على مدى ما يقارب عشرين شهراً من «عاصفة الحزم» تمّ استنزاف جزء غير يسير من النواة الصلبة للحركة الحوثية على مدى ما يقارب عشرين شهراً من «عاصفة الحزم» تمّ استنزاف جزء غير يسير من النواة الصلبة للحركة الحوثية، كما اهتزت شريحة لا بأس بها من الجماهير المتحمسة والحاضنة الحركة. لكن خبراء في الشأن اليمني يرون أن ثمة عصبيتين لا تزالان تحضان المشروع الحوثي على الصمود: عصبية المذهب وعصبية السُّلالة. لذلك، كان من تبعات هذه الحرب انتعاش سردية حوثية تعكس ذلك عبر الاحتفال بيوم الشهيد ويوم الصرخة ومعارض الشهداء في صنعاء، حتى وإن كان سياق توليد هذه السردية إنما يتمّ الحديث عنه منذ 2004، ولكن ليس بالزخم الحالي، الأمر الذي دفع الحركة إلى التوسل بإحياء الصوفية سبيلاً لتعزيز نسج مزيد من الأواصر مع الهاشميين وتمتين الوشائج العصبية التي تغذي التطلعات الطامحة إلى استلام السلطة والتمكين.
ولا شك في أن بيئة الحرب والصراعات الأهلية هي بيئة مثالية لانتعاش، واختراع، هذه الوشائج والعصبيات والسرديات. ويلفت عارفون بالشأن الإيراني إلى أن ما يسمى «لطميات الحرب الإيرانية – العراقية» تُعَدُّ حتى الآن مورداً أساسياً للشحذ والتحشيد المعنوي والمذهبي في إيران.
ولعل هذا يفتح الباب لتوسيع مظلة التفكير في أن أي مقاربة للتسوية السياسية في اليمن تقتضي، من جملة ما تقتضيه، تعزيز النوازع المدنية المشتركة للمواطن اليمني، وتفكيك أي منظومة مغلقة أو سردية تُؤَبِّدُ الصراع عبر تأبيد سردية «المظلومية» و «مذهبة» الاقتتال، وبالتالي إضعاف الدولة ورموزها المركزية، ومد قوى ما دون الدولة بالحياة عبر التغلغل في المؤسسات الرسمية واختراقها، وصولاً إلى التغول على الدولة وتهميشها والإمعان في إفشالها. وليس ثمة وسيلة أكفأ على هذا التفكيك من تقديم الفاعلين الإقليميين والدوليين والمنظمات الإنسانية المختلفة التعليم والصحة والكهرباء والغذاء والأمل ووعد الإنسان اليمني بغد أفضل.
عليه، فإن أي استراتيجية شاملة للخروج من الانسداد السياسي الحالي في اليمن ينبغي أن تنظر إلى الشق الإيجابي من توصيف القوى اليمنية، باستمرار، بتعدد الولاءات وتَقلُّبها، إذ يمكن الاشتغال على ذلك باتجاه التخفيف من «العسكرة» و «تبديل القناعات عبر تبديل الخيارات المتاحة»، والاقتناع بكارثية المعادلات الصِفرية، وإخراج أطراف الصراع من دائرة السلاح إلى دائرة السياسة والمقايضات والتنازلات المؤلمة، ويمكن أي استراتيجية وطنية أو إقليمية ودولية طموح ومتحدية ومتفائلة في هذا الملف أن تتأمل بأن يكون عام 2017 بداية اجتراح الحوافز والأدوات والآليات المدروسة لتحقيق تلك المقاربات… وصناعة هذا التفاؤل.
نقلا عن الحياة اللندنية