كتابات خاصة

اليمن في خطاب الملك سلمان

ياسين التميمي

الخطاب الذي ألقاه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح الدورة السابعة لمجلس الشورى في بلاده، كان مقتضباً، لكنه مليء بالمواقف الكبيرة، وعكس في الآن . الخطاب الذي ألقاه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح الدورة السابعة لمجلس الشورى في بلاده، كان مقتضباً، لكنه مليء بالمواقف الكبيرة، وعكس في الآن نفسه حجم التحولات التي يشهدها العالم والتحديات التي لازمت ولا تزال تلازم هذا التحول، وتؤثر بعمق على دول المنطقة وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية.
والخطاب الذي أعنيه هو الذي تم بثه عبر الفضائيات، لكن من الواضح أن هناك خطاباً مطولاً وزع على أعضاء مجلس الشورى كما أشار الملك سلمان نفسه، يُعنى بتفاصيل السياسة السعودية ويحدد الخطوط العريضة لمواقف الدولة السعودية الثالثة ورؤيتها للمرحلة لمقبلة.
وسط ذلك الكم الهائل من تدفق المعلومات حول استراتيجية السعودية في اليمن، أوجز خطاب الملك سلمان الموقف السعودي بكل قوة ووضوح، بتأكيده على أن المملكة “لن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها، ونأمل نجاح مساعي الأمم المتحدة في الوصول إلى حل سياسي باليمن وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم ( 2216)، والمبادرة الخليجية ، ومخرجات الحوار الوطني اليمني” .
كان المراقبون يتساءلون بكثير من الحيرة، عن دور الرياض فيما تقرره الرباعية الدولية التي تشكلت فجأة لتهتم بالملف اليمني، وهذه الرباعية التي عقدت أولى اجتماعاتها بالعاصمة البريطانية في يوليو الماضي، تبرهن في الحقيقة على أن الأطراف الدولية والإقليمية الأكثر في الأزمة اليمنية، تريد أن تبقي فضاء هذه الأزمة مغلقاً أمام قوى دولية وإقليمية تسعى بكل قوة لإضافة هذه الأزمة إلى جملة الأوراق التي تملأ ملفات مجلس الأمن وتغذي الصراع الدولي والإقليمي على النفوذ.
لكن الرباعية سرعان ما ذهبت إلى تبني مقترحات لا تحقق الغاية الحقيقية من تشكيل الرباعية نفسها، والسبب يعود إلى أن وزير الخارجية الأمريكي ضغط باتجاه تمرير خطط تخدم التوجه الإيراني وتقرب هذا البلد الإقليمي الذي تحركه أجندات طائفية بحتة من أهدافه في اليمن، وتفسح المجال كذلك أمام روسيا لكي توسع مساحة الدائرة التي تؤثر فيها في منطقتنا وتوظفها في حماية مصالحها الحيوية المهددة من الغرب.
وعلى الرغم مما حاول الوزير كيري إظهاره من حرص على أمن حدود المملكة، إلا أنه كان دائماً يضع الحوثيين في الطرف المقابل من الحدود وليس الدولة اليمنية الشرعية التي تدخل التحالف العربي أصلاً لإعادتها إلى صنعاء.
بعد خطاب العاهل السعودي، اتضحت الرؤية، ليتبين أن الموقف المتصلب الذي أظهرته الشرعية حيال المبادرة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكية، كان يستمد جرأته من إيعاد سعودي برفض المبادرة.
فالوزير كيري كان قد تعمد أن يظهر صلابة غير مبررة حيال أحداث اليمن، وأن يخرج كذلك عن دائرة الرباعية ليعبر عن أجندة الإدارة الأمريكية الديمقراطية المنتهية ولايتها، وهي تقاتل لكي تهدي إيران آخر الملفات الحيوية في المنطقة، لهذا جاء رفض الحكومة بالقدر ذاته من الصلابة والجرأة.
يؤكد خطاب العاهل السعودي على أنه لا خروج عن المرجعيات الحاكمة للعملية السياسية في اليمن، وهي ثلاث مرجعيات استهلها الملك سلمان بذكر القرار رقم 2216 الصادر عن مجلس الأمن، ثم المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
طيلة أكثر من سنة ونصف عملت واشنطن على تحرير الانقلابيين من هذا القرار الذي صدر تحت الفصل السابع، وأرادت فرض مرجعية ومنطقاً أساسياً جديداً متحررا من العقوبات، وهذه المرجعية تحولت من خطة اممية مقبولة من جانب السلطة الشرعية، إلى مبادرة أمريكية تشبه الإملاءات والتي أزاحت السلطة الشرعية من المشهد السياسي وقامت بتثبيت الحوثيين كطرف يمني أصيل في مقابل التحالف العربي الذي يعتدي على اليمن “الحوثي”.
كان الملك سلمان حازماً في خطابه لجهة رفض أي تدخل في شئونه، والذريعة المقبولة هي أن أمن اليمن من أمن المملكة، والملك هنا يوجه رسالته إلى إيران في المقال الأول ومن ثم إلى الغرب.
ذكر الملك سلمان التحديات التي واجهت الدولة السعودية، في نسختها الأولى قبل ثلاثمائة سنة وتلك التي واجهت الدولة السعودية وكذلك الدولة السعودية الثالثة التي أسسها والده الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
هنا إشارة واضحة إلى العمق التاريخي للدولة السعودية، وإلى أنها ليست طارئة بل عميقة ولها جذور وهي من القوة لكي تستطيع مقاومة التحديات الراهنة التي تحيط بها من كل جانب.
لا يوجد تحدي أخطر من ذلك الذي يستهدف السعودية من جهة اليمن، لكن النجاح السعودي في اليمن سيكون على مستوى المبادرة وصدق النية، إذ لا يمكن للسعودية أن تطوي صفحة اليمن بتأمين الحياة لدولة هشة يسهل السيطرة عليها فهذا سيغري دول أخرى جاهزة للتدخل أيضاً.
بل من خلال تقوية المناعة الداخلية للدولة اليمنية المنسجمة مع إقليمها ومع هويتها العربية.. ستنجح السعودية إذا دعمت اليمنيين في إقامة دولتهم الاتحادية الديمقراطية المستقرة اقتصاديا، التي تستطيع محاججة التخرصات المذهبية لدعاوى حكم السلالات الطائفية، ومواجهة الأهداف الإيرانية بالإرادة الوطنية القوية. 
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي. 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى