آراء ومواقف

الطريق إلى ميدي

خليل العمري

٣٠٠ يوم قضيتها في ميدي-الطوال، مرّت الأيام قصيرة مثل ضربات قلب ،ما تزال الثلاثة الأيام الأولى بارزة في ذهني مثل قطع خشبية طافية على بحر ميدي .
٣٠٠ يوم قضيتها في ميدي-الطوال، مرّت الأيام قصيرة مثل ضربات قلب ،ما تزال الثلاثة الأيام الأولى بارزة في ذهني مثل قطع خشبية طافية على بحر ميدي .
طريق طويلة سلكتاها من حضرموت وحتى ميدي بحجة، دورة كاملة من الشرق الى الغرب ، في الطريق قالو لي انت المسؤول الإعلامي ، كان الباص يحوي مجندين تغمرهم الشجاعة وأقارب لشهداء ، كانت اليمن تظللنا كسحابة صيف ، تبخرت الكلمات في حضرت من قدّٓموا فذات أكبادهم وآخرون يسابقون الريح للحاق بالمعركة .
تمالكتُ نفسي واستعنت بما تختزنه ذاكرة الهاتف النقال، مجموعة من الزوامل وأناشيد أيوب الوطنية ، دوت في الإرجاء “يا سماوات بلادي باركينا وهبينا كل رشد ودعينا ، نجعل الحق على الارض مكينا”، عقب انتهائها قام والد الشهيد محمد الهمداني وتقدم نحو مقعد السائق ، كان وجهه يتلألأ مثل قطعة قمر ممسوحة بشيء من الحزن ، تناول الميك بيديه وقبضه وكأنه بندقية مقاتل، قال بصوت شاحب وقوي :”انتوا عيالي كلكم لو سار محمد ، محمد كان ذكي وسافر برضاه للقتال بعد ما طروه الحوثة وقالوا انه داعشي “، كان لوقع كلماته القليلة على مسامعنا اثر كبير، شعرت ان حركة الباص تزداد وحرارة المكان ترتفع .
في لحظات التعارف ، كانت المفاجأة ، شباب من خريجي كلية الهندسة بجامعتي صنعاء وعدن ومن جامعة تعز قرروا الالتحاق بالجيش ، اما انا فكنت بجوار قريب لصحفي من حجة استشهد في غارة خاطئة للتحالف بصنعاء ، كان ذلك الصحفي من أنبل الزملاء غادرنا وترك فراغاً قتيلاً ، أما قريبه الطبيب فقد كان والده من حزب صالح، تركه واختار ان يسير في طريق معالجة جرحى الجيش الوطني ، سألتقيه بعد اشهر وقد صار مسؤولاً لوحدة صحية في ميدي .
قمت بتقسيم الباص الى مجموعات تحمل أسماء الشهداء ، بدأت بإلقاء الأسئلة عن أحداث هامة ، تواريخ الانقلاب وتحرير عدن ومعارك مارب وتعيين الشدادي وقائد المنطقة الرابعة الذي استشهد في عدن ، كانت الأحداث منقوشة في ذاكرتهم مثل حروف سبئية على جدران عرش بلقيس ، يقولون الشعر ايضا وكانهم يشربون الماء ، كنت اعتقد انني في ندوة وليس مع شباب محتشدين للمواجهة .
حينما وصلنا إلى ميدي ، وقف الجنود لاستقبالنا مثل ضيوف الشرف الذين يصطفون في المطار لاستقبال الزعماء ، ظلوا يطلقون النار في الهواء قرابة ربع ساعة مع صوت أيوب طارش ، الفنان الوطني الذي لا يفارقهم مهما كانت الظروف ، يقولون انه يمدهم بالإلهام ويجعل البلاد تسير في عروقهم مثل قطار سريع .
كان في انتظاري هشام الشبيلي ، وهو صديق يسبق عمره الأكاديمي بسنوات ، اقلنا إلى غرفتين يطلق عليهن مجازا مركز إعلامي ، كان الشباب يتراصون فيها مثل محجوزين في زنزانة ، قبل أن انتقل إلى غرفة ضابط في الرئاسة برتبة نقيب ويدعى حسين السلمي ، كان قد استضاف هو الاخر ٣ من الإعلاميين في غرفته الصغيرة ، من بينهم الصحفي البارز احمد ابو سالم .
أن تكون صحفياً في منطقة مواجهات معناه انه ينبغي عليك ان تتخلى عن مشاعرك الوردية التي اكتسبتها وترتدي بزة مقاتل سلاحه الكاميرا والشجاعة في معركة غير متكافئة ، قد تكون فيها ضحية لقذيفة طائشة وانت تحاول ان تنقل الصورة الحقيقية للتضحيات التي يسطرها الأبطال في سبيل استعادة بلادهم .
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى