ذميمةٌ هي الحرب حينما تنهش في جسد الوطن الواحد، وتُضرمُ نيرانُها في ربوعه، فما أشد سطوتها وما أعظم عواقبها. ذميمةٌ هي الحرب حينما تنهش في جسد الوطن الواحد، وتُضرمُ نيرانُها في ربوعه، فما أشد سطوتها وما أعظم عواقبها، ليس فقط على من أشعلوا نيرانها وقرعوا طبولها، وإنما هي ـ أي الحربـ أشد إيلاماً على أولئك الأبرياء الذين ليس لهم في هذه الحرب ناقة ولا جمل.
يؤلمني أن أرى وطني جريحاً يعظه الحزن، ويستبد به الألم، ولشدَّ ما يزيدني حزناً وكمداً هو منظر أولئك النازحين من انتعلوا الوجعَ وتركوا كلَ شيءٍ وراءهم، ونجوا بأرواحِهم ولم يحملوا معهم شيئاً سوى الحنين إلى الديار..
تملكني الحزن والأسى وأنا أسمع أحد الأطفال مخاطباً أباه قائلاً:
إلى أين يا أبي، فأجابه الأب بمرارة وألم: إلى حيث شاءت لنا الحرب يا بني.
لم يكن أمام هؤلاء من خيار سوى النزوح هرباً من الموت، وطمعاً في النجاة، فإما أن يموتوا بنيران الحرب ومدفعياتها أو يموتون عطشاً وجوعاً جراء الحصار المفروض عليهم.
نزوحٌ إلى أين؟ ومدننا وقرانا كلها محاطة بالموت، وحتى تلك القرى البعيدة في جغرافيا المكان والتي ما كان لها أن تسمع بالحرب أصبحت اليوم تنام وتستيقظ على أصوات المدافع، فإلى أين المفر؟ وأين المستقر الآمن الذي ستأوون إليه؟
إن نار الحرب المجنونة لا تفرق بين قرية وأخرى أو مدينة وسواها فلا تأتي على شيء إلا وأحرقته، فيا ليت شعري هل يدرك أعداء الحياة حجم هذه المعاناة التي يمر بها هؤلاء؟
لا أظن ذلك، فلو أنهم يمتلكون ذرة من الإنسانية الحقة ما أوصلونا إلى جحيم المآسي وقعر الهاوية.