اخترنا لكمتقاريرغير مصنف

“الجوع والمرض ” يفتكان بنازحي المناطق اليمنية الحدودية مع السعودية (تقرير)

تقرير خاص من مناطق النزوح… أكثر من60 الف أسرة نزحت من بلدات “حرض” و”ميدي” و”بكيل” و”حيران” و”مستبأ” على الحدود اليمنية السعودية ليلتهم أجسادهم الجوع وتنهشهم الأمراض……

يمن مونتيور/ وحدة التقارير/ من محمد عبسي:
أكثر من60 الف أسرة نزحت من بلدات “حرض” و”ميدي” و”بكيل” و”حيران” و”مستبأ” التابعة إدارياً لمحافظة حجة في أقصى شمالي اليمن بسبب الحرب التي تدور على الحدود السعودية اليمنية منذ 20 شهراً.
لقد دمرت المواجهات 50 منشأة طبية خاصة وعامة بالكامل و80 مطعماً وكافتيريا و30 ورشة سمكرة و حدادة و ميكانيكا و 13 محل صرافة وفرع بنكي و120مزرعة حيوية انتاجية للمواطنين نتيجة نزوحهم في مدينة “حرض” فقط – بحسب إحصائيات ائتلاف منظمات المجتمع المدني بالمحافظة – فضلاً عن بقية البلدات.
حولت هذه المناطق إلى أرض محروقة وبقايا ركام وميدان فسيح للرصاص والقذائف والصواريخ، في صورة توحي بفداحة جرم من أشعل فتيل هذه الحرب ودق طبولها منذ الوهلة الأولى والتي لاتزال مشتعلة ولا يستطيع عباقرة الساسة وجنرالات الحرب التنبؤ متى وكيف ستنتهي فصولها.
أنضم إلى هؤلاء النازحين نازحون آخرون خلفتهم حروب صعدة السابقة في ثلاثة مخيمات كبيرة كانت تحتضنهم في منطقة “المزرق” شمال شرق مدينة “حرض” قبل أن تكمل هذه الحرب مسلسل معاناتهم لتصبح هذه رحلت النزوح الثانية لهم.
ليتضاعف الحمل على بقية المديريات التهامية (عبس – أسلم – حيران – كعيدنة – بني قيس)  التي استقبلت هؤلاء وتوزعوا فيها على شكل مخيمات وتجمعات في مدنها وقراها، فرار من جحيم الموت ولضى الحرب في مصير مأساوي محتوم لم يكن لهم منه بد، ساقتهم إليه أقدار السماء وجلبه لهم عبث المقامرون بأرواح هذا الشعب المغلوب على أمره.
 
الفقر والعوز رديف النزوح والتشرد
 يعتمد غالبية هؤلاء النازحين في السابق على “منفذ حرض الحدودي” كمصدر دخل أساسي ورافد اقتصادي، من خلال النشاط التجاري والسياحي الكبير الذي كانت تزخر به تلك المناطق، وكذا التهريب وبيع القات والسفر للعمل في دول الجوار، وكانت شريحة واسعة من السكان هناك تعمل  أيضاً  في  الزراعة وتربية المواشي نظرا لخصوبة الأرض والمساحة الخضراء الشاسعة، كما يعتمد الكثير منهم على الوظائف العامة كمصدر دخل ووظائف القطاع الخاص في المرافق الحيوية في تلك المناطق الهامة.
وبعد أغلاق ذلك المنفذ واشتعال الحرب على طول الحدود والنزوح الكلي من تلك المدن والقرى والمزارع فقد هؤلاء النازحون مصادر دخلهم وسبل عيشهم والتي كان آخرها توقف مرتبات الموظفين لتضاف معضلة الفقر والفاقة إلى معاناة النزوح والتشرد مشكلة بذلك مصفوفة مرهقة وغير منتهية من المعاناة.
يسعى البعض منهم لتوفير الغذاء من خلال جمع الحطب بطريقة شاقة وبيعه بمبالغ زهيده في الاسواق الشعبية والتي يضطر بعضهم الى السير عشرات الكيلو مترات ليصل لتلك الاسواق، ويضطر  البعض الآخر إلى العمل في أعمال شاقة في تلك الأسواق كـ “الحمالة و”العربجة” وغيرها من أجل توفير ما يسد رمق أطفاله، ويختصر أغلب هؤلاء النازحون الثلاث الوجبات في وجبة واحدة لا تحمل أي قيمة غذائية تذكر حيث يظهر ذلك واضحاً من خلال الهزل الشديد في أجسامهم  والشحوب والهزال وخاصة لدى الأطفال والنساء.
“أم محمد” مسنة تبدو على ملامحها أثار القهر وتجاعيد الزمن وجدناها هنا تنحني على جذع شجرة يابس وتهوي عليه ببطء بفأس في يدها الهزيلة المرتعشة محاولة قطعة، قالت لـ”يمن مونيتور”: “أجمع الحطب وأبيعه لأشتري بثمنه دقيق لبناتي فأنا من أعولهم بعد وفاة أبيهم”.
 
المجاعة وجع صامت وموت بطيء
يعيش هؤلاء النازحون معركة شبه يومية ـ  بعيدا عن معارك الساسة والعسكر ـ هي معركة توفير اللقمة ورغيف الخبز  في  ظل وضع اقتصادي مزري على القاطنين في بيوتهم فضلا عن  الذين تقطعت بهم السبل وفقدوا مصادر دخلهم وأصبحوا مشردين في تجمعات ومخيمات نائية لا مجال فيها للتجارة ولا سبيل فيها لحرفة أو مهنة أو صنعة أو زراعة أو أي مصدر آخر.
تقارير كثيرة تحدثت عن تلكم المعاناة حيث أكدت منظمة اليونسيف في تقرير صدر لها مؤخراً أن “سوء التغذية بين أطفال اليمن بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق”.
ومن خلال زيارة مراسل “يمن مونيتور” إلى هذه المناطق أشار إلى أنك: “تستطيع القول أن الاطفال النازحين في هذه المخيمات والمناطق هم المعنيين، وتعتبر محافظة حجة الثانية على مستوى اليمن من حيث سوء التغذية بحسب التقارير الصحية و بلغت حالات سوء التغذية الحاد المرصودة في المحافظة قرابة 100.000 حالة من شريحة الأطفال دون سن الخامسة وتشكل هذه الشريحة ربع سكان المحافظة.
ينتظر هؤلاء النازحين عدة أشهر كي يصل كيس القمح المقدم كمساعدة غذائية من بعض المنظمات والذي لا يكاد يذكر ولا يسمن و لا يغني من جوع ومع ذلك لم يسلم هذا الكيس من أيدي الفساد والسلب والنهب من قبل نافذين وسلطة فرضها الواقع لا ترقب في مواطن أو نازح إلاً ولا ذمة ولا تستشعر تجاههم أي مسئولية.
 
تفشي الأوبئة والأمراض فاقم الوضع وضاعف المعاناة
عدم توفر الغذاء الكافي والمتوازن والماء النقي والصرف الصحي والمأوى الذي يمنع حر الشمس وبرد الشتاء والرياح والأتربة والغبار كل ذلك ساهم في تفشي الأوبئة والأمراض في أوساط هؤلاء النازحين مثل الكوليرا وحمى الضنك والملاريا والتيفوئيد والإسهال ونزلات البرد كما ظهر مؤخراً مرض “الجرب” المعدي بنسب كبيرة وكذلك ما تسمى بالحمى المالطية التي تسببها بكتيريا “بروسلا” التي من شأنها تسبب الحمى الشديدة والتشنجات حسب أفاده المختصين.
 كلها أمراض خطيرة لكن أشدها خطورة هو مرض الكوليرا والذي ثبتت منه مخبريا 8 حالات في المحافظة من أصل 800 حالة يشتبه فيها، كما قال صحيون في المحافظة لـ”يمن مونيتور”، ويعتبر وجود حاله واحدة منه وجود للوباء نظراً لخطورته وسرعة انتشاره.
 
عدم توفر المأوى وجع آخر
قيل قديما: كم منزل في الأرض يألفه الفتى …. وحنينه دوما  لأول منزل.
 هكذا قال الشعراء، لكن حقيقة الأمر هنا لم يقتصر على الحنين فقط بل تعداه إلى ما هو أشد وهو عدم وجود البديل فبات هؤلاء النازحون يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ليس لهم مايقيهم حر الشمس ولا برد ليالي الشتاء سوى بعض اكواخ مهترئة بنوها من القش وبقايا طرابيل ممزقه.
النازح “محمد سعيد ” وجده “يمن مونيتور” في أحد المخيمات بجانب بطانية نصبت حول ثلاثة أعواد وقال شارحاً: “هذه بطانيتنا الوحيدة نتستر بها في النهار لقضاء الحاجه “حمام” وفي اليل نتلحف بها من البرد انا وأطفالي الثلاثة وامهم”.
لاحظنا أحد النازحين ويدعى الحاج “علي ابراهيم” يبني قوالب من الطين والحجارة بشكل مستطيل بارتفاع نصف متر تقريباً وعند سؤال “يمن مونيتور” عن عمله أجاب: “هذه أسرة للنوم”.
الوضع هنا مأساوي والوجع فوق الاحتمال لا يوجد شئ من مقومات الحياة سوء تشبث هؤلاء بما يتاح من أسباب البقاء.
 
طفولة مهدرة
  تعج المخيمات هنا بأطفال في عمر الزهور يقتاتون الجوع وينخر المرض أجسادهم النحيلة ويظهر على ملامحهم آثار التعب وغبار التشرد ورغم ذلك لازلت شفاههم توزع الابتسامات للزائرين.
تحملق ملامحهم الشاحبه و أعينهم الغائرة في كل قادم بحثاً عن مستقبل مجهول لا يدرون ماذا يحمل لهم، “شادي” 7سنوات طفل نازح تبدو على ملامحة البراءة والنباهة معا أجاب حين سأله مراسل “يمن مونيتور” ماذا تريد “يا شادي”: “أريد أن أتعلم”.
     
وللسكان هنا معاناتهم
لا يختلف حال سكان هذه المديريات عن حال النازحين إليهم من حيث الوضع الاقتصادي والصحي والإنساني بشكل عام الا كون بيوتهم لازالت تستر معاناتهم من أن تصل إلى الناس، فانقطاع مصادر الدخل، والركود الاقتصادي في الاسواق، والضغط السكاني الهائل الذي أضيف لهذه المديريات في ظل انعدام للبنية التحتية والخدمات، كل تلك عوامل ساهمت في معاناة السكان الأصلين لهذه المديريات في ظل حالة الخوف والترقب من توسع رقعة الواجهات ووصولها إلى مديرياتهم.
 
كارثية الوضع فاقت الاستيعاب
 الوضع الانساني هنا كارثي وفاق القدرة على الاستيعاب على كافة الأصعدة بسبب كثرة النازحين وانتشار الجوع وسوء التغذية والتلوث وتفشي الأمراض والأوبئة وعدم توفر المأوي والصرف الصحي المناسب إضافة إلى حرمان الاطفال من التعليم.
وباتت الجهود التي تقوم بها كثير من الجهات كمكتب الصحة والوحدة التنفيذية والمركز الاجتماعي للنازحين وعدد من المنظمات لا تفي بالغرض ولا تسد الاحتياج والوضع يزداد سوء يوما بعد يوم في حين يعلل القائمون على تلك الجهات بعدم توفر الداعم الكافي لاحتواء الوضع في ظل غياب الدولة وشحة الموارد وتوقف الدعم من قبل المانحين.
ويرى مراقبون أن هناك هدر وعبث بالمنح المقدمة لليمن من قبل بعض المنظمات في برامج غير ذات جدوى وصرفيات باهظة دون فائدة منها ولا تمسح حاجة النازحين واعتبروا ذلك عبثاً في حين يموت الناس هنا بسبب الجوع والمرض.
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى