دم نجاح الانقلاب مثّل لهم صدمة نفسية وسياسية عسيرة! وتأكد ذلك بما لامزيد عليه في 24/11/2016م حين أجمع أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي برفض انضمام تركيا مؤقتاً إلى الاتحاد، على خلفية تلك الإجراءات والتدابير التي اتخذتها عقب الانقلاب الفاشل. تداعيات الانقلاب الفاشل:
تضمن خطاب للرئيس التركي طيب أردوغان إلى الشعب التركي ألقي في اليوم التالي للانقلاب 16/7/2016م مايشبه التلميح البعيد بداية إلى دور الإدارة الأمريكية في ذلك، من خلال عدم تفاعلها مع ماوصفها الرئيس أردوغان بالتحذيرات المتكررة المرسلة إليها عن جماعة (حزمت) أو تيار الخدمة (وهو ما يُعرف بـ(التيار الموازي) داخل الحكومة التركية)، تلك التي تخطّط لأعمال تخريبية في تركيا، دون أن تلتفت أمريكا لذلك، حتى وقع الانقلاب فعلياً، وطالبها بسرعة تسليم رئيس تلك الجماعة ( فتح الله كولن) المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، حيث نحى باللائمة عليه وعلى جماعته في تنفيذ الانقلاب! وكرّر ذلك على نحو من الاتهام المباشر للإدارة الأمريكية في 29/7/2016م، وهو مادفع البيت الأبيض للتعبير العاجل في اليوم ذاته عن رفضه لتلك الاتهامات . ثم توالت اتهاماته الصريحة بإيواء الولايات المتحدة الأمريكية رئيس جماعة الخدمة (كولن)، وتمنعها تسليمه لبلاده، رغم المطالبات المستمرة لها . رغم الأدلة المسلمة لها (10).
وهو ما أكده رئيس الحكومة التركية في 18/7/2016م ، وأضاف في خطاب آخر أن الولايات المتحدة لم تستند إلى أدلة قائمة على تحقيقات حين أعلنت حربها على (الإرهاب ) في 2001م.
والواقع أن الارتباك الأميركي في التعامل مع المحاولة الانقلابية في ساعاتها الأولى كان جلياً؛ ففي أول ردّ فعل عليها، تنصّل وزير الخارجية الأميركي جون كيري من إدانتها، واكتفى بالتعبير عن أمله بالهدوء والسلام ووجود سلطة تدير شؤون البلد (11).
كما كان الوزير الأمريكي كيري قد علّق في 16/7/2016م بأن من شأن الاتهام للولايات المتحدة بالضلوع أو التواطئ مع الانقلابيين أن يعمل على توتير العلاقة بين البلدين، وأن أمريكا تنتظر تقديم أدلة قانونية من أنقرة، تثبت تورّط غولن في محاولة الانقلاب الفاشل، وزاد وزير العمل التركي فصرّح أنّ الولايات المتحدة “دبرت” محاولة الانقلاب(12).
وهناك من تساءل عن عدم السر في عدم قيام القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة إنجرليك الجوية بمنع إقلاع طائرة تزويد وقود في الجو لطائرات أف 16 التي شاركت في المحاولة (13).
وتؤكد جملة المعطيات أن الولايات المتحدة تأخرت في إدانتها للانقلاب، حتى بات من المؤكّد سيطرة حكومة العدالة والتنمية على الوضع في البلاد فراحت تعلن تأييدها الذي لم يخلُ من تلكؤ. ولم تختلف عواصم الاتحاد الأوروبي عن الموقف الأمريكي.
ففي تصريح لوزير الخارجية الفرنسي أن انتصار الحكومة التركية على الانقلاب لايُعطي أردوغان (صكّاً) على بياض، وهنا يُشار إلى أن باريس كانت قد وجّهت بعثتها الديبلوماسية العاملة في أنقرة إلى الإغلاق قبيل يوم من الانقلاب، وعزت ذلك إلى ما وصفته بتهديدات أمنية! وفي حين يؤكّد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن صحة ذلك فإنه يشير إلى أن التهديدات الأمنية حدثت في اليوم ذاته في مدينة (نيس) بفرنسا وليس في تركيا!! (14) أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فأبلغ أردوغان أنه يجب أن لاتكون هناك إجراءات غير دستورية!
وفي 18/6/2016م يصرّح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معاً أن على تركيا احترام الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية. وقد شاركت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد فيديريكا موغيريني في ممارسة الضغوط على تركيا، خلال مؤتمر صحافي جمعها بكيري يوم 18 /7/2016م في بروكسل، فقالت:” إنّ محاولة إعادة عقوبة الإعدام لمعاقبة المتهمين بالضلوع في الانقلاب يمكن أن يؤدي إلى استبعاد طلب تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي” (15) .وقد ردّ وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بأنّ الانتقادات الموجهة من دول أخرى بشأن تعامل تركيا مع المشتبه بتدبيرهم الانقلاب يرقى إلى مستوى دعم المحاولة الفاشلة التي سعت للإطاحة بالحكومة(16).
وكل ذلك يشير إلى عدم الانسجام مع سياسة أردوغان وحزبه، وأن عدم نجاح الانقلاب مثّل لهم صدمة نفسية وسياسية عسيرة! وتأكد ذلك بما لامزيد عليه في 24/11/2016م حين أجمع أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي برفض انضمام تركيا مؤقتاً إلى الاتحاد، على خلفية تلك الإجراءات والتدابير التي اتخذتها عقب الانقلاب الفاشل.
وذلك كلّه يخلص بنا إلى نتيجة باتت مؤكّدة اليوم وهي أن دوائر صنع القرار في أبرز العواصم الغربية إلى جانب واشنطن وموسكو جميعها وقفت وراء الانقلاب، إما بالتوجيه المباشر منذ البداية، وإما بالعمل على محاولة الاحتواء للانقلاب والسعي نحو توظيفه في اتجاه التخلّص من حكم العدالة والتنمية الذي بات يشكّل – في ظنها- تهديداً للجميع. وهنا فإن الانقلاب وإن وجّهت تهمته المباشرة إلى جماعة إسلامية (هي الخدمة) التي تماهت مع الخط العلماني منذ مشاركتها في الانقلاب على عدنان مندريس في 1980م؛ فإن ذلك يظل ظاهر اللعبة وشكلها الخارجي، أمّا جوهر الحقيقة فإن الانقلاب صناعة علمانية بامتياز (غربي).
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.
______________________________________
الهوامش والمراجع:
(10) راجع – على سبيل المثال- :أردوغان، حوار مع الجزيرة، برنامج المقابلة، الجزء الثاني، مرجع سابق.
(11) راجع: تقرير المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات ، مستقبل العلاقات التركية – الأميركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة،26/7/2016م .
(12) راجع: المركز العربي، المرجع السابق.
(13) المرجع نفسه.
(14) قناة الجزيرة الفضائية، برنامج بلا حدود، حوار مع الناطق باسم الحكومة التركية إبراهيم كالن، حول الانقلاب الفاشل في تركيا ( حوار: أحمد منصور)، 28/7/2016م.
(15) المركز العربي، مرجع سابق.
(16) وزير الخارجية التركي: انتقاد مقاضاة مدبري الانقلاب يرقى إلى دعمه”،رويترز، 18/7/2016.