خلو المجتمع والدولة من قيم ومبادئ الحرية والمساواة أمام القانون، سيظل ينتج صراعات وصدامات عنفية لاديمقراطية تشل الدولة والمجتمع معا. خلو المجتمع والدولة من قيم ومبادئ الحرية والمساواة أمام القانون، سيظل ينتج صراعات وصدامات عنفية لاديمقراطية تشل الدولة والمجتمع معا.
كانت ومازالت الميليشيا هي أعظم الشرور في هذا السياق، ذلك لأنها لاتخضع لمفهوم الدولة، كما تريد إجبار المجتمع على أجنداتها وايديولوجياتها فقط. غير أن تآكل الدولة هو الذي كان يسوغ لنمو الميليشيا تاريخيا.. فالدولة المتحجرة ذات الاختلالات الوطنية الحادة، والتي تسرف في عدم معالجة قضاياها المتراكمة، كما ترفض إعلاء مكانتها القوية في المجتمع، ليس غريبا عليها أن تتحول إلى بيئة مثالية وخصبة للميليشيا.
وإذ تتنكر الميليشيا لكافة حقوق المجتمع، فإنها تدأب على أن تكون بمثابة الوضع الطبيعي الوحيد داخل هذا الوضع اللاطبيعي، متغافلة عن أنها هي التي لعبت الدور الحاسم في تفجيره أصلاً -كما حدث لدينا- ليتكرس اليوم بإعتباره وضع إحلال العنف بدلاً عن السياسة، وإدعاء الوصاية على الدولة والمجتمع.. وضع التباهي بتقويض المشتركات الوطنية الكبرى، والإعتماد على زعزعة الإستقرار لمواصلة إزدهار تجار و تجارة الحرب.
وعلى وجه التحديد: ينطوي هذا الوضع الصراعي الكارثي المنفلت على جملة تداعيات هستيرية ومتوحشة، تصمم على تكريس إجراءات وممارسات استبدادية وانتقامية محلية، ذات طابع تطييفي وتفكيكي، يتجاذب أيضا مع عوامل وفواعل الصراع الإقليمي، إضافة إلى إتجاهات ورغبات ومصالح السياسات الدولية، التي تؤكد بوضوح فاضح- وبلاشك- عدم مبالاتها بالمدنيين المتضررين كما بكل مبادئ الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان الاصيلة التي كانت تزعمها وتحث عليها.
وبالطبع، فإن أكثر التحديات تعقيدا في الدول العربية التي أصيبت بلعنة الميليشيا -واليمن على رأسها- هو اختراقها للجيوش المثخنة بالفساد والعصبوية، وتحويلها إلى تابع لها، ما يعني الحط من قيمتها الوطنية الرمزية الجامعة، وتلك هي الصدمة الوجدانية الكبرى التي -ولعدة أسباب متشابكة برأيي- صارت تبدد أكثر من غيرها الآن، مختلف آمال السلام والمصالحات المجتمعية، وإستعادة شخصية الدولة وجبر ضرر الحرب بأقل الخسائر، خصوصا مع الإرادات الغامضة التي لا ترى في المشهد سوى مخاطر الإرهاب فقط -مع أنه مرفوض ولا يمكن أن تكافحه سوى حالة الدولة وليس اللادولة كما هو حاصل- في حين تتحرك تلك الإرادات الغامضة داخل المشهد لتحويل الميليشيا إلى مصاف الجيوش -تماما كما نرى من حولنا هنا أو هناك- فضلا عن تحويل الجيوش إلى مصاف الميليشيا بالمحصلة.
ويا للأسى ويا للأسف!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.