الواقع اليمني يقول إن الأسواق اليمنية مغرقة بالسلع المختلفة المستوردة من الخارج، وهذا الواقع لا يمت بأي صلة لما يعرف بالحصار الاقتصادي، وللإنصاف لم تشهد اليمن حصارا اقتصاديا باستثناء الشهر الأول من انطلاق عاصفة الحزم. لم تتوقف وسائل إعلام قوى الانقلاب في اليمن عن الحديث عن وجود حصار اقتصادي من قبل التحالف العربي منذ انطلاق عاصفة الحزم أواخر مارس العام الماضي، وهذا الحديث المستمر عن وجود حصار اقتصادي والمطالبة برفعه أصبح له صدى عند بعض المنظمات الدولية، وبعض العامة أيضا معتقدين بوجود حصار وسط تجاهل إعلام الشرعية لهذه القضية الهامة، والسؤال الآن: هل هناك فعلا حصار اقتصادي لليمن أم أن قوى الانقلاب تكذب على الداخل والخارج لأهداف مشبوهة؟
الحصار الاقتصادي هو منع دخول أي سلعة من الخارج إلى داخل البلد، وأي شعب في العالم يتعرض لحصار اقتصادي فلا يكون أمامه سوى المنتجات الوطنية، وقد رأينا ذلك في السودان وليبيا والعراق عندما تعرضت هذه الدول لحصار اقتصادي ظالم، حيث كان المواطن في هذه الدول يجوب الشوارع والأسواق بحثا عن سلعة معينة فلا يجدها رغم أن جيبه مليء بالعملة المحلية، وعنده القدرة على الشراء ولو بأسعار مضاعفة لكنه لا يجد السلعة المطلوبة بفعل الحصار المفروض على بلده، فهل هذا هو الواقع اليوم في اليمن؟
الواقع اليمني يقول إن الأسواق اليمنية مغرقة بالسلع المختلفة المستوردة من الخارج، وهذا الواقع لا يمت بأي صلة لما يعرف بالحصار الاقتصادي، وللإنصاف لم تشهد اليمن حصارا اقتصاديا باستثناء الشهر الأول من انطلاق عاصفة الحزم، حيث غابت بعض السلع وارتفع سعر البعض، وانعدمت المشتقات النفطية إلى درجة أن شوارع العاصمة أصبحت خالية من المارة وغابت حركة السير تماما، لكن الوضع تغير بعد مرور شهر من العاصفة وبدأت الحركة التجارية تعود تدريجيا، وأصبح الوضع اليوم طبيعي جدا لكن قوى الانقلاب (الحوثي والمخلوع) استمرت في الحديث عن وجود حصار اقتصادي لتحقيق أهداف قذرة!
إذا كان هناك حصار اقتصادي لليمن كما تدعي جماعة الحوثي وحليفها عفاش، فكيف دخلت الطاقات الشمسية بهذه الكمية إلى البلد، وما هي السلع التي يحتاجها المواطن اليمني اليوم ولا يجدها في السوق، وهل رأى أحدكم سوقا تجاريا خاليا من البضائع خلال الفترة الماضية في أي محافظة يمنية، وهل تستطيع جماعة الحوثي تقديم قائمة إلى الأمم المتحدة بأسماء السلع الممنوعة من دخول اليمن والتي يفتقر لها السوق ويحتاجها المواطن؟
لا يوجد حصار اقتصادي في اليمن، وكل ما في الأمر أن التحالف العربي بقيادة السعودية يخضع الواردات إلى اليمن للتفتيش لضمان عدم وصول أسلحة حديثة للانقلابين الذين يستميتون حاليا للقضاء على الشعب اليمني، والغريب أن بعض السفن التجارية سمح لها التحالف بالدخول إلى الموانئ اليمنية ورفض الحوثيون السماح لها بإفراغ حمولتها بمبررات واهية ونوع من الابتزاز، وهذا من شأنه إحداث أزمة اقتصادية في البلد، والشواهد كثيرة!
جماعة الحوثي عندما تتحدث باستمرار عن حصار اقتصادي فهي تسعى لضرب عصفورين بحجر، أولهما هو ممارسة الضغط الخارجي على السعودية لمنع الرقابة القائمة على الموانئ والمنافذ اليمنية _ وإن كانت رقابة يعتريها قصور_ حتى تتمكن الجماعة من إدخال الأسلحة الإيرانية والأمريكية بسلاسة وتتجنب تكلفة تهريب الأسلحة التي تجري على قدم وساق، والشيء الثاني هو تحويل أكذوبة الحصار الاقتصادي إلى سوط لجلد أي مواطن يطالب بحقوقه المشروعة والأساسية كالراتب، وغطاء لنهب الإيرادات العامة للدولة والتنصل من أي التزامات تجاه المواطنين بدعوى الحصار المزعوم!
وأحدث تصريح لوزير حوثي في حكومة بن حبتور الانقلابية يؤكد أكذوبة الحصار الاقتصادي، والمضحك أن الوزير تحدث عن الحصار في نفس التصريح الذي أكد فيه عدم وجود حصار، فقد صرح وزيرهم للصناعة والتجارة عبده بشر السبت الماضي قائلا إن “الوضع التمويني والغذائي مستقر ومطمئن، وأن المواد الغذائية الأساسية متوفرة وتتدفق بانسياب وبشكل طبيعي لمختلف الأسواق بمحافظات الجمهورية”، نافيا توقف الاستيراد ومتحدثا عن وصول آخر باخرة إلى الميناء قبل يومين، بحسب تصريحه المنشور في وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي المسلحة!
فاستقرار الوضع التمويني وتوفر المواد بل وتدفقها بانسياب حد وصف الوزير المتحوث يثبت بما لا يدع مجالا للشك أكذوبة الحصار ناهيك أن الواقع وهو سيد الأدلة يؤكد عدم وجود حصار اقتصادي، والمشكلة الحقيقية في البلد اليوم والتي تنذر بكارثة إنسانية هي انعدام السيولة النقدية جراء النهب الغير مسبوق الذي قامت به جماعة الحوثي لإيرادات الدولة، وما أزمة استيراد القمح المثارة اليوم إلا أحد أسباب انعدام النقد بحسب خبراء الاقتصاد!
المواطن اليمني يحتاج حاليا إلى فلوس، وإذا توفرت الفلوس سينزل إلى أقرب سوق ويشتري كل ما يحتاج إليه بما فيها الكماليات متوفرة وبقوة في كل مكان، ومخازن التجار مليئة بالبضائع لكن الزبون غير موجود كما يقول أصحاب المحلات، ولا علاقة لدول التحالف العربي بغياب السيولة النقدية المحلية التي سببها الرئيس هو إفراغ الحوثي لخزينة الدولة، ومصادرة رواتب الموظفين للشهر الرابع لبناء اقتصاد موازي خاص بالمليشيات!
الإيرادات متوفرة وقادرة على حل هذه المشكلة لكن الحيتان الكبيرة قضت على كل شيء ولا زالت تلتهم المزيد، ففي البداية نهبوا الاحتياطي النقدي ثم استخدموا العملة التالفة ودشنوا حملة للتبرع للبنك المركزي ولم يعلنوا عن حجم المبالغ ولا مصيرها، وحملات متواصلة لدعم مجهودهم الحربي، ويبيعون المشتقات النفطية في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، فسعر أسطوانة الغاز المنزلي تباع بأربعة أضعاف سعرها الرسمي عبر المحطات الحوثية المنتشرة كالجراد، ومؤخرا عمدوا إلى حملة لترسيم السيارات والمعدات للحصول على مليارات الريالات ناهيك عن جمركة السيارات التي نهبوها من الدولة والجيش وسيارات القيادات السياسية المعارضة للانقلاب بأوراق مزورة، بحسب مصادر خاصة في مصلحة الجمارك!
فضلا عن ابتزاز الشركات والتجار والضرائب ودعم الحوزات، وغيرها إيرادات ضخمة لا أثر لها على الواقع فقط أثرها على المشرفين الحوثيين، ومن أجل الهروب من هذه الحقيقة والتغطية على نهب المال العام وقمع المحتجين اتخذت جماعة الحوثي شماعة اسمها “حصار العدوان”، بينما تبديد الإيرادات العامة وإخفاء الريال اليمني هو الحصار الفعلي القائم اليوم.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.