تغريبة أحفاد المعينيين.. نازحو الجوف حرمان في السلم ومعاناة في الحروب
حرمت الجوف اليمنية في السلم، وعانت في الحروب، وهي أرض الرخاء في الممالك القديمة. يمن مونيتور/ الجوف/ خاص
“الجوف” في الجزء الشمالي الشرقي من صنعاء، موطن المعينيين القتبانيين، أرض لم تعرف في الممالك القديمة سوء الرخاء والازدهار، يعيش اليوم المئات من أبنائها في “قفار” التشرد والنزوح، هجرتهم حرب الحوثي من منازلهم ومواطن نشأتهم منذ عام 2014م.
اجتاح الحوثيون بلدة “الغيل” في المحافظة عام 2014م، ومنذ ذلك الحين تعيش عشرات العائلات وسط الصحراء القاحلة بمنطقة “الجر”، خارج مدينة “الحزم”، مركز الجوف، تفتقر تلك العائلات إلى أبسط مقومات الحياة، في وقت لا تصلهم من “الإغاثة” إلا أحاديث الإعلام وكلام الزائرين.
“يمن مونيتور” زار مخيم النازحين في تلك المنطقة الموحشة، والتقى ساكنيها من النساء والأطفال، وكلما كانت تتحدث إحدى النسوة إلينا، كانت تتبدى لنا حقائق وغصص يتجرعها سكان المخيم بسبب ما حل بهم في الغيل وما يعانونه بعج الانتقال إلى حياة النزوح.
“أم علي”، تتحدث بلكنة بدوية،: “منذ نزوحنا قبل سنتين لم تقدم لنا المنظمات أي شيء سوى أنها كانت تأتينا بالماء مرة أو مرتين”.
كانت أم علي تساعد اثنين من أطفالها على الاستحمام بجوار الخيمة التي يسكنوها، قالت لمراسل “يمن مونيتور” إن منزلها في الغيل مهدم، وإنها لا تستطيع العودة إليه بعد أن هدمته جماعة الحوثي المسلحة في حربها على المنطقة قبل سنتين.
وعندما سألناها عن زوجها وأبنائها قالت: “منهم ماتوا ـ أي قتلوا بالمعارك ـ وبعضهم بالجبهات، والحمدلله بنينا لنا غرفة صغيرة من اللِّبن (الطين)، تخفف علينا من البرد في الشتاء والحر في الصيف”.
لا منظمات تعمل.. “أبكر” يعمل
المخيم في منطقة “الجر” يمتد أكثر من كيلو متراً وبعرض ستمائة متر تقريبا، لا وجود لمنظمات إغاثة ولم تلتفت إليه الحكومة الشرعية، عندما كان يسأل مراسل “يمن مونيتور” من يلتقيهم من قدم لهم المساعدات من الأرض والخيام والماء، تكون الإجابة “فاعل خير”.
لكن “أم حسين” عندما ألحينا عليها بالسؤال عن معرفة “فاعل الخير” هذا الذي اشترى الأرض ووهبها للنازحين، أجابت: الشيخ الحسن أبكر، هو من دعم النازحين بكل شيء.
الشيخ الحسن أبكر الذي صنفته الولايات المتحدة مؤخراً بكونه داعم لتنظيم القاعدة، يقاتل الحوثيين في المحافظة لإعادة النازحين إلى منازلهم، يقوم بما عجزت عنه فرق الإغاثة الدولية ومنظمات ترفع تقاريرها لسلطات بلادها. سخر النازحون عند إخبارهم أن الولايات المتحدة الأمريكية صنفته ضمن من يدعمون “القاعدة”.
لا خدمات
تجول فريق “يمن مونيتور” في المخيم تحت أشعة الشمس الحارقة، لم تكن تلك الصحراء القاحلة مكاناً للنزوح بقدر ما كانت مكاناً للمعاناة.
أم حسين نازحة مع أسرتها المكونة من عشرة أفراد، كما أخبرتنا حينما كانت برفقة صديقتها، حديثها كان يدل على أنها متعلمة؛ تبين لنا أنها أكملت دراستها الجامعية، وكذلك صديقتها التي كانت تقف بجوارها وتشاركها الحديث”.
أم حسين لخصت مشكلة المخيم بمعاناتهم من بُعد الخدمات المدارس والمستشفيات، وأيضا يعانون من الإيواء والمواد الغذائية، وأضافت: “هناك في الخيمة الواحدة أحيانا أكثر من خمس أسر”.
وتابعت، “الطالبات وبعض الطلاب وخاصة صغار السن يتركون المدرسة بسبب بعدها عن المخيم”.
وفي جانب آخر قالت أم حسين “في المخيم أكثر من 50 أرملة لا عائل لهن، فقدن أزواجهن، وهناك جرحى أيضا بسبب الحرب التي شنتها المليشيات على المحافظة”.
طالبات أكملن الدراسات الجامعية
في المخيم مبنى لم يكمل بناءه ويظهر من هيئته أنه “بني من أجل أن يكون مدرسة” لا يوجد عليه أبواب ونوافذ، عندما اقتربنا من المبنى عرفنا أن فيه طالبات يدرسن القرآن الكريم.
وفي يدها “المصحف الشريف” تحدثت “عائشة” إحدى الشابات الائي يحضرن من المخيم لحفظ القرآن بالقول: “إن المبنى على حساب فاعل خير، بناه للنازحين، وأنهن يقمن بحفظ القرآن بجهد ذاتي، وإحدى النازحات تعلمنا القراءة بالتلقين”.
عائشة ليست فتاة بدوية تقطن الصحراء، أو لا تستطيع القراءة والكتابة كما يظن البعض، لكنها طالبة أكملت دراستها في الجامعة، ومثلها العشرات من الفتيات من منطقة الغيل، بعضهن يتابعن دراستهن في إحدى الجامعات الأهلية التي فتحت فرعاً لها بمدينة الحزم، وهو ما شجع الطالبات باللحاق بالتعليم الجامعي.
في غرفة مجاورة للنسوة اللائي يدرسن القرآن، كان هناك رجل مسن يجلس متكئ على باب الغرفة، تبين لـ”يمن مونيتور” أنه نازح أيضاً، وأنه يسكن هذه الغرفة التي تفتقر إلى فراش وباب ونوافذ، وأدنى مقومات السكن الملائم.
أحمد السقاف، يسكن مع زوجته وبقية أفراد أسرته، ويدرس الأطفال من أبناء المخيم في الصباح القرآن الكريم.
أمل في الانصاف
في الجوف قصص ومآس لا تأبه لها المنظمات الدولية ولا تكشف عنها الغطاء وسائل الإعلام.
موطن حضارات معين وقتبان مطمورة بأوجاعها منذ عقود وعمد نظام الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” على تصويرها في ذهن الداخل والخارج باعتبارها محافظة التخلف والنهب والسلب فقط، كما هو الحال في أكثر المحافظات التي كانت لا توالي صالح كما يريد.
ومنذ ذلك العهد البائس البائد تركت الجوف لنفسها، يؤخذ منها ولا يعطيها النظام أقل ما يمكن من الخدمات، لتكن مدينة وعاصمة لمحافظة هي الثالثة من حيث المساحة، وفيها من الثروات ما يغنيها، لكنها ما تزال تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية ومنها التعليم والصحة والطرقات.
يأمل سكان الجوف اليوم أن يحظوا باهتمام من الحكومة الشرعية باعتبارها إحدى المناطق المحررة من قبضة الحوثي، تعويضاً لهم عن سنين الحرمان والبؤس طيلة ما يربو على ثلاثة عقود.