إطلاق الصواريخ على الأراضي السعودية مقابل وقف الضربات الجوية. الثانية/ الانسحاب الكامل من الأراضي السعودية مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية. الثالثة: الانخراط الجاد في المفاوضات والحلول السلمية”.
وقدم الحوثيون هذه النقاط مرتين الأولى في يونيو والثانية في سبتمبر (2016) للمملكة العربية السعودية وكتبت الصحف الحوثية وقتها (وقف هجمات الحدود مقابل وقف العدوان).
الأمر الآخر هو أن روسيا متوترة من المعارك في جبهة نهم.
النشاط الثاني للحوثيين يأتي من خارج السفارات بصنعاء فقد تلقى العزي اتصالاً من سفيرة الاتحاد الأوروبي لبحث الجهود المبذولة للسلام في اليمن، وتطرقت إلى أن دبلوماسيين يريدون استماع محادثتها مع حسين العزي، كما طلبت بالإفراج عن عامل اغاثة ألماني يحمل الجنسية الأمريكية اختطف من قبل الحوثيين. وطالب العزي الأمن القومي بتقديم ملف لقضية اختطاف الرجل الألماني. ورد الأمن القومي (حسب مذكرة مرفقة باسم “التغذية”) أن الرجل يقوم بالتبشير في اليمن لكن تم الإفراج عنه بناءً على أوامر عليا لم يتم تسميتها. وطلب العزي من السفيرة واصدقاءها السفراء الضغط على التحالف والحكومة الشرعية. تلقى العزي رسالة من السفارة الإيطالية تقول إن الحوثيين في الحديدة رفضوا تسليم سيارة السفارة المدرعة.
الواضح أن سفيرة الاتحاد الأوروبي (التي كانت تقود مشاورات خلفية مسقط طوال عام 2015م وحتى منتصف 2016م) لا تجد حرجاً من الاتصال بمسؤول من الدرجة الثانية في الجماعة المسلحة التي لا تعترف بها دولها، وإن كان المبرر الألماني المختطف، كما هي السيارة المدرعة مبرر لتواصل السفارة الإيطالية فإن هذا المبرر غير منطقي لأن مثل هذه الحالات تقوم بها الأمم المتحدة الوساطة العُمانية.
قال العزي إنه التقى بعبدالغني الإرياني (مستشار سليم رعد) لبحث الملف اليمني وقدم العزي عدة أمثلة على تجاوبهم مع السلام في اليمن. الملفت هو ما نقله العزي على لسان الإرياني(الذي يعتبر ممثلاً أممياً) والذي قال: “رأى الأخ الإيراني أنه من الضروري التفكير بمخارج تضمن حفظ ماء الوجه لكل الأطراف وأن (التنازل الشكلي) “الذي ينتزع الحد الأدني من قناعة العدو بوقف الحرب سيكون من الذكاء والحكمة، ولن يقرأه أحد على أنه انتصار على اليمنيين، لأن الصمود المذهل لعشرة أشهر من الحرب كافية ل”بيان” من المنتصر والفاشل”.
تظهر الوثيقة أن المسؤول الأممي يحث الحوثيين على تقديم تنازل (شكلي)!!
الثاني: المتعلق بتحريك النشاط الدبلوماسيين اليمنيين.
أقرت الاجتماعات بين (يناير وابريل) مع دبلوماسيين يمنيين تشكيل لجنة في وزارة الخارجية اليمنية لتفعيل الدبلوماسيين بحسب علاقاتهم الشخصية، وتعيين مسؤولين لملء الدوائر الشاغرة مثل النائب والوكيل السياسي ودوائر أخرى.
حسب الوثائق التي يتم تحليلها ففي وثيقة (يناير) “سيقوم أبوراس بدعم الجماعة في الخارج ويعمل من أجل بقاء صوتهم مسموع دوليا عبر التواصل مع من يعرف. وقال أبو راس أن على الحوثيين توحيد الجبهة الداخلية. العزي في وثيقة (فبراير) قال إن “هناك خطة تهدف لتفعيل كل الطاقات والجهود في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وأن طارق المطهر قام بالتواصل مع عدد كبير من المسؤولين. فيما قام السياغي بتفعيل علاقاته الواسعة في وزارة الخارجية لخدمة قضية تحالف الحوثي وصالح. واقترح العزي أن يكلف السياغي بتفعيل دائرة المنظمات في وزارة الخارجية”. وفيما ذكرت وثيقة (فبراير) أن العزي أجرى العديد من الاتصالات مع دبلوماسيين يمنيين لتوظيف علاقتهم بما يخدم تحالف الحرب الداخلية وقال إنه لمس تجاوباً كبيراً منهم، بالإضافة إلى طلبه أن يكون هناك مقر ولجنة خاصة بذلك. (التجاوب سيذكر لاحقاً من قبل السفير اليمني في القاهرة (السابق) وكيف خدم الحوثيين أمام النظام المصري)؛ وفي وثيقة (ابريل) أعلن عن قيام تلك اللجنة والتفعيل.
في الجانب الآخر يعتمد الحوثيون على طلبة اليمن في الخارج في زيارة السفارات الدولية في كل بلدانهم وتقديم مشروع الجماعة ومهاجمة التحالف العربي وفق منظورين (إنساني-حقوقي) وسنفصل فيه في محور خاص.
هذا النشاط يمكن توضيحه وفق أربعة مسارات: تفعيل دور الدبلوماسيين السابقين الموجودين في اليمن، وتفعيل الدبلوماسيين الموظفين في سفارات الخارج، وتفعيل جانب المنظمات الدولية في اليمن، إلى جانب أن الجماعة تعتمد على الطلبة في الترويج لسياستها الخارجية. ومن شأن ذلك أن يخلق ضغطاً هائلاً في المسرح الرئيس الذي تعتقد الحكومة الشرعية أنه مجالها الخاص والحصري.
الاستنتاجات في المحور الأول:
*سر بقاء الحوثيين السياسي وعنتريتهم الخارجية تأتي في ظل إلى ذلك التواصل إن لم يكن “تفاهمات” مع المجتمع الدولي واعتبارهم سلطة تدير البلاد بعيداً عن الحكومة الشرعية.
*يأتي سر بقاء نفوذ للحوثيين في السياسة الدولية إلى الدبلوماسيين الذين يدينون بالولاء للجماعة لا للدولة وممثليها وقنصلياتها، وعلى الحكومة الشرعية يقع وزر أكبر في التباطؤ في تعيين السفراء والملحقيات، بما فيهم السفير اليمني في روسيا.
*يبدو أن روسيا تركن سياستها في اليمن بملفات المنطقة العربية وتبدو أكثر توتراً من اقتراب التحالف العربي من حسم معركة صنعاء، ولذلك تظهر في إحدى الوثائق بشكلها المتوتر والقلق والذي يحتاج إلى تطمين.
*ينفذ الحوثيون التوصيات الدولية بما فيها توصيات سفيري إيران وروسيا بحذافيرها وكأن الدولتين أشبه بمتبني لمشروع الحوثيين.
*ركون السياسة الخارجية للحكومة اليمنية بكونها متحكمة بمساحتها الخاصة هو ما أدى إلى العديد من التداعيات والمواقف من ضمنها الضغوط على المملكة العربية السعودية لوقف الحرب.
*يتضح أن الفريق الدبلوماسي الذي كان يدين بالولاء لـ”علي عبدالله صالح” يدين بالولاء الآن للحوثيين وليس لحزب صالح، وهو ما يعني أن الجماعة سحبت إحدى الأوراق القوية بيد “صالح” وعائلته.
*بما أن ما وقع في أيدي المسربين هي ثلاثة ملفات فقط تحمل أرقام متباعدة، فيبدو أن التقارير على هذه النحو تحمل تطورات واتصالات مكثفة للحوثيين، وهذه الاتصالات تعني أن الجماعة لم تقدم على تشكيل المجلس السياسي في (يوليو) إلا بناءً على ضوء أخضر من عدة دول، وأن تشكيل حكومة الحوثيين كان نتاج اقتراح من دبلوماسيين أجانب.
*ليس معنى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف بالحوثيين أنها لم توافق ضمنياً على (المجلس السياسي) و لا (حكومة الحوثيين) وأن التنديد فيهما يأتي فقط من أجل عدم إغاضة المملكة العربية السعودية.
*أن العاملين في الأمم المتحدة تحولوا إلى مستشارين مع الحوثيين، ويبحثون عن سلام وهمي (شكلية) لا يوجد سلام وإنما بين هدنتين.
*بما أن التقارير تمرر بشكل دوري وتحلق بها الحلول في آخر ورقة للتقرير باسم (التغذية) وهنا يتبين أن الجماعة أوجدت حلاً لحظياً لترفع بقية المواضيع التي تخص عبدالملك الحوثي وفريقه. فيما يبقى على عبدالله صالح وحزبه بعيدين عن تحركات الحوثيين!