هل يوجه سقوط حلب فائض قوة إيران وميلشياتها نحو اليمن؟
في حال سقطت حلب فعلياً، فإن فائض القوة للمليشيات الشيعية سيتجه نحو اليمن، وفق رؤية تحليلية. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ خاص
بسقوط مدينة حلب يعني أن النظام السوري المدعوم إيرانياً وروسياً سيسطر على الخمس المدن الرئيسية، ولا يعني انتهاء المعاناة في الشرق الأوسط نتيجة التمدد الإيراني الواسع، بل سيعني تحويل فائض القوة الذي سيتحرر ليذهب باتجاه الحدود السعودية الجنوبية لدعم الحوثيين في اليمن.
لقد فرضت روسيا وإيران قوتها في حلب قبل وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض (يناير/كانون الثاني)، ما يعني تعزيز مشاريعهما ورؤيتهما للمنطقة العربية والإسلامية تجنباً للارتباك من عدم فهم طبيعة السياسة الأمريكية القادمة.
وبطبيعة الحال، لن تكون اليمن بعد الحسم العسكري في حلب بمنأى عن تلك السياسات الروسية والأمريكية المقلقة لمنطقة الخليج العربي، ومحاولة روسيا استثمار الملفات من أجل الابتزاز وتقديم التنازلات، واليمن هي الورقة الرابحة.
لقد استباحت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في سوريا الأحياء المدنية في حلب محولة المدينة إلى مجازر مروعة، وهذه الميليشيات الشيعية التي تعتمد عليها إيران هي: ميليشيا “فاطميون” الأفغانية، و”زينبيون” الباكستانية، و”حيدريون” العراقية، وحزب الله بفروعه الثلاثة: اللبناني والعراقي والسوري، المكون من أهالي دمشق ونُبُّل والزهراء، كما تضاف إليها قرابة (74) ميليشيا تضم الحشد الشعبي في العراق، والحوثيون في اليمن والخلايا النائمة في الخليج، حتى يأتي وقت استيقاظها وفي اليمن موقت التنبيه.
هذه الميليشيات هي ما تشكل “جيش التحرير الشيعي” الذي كشفت عنه إيران في أغسطس/ آب الماضي على لسان القيادي في الحرس الثوري الإيراني وقائد كتائب “سيد الشهداء” محمد علي فلكي، الذي زعم أن هذا الجيش موجود بالفعل على الحدود مع إسرائيل، ويحارب بقيادة سليماني على ثلاث جبهات هي: العراق وسوريا واليمن.
ومهمة هذا الجيش التوجه بطلب من “الشعوب” لتحريرها من الاستكبار العالمي، (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية و جمهورية تركيا)، الميليشيات الأفغانية والباكستانية والعراقية والسورية والإيرانية الموجودة في سوريا هي تلك النواة- للجيش الشيعي- حسب الخطاب الإيراني. وحسب فلكي: “تعتمد تشكيلة “جيش التحرير الشيعي” على قوات محلية تضم ألوية من العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان واليمن، وسيقاتل بزي واحد وعلم واحد تحت إمرة ضباط من الحرس الثوري، الذي سيقتصر دوره على تدريب وتأهيل وتجهيز المجندين للقتال في مناطقهم”.
وفق رؤية الجنرالات في إيران، فليس من العقلانية الزج بالقوات الإيرانية في صراعات خارج حدود إيران، بل الأفضل لها أن تحشد وتدرب أتباعها هناك لتشكيل فيالق هذا الجيش، وتخوض بهم حروبها الإقليمية، واصفة هذا الأمر بأنه “ضرورة ملحة لأن الاستكبار العالمي لن يكفّ شرّه عن الجمهورية الإسلامية”. وسبق أن اعترف القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني محمد جعفري بوجود نحو مئتي ألف مقاتل من خارج إيران مرتبطين بالحرس الثوري وقوات الباسيج، وكثير ممن أرسلتهم طهران للقتال إلى جانب النظام السوري جندتهم مقابل حصولهم على الجنسية الإيرانية بمقتضى قانون أقره البرلمان الإيراني لهذا الغرض.
لايمكن أن تقبل إيران بعودة الأفغان والباكستانيين والإيرانيين المشاركين في تلك الحرب في سوريا، فإيران تعي- أكثر من أي دولة أخرى- بأن الميليشيات وعودتها تقوم بتفكيك الدولة أسرع من الحروب الأهلية، لذلك ستكون المهام جاهزة لها في اليمن كمقر رئيس جديد ينفذ تهديدات (أبو عزرائيل أيوب الربيعي) القيادي في الحشد الشعبي العراقي الذي توعد السعودية بـ”هجوم للقوات الشيعية لمساعدة الحوثيين من اليمن، بعد انتهاء معركة الموصل”، ويبدو أن هذه المعركة في طريقها إلى النهاية.
صحيح أن إيران لا تستطيع إرسال قواتها إلى اليمن كما حدث في سوريا والعراق لبعد المسافة الجغرافية، فيما الحوثيون يمكن القول إنهم بحاجة إلى خبراء عسكريين يديرون الحرب والتدريب ومحترفين للاغتيالات وتطوير الأسلحة (البالستية) منها، لذلك سيكون على الحكومة اليمنية تأمين الحدود البحرية، كما هي مهمة على عاتق التحالف العربي والتركيز بشكل جدي حول الشخصيات التي تدخل عبر البحر والحدود العمانية- اليمنية، كما هي أيضاً مهمة عسيرة لوقف استمرار شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين بقوة وعزيمة أكبر، فما تزال تلك الأسلحة تتوارد إلى الحوثيين حتى مع استمرار الحظرين البحري والجوي.
تحتاج قوات التحالف العربي والحكومة الشرعية إلى حسم الملف اليمني بأسرع وقت ممكن، فالزمن كالسرطان ينتشر ببطء حتى يفتك بكامل الجسد، وتحتاج القوات اليمنية إلى بسط سيطرتها والتسريع من وتيرة العمليات العسكرية قبل أن تبدأ الخطط الفعلية لإعادة انتشار القوة الفائضة لإيران في اليمن ومنطقة الشرق الأوسط.
لا يعني استعجال الحسم العسكري، نكران الجهود التي قامت بها الحكومة الشرعية والتحالف العربي لإعادة تأسيس النظام السياسي في اليمن وفق تركيبته القبلية والسياسية والمناطقية المعقدة بما يشمله من مجالس وإدارات السلطة التنفيذية في المحافظات، ولا لتأسيس جيش يمني مُدرب بعقيده وطنية، وذلك يعني أن الحسم خلال الفترات الماضية لم يكن يتحرك ببطء-وإن حدثت أخطاء- لكنها محاولات تقريب للمتوقع والمتغير التي يمكن تأكيدها للمسؤولين السياسيين والعسكريين، وبما يضمن أفضل الحلول من أجل استدامة الاستقرار لأمن شبه الجزيرة العربية.