السياسة الدولية على موعد مع التغير تبعاً لتغيرات إقليمية ودولية، ولذلك على الحسم العسكري في اليمن أن يأخذ طريقه سريعاً، حتى لايتعقد أمن شبه الجزيرة العربية أكثر من تعقيداته الحالية ودون خلط الأوراق الإقليمية مجدداً في سياسة أمريكية غير واضحة المعالم. السياسة الدولية على موعد مع التغير تبعاً لتغيرات إقليمية ودولية، ولذلك على الحسم العسكري في اليمن أن يأخذ طريقه سريعاً، حتى لايتعقد أمن شبه الجزيرة العربية أكثر من تعقيداته الحالية ودون خلط الأوراق الإقليمية مجدداً في سياسة أمريكية غير واضحة المعالم.
يغادر باراك أوباما البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) ليخلفه دونالد ترامب، أول رئيس أمريكي يفتقر إلى الخبرة السياسية، ولأجل ذلك كله تأتي المحاولات لوضع الإدارة الجديدة أمام أمرٍ واقع في سوريا والعراق واليمن.
يعكف المعلقون الغربيون على تحليل السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية ما بعد أوباما، ليضع معظمهم اليمن صوب عيني تحركات المراقبين الدوليين والمسؤولين العرب لتكون اختباراً كاشفاً لسياسة ترامب المتوقعة في بقية ملفات المنطقة، كما أنها ستكون كاشفة للأحلاف الأمريكية الجديدة ومدى التزامه باتفاقيات بلاده تجاه حلفاءها التقليديين (دول الخليج).
اثنان من المؤشرات يمكن أن نقيس عليهما محاولات لوضع اليمن أمام أمرٍ واقع لإدارة أمريكا الجديدة: الأول، التمهيد الذي قاده جون كيري، الوزير المنتهية ولايته، فيما يتعلق بخارطة الطريق إلى السلام والتي تبنتها الأمم المتحدة لاحقاً، والذي بدء من أغسطس (آب) عند الإعلان عنها والتي تشير إلى المساواة بين الحكومة الشرعية والانقلاب في التعامل، بل تتجاوز ذلك لمكافأة الأخير وتفكيك الأول بصورةٍ مأساوية، وهو ما يضع الخارجية القادمة مع ترامب أمام حلول قُدمت من كيري لتمضي بشأنها في اليمن على الأقل حتى تبدأ ملامح ومداخل لرؤية أخرى- إن كانت الإدارة ستغير من نهج أوباما في اليمن والإقليم-.
مبادرة كيري شجعت الحوثيين وعلي عبدالله صالح – وهذا المؤشر الثاني- إلى إعلان “حكومة في صنعاء” والتي توجت ببيان لهذه الحكومة يدعو إلى معاملتهم بمثل الحكومة الشرعية، ما يسبب كابوساً مزعجاً للحكومة الشرعية بمزاحمة الحوثيين في مساحتها الخاصة المتعلقة بالاعتراف الدولي؛ حتى وإن لم يعترف بها خلال الأسابيع القادمة لكنها قد تجد بيئة دولية ملائمة، بما فيها الضغوط التي تواجهها روسيا في سوريا من دعم دول الخليج “بالأخص السعودية وقطر” للثوار السوريين.
مؤخراً، ارتبطت اليمن بمعركتي الموصل وحلب في تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين في إيران التي تحتاج إلى ضبط التوقيت للمعركتين بما يحسمهما قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض، حتى لا تخوض صراعاً مع ارتباك السياسة الأمريكية الخارجية، وبما أن اليمن جزء من معركتها الإقليمية فإن نجاحها في المعركتين يضع ثقلها وثقل ميليشياتها الطائفية “الحشد الشعبي” و “حزب الله” في معركة اليمن، وذلك يبدو واضحاً من تصريحات القيادات “عصائب أهل الحق” بالعراق التي التقت وفداً حوثياً في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إضافة إلى قادة عسكريين في “الحشد”
لذلك فإن الحسم العسكري في اليمن أسهل الآن وأسرع، من مرحلة ما بعد وصول ترامب، من نواحٍ ثلاث: الأولى، استغلال الحكومة الشرعية لإعلان حكومة الحوثيين بالتحرر من الضغوط الدولية بشأن الحل السياسي الذي لايعمل على استعادة الدولة بقدر ما يعطي اليمن حروب مؤجلة. الثانية، في حال تغير المزاج الإقليمي الواقف مع الشرعية مع الضغوط التي تلاقيها روسيا في سوريا والتي قد تتوج بعدم حسم معركة حلب لصالحها قبل وصول ترامب، ما يضع الملف اليمني أداة للضغط على السعودية، إضافة إلى حجم تأثير اليمين المتطرف إن فاز في الانتخابات على القرار الأوروبي بعد خروج بريطانيا. كما أن الحسم في اليمن يُمّكن دول الخليج من التحرك بأرحية فضلى في الملفين السوري والعراقي، وتلك هي الناحية الثالثة.
لا يعني استعجال الحسم العسكري، نكران الجهود التي قامت بها الحكومة الشرعية والتحالف العربي لإعادة تأسيس النظام السياسي في اليمن وفق تركيبته القبلية والسياسية والمناطقية المعقدة بما يشمله من مجالس إدارات السلطة التنفيذية في المحافظات، ولا لتأسيس جيش يمني مُدرب بعقيده وطنية، وذلك يعني أن الحسم خلال الفترات الماضية لم يكن يتحرك ببطء -وإن حدثت أخطاء-لكنها محاولات تقريب للمتوقع والمتغير التي يمكن تأكيدها للمسؤولين السياسيين والعسكريين، وبما يضمن أفضل الحلول من أجل استدامة الاستقرار لأمن شبه الجزيرة العربية.