كتابات خاصة

صالح ومغامرة استثمار الطائفة

ياسين التميمي

تكمن مشكلة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في إصراره على أن يسلك الطريق الدموي الذي مضى فيه القاتل بشار الأسد، ولهذا لجأ إلى هذا التحالف الجهوي الطائفي الخطير جداً على المستقبل السياسي لعائلته.
تكمن مشكلة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في إصراره على أن يسلك الطريق الدموي الذي مضى فيه القاتل بشار الأسد، ولهذا لجأ إلى هذا التحالف الجهوي الطائفي الخطير جداً على المستقبل السياسي لعائلته.
كان العالم قد تخلى عن المخلوع صالح وأجبره على توقيع اتفاق التنازل عن السلطة، وهي رسالة قوية لم يستوعبها بعد، وظن أن الارتداد على ثورات الربيع العربي، سوف تفتح له الباب للعودة مجدداً إلى السلطة.
كل ما في الأمر أن الأطراف الإقليمية استثمرت نفوذه في الجيش لتحقيق أهدافها في سحق السلطة الانتقالية التي أنتجتها ثورة الحادي عشر من فبراير 2011، قبل أن تكتشف أنها ارتكبت خطأ لأنها جمعت المخلوع صالح مع ميلشيا الحوثي لتحقيق مهمة كهذه، لأن ميلشيا الحوثي مرتبطة بشكل وثيق بالأجندة الإيرانية.
لا يمكن للمخلوع صالح أن يقارن نفسه بالأسد أبداً، فالأسد يقتل في سورية بأدوات طائفية صارخة، لأن الطائفة العلوية تخوض معركة وجود، وهناك دعم عالمي لهذه الطائفة لكي تبقى متحكمة بالكتلة السنية الكبيرة في سورية، فيما الطائفة التي حاول صالح إحيائها لم تعد مهيأة للعب دور لا وطني، وهي ليست أقلية ونخبها ليست في وارد التكتل الذي يعيد إحياء العبودية المدفونة من جديد، ولا لتمجيدسلالة تعود أبناؤها علىعدم الاكتراث بكرامة الإنسان.
يقاتل صالح بلا صفة رسمية ولا سلطة ولا مرجعية شرعية، ويكرس نفسه كزعيم حرب يعاني من تداعي كبير للنفوذ جراء فقدان عوامل القوة والتنافس الشديد الذي يمارسه الانقلابيون من الخط الإمامي الكهنوتي في الميدان.
هناك خطورة كبيرة من وراء هذا الإمعان من قبل صالح في إحياء الطائفة الزيدية في اليمن، والخطورة تأتي من أن المضي في هذا الطريق سيؤدي حتماً إلى إحياء الإمامة وهو ما يراه المخلوع صالح اليوم بأم عينيه، ولا يمكنه أن يمارس المغالطة بأن الإمامة التي تزحف على صنعاء وعلى مؤسسات الدولة وتأكل الأخضر واليابس، مجرد سحاب عابرة.
ولهذا لا نمارس التنجيم حينما نقول إن الطريق الذي اختاره المخلوع صالح سيقوده حتماً إلى خوض صراع مسلح مع نواة الإمامة التي تشكلت في صعدة وتوسعت حتى ابتلعت صنعاء وأجزاء واسعة من البلاد.
عاجلاً أم آجلاً ستقع هذه المعركة وما يجري اليوم يؤكد أن مظاهرها قائمة في شكل الإقصاء التي تمارسهميلشيا الحوثي بحق أنصار المخلوع صالح. وإذا لم يتم الحسم العسكري من جانب الدولة والتحالف، فإن الصراع الذي سيندلع بين صالح والحوثيينمحركه الأساس هو الاستحواذ على السلطة، من جانب أولئك الذين يدعون أنهم أحق بالقيادة الروحية والسياسية للطائفية الزيدية في اليمن.
أرست ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 التي أطاحت بالإمامة وإلى الأبد، منهجية جديدة في الحكم تجاوزت النظرية العتيقة للإمامة التي تتضمن ادعاءات بالحق الحصري للسلالة”الهاشمية القرشية” في الحكم.
فخلال أكثر من خمسين عاماً، نال”القبيلي” حظه من ممارسةالسلطة وتمكن من تأسيس مرجعية قبلية جهوية للسلطة في الجمهورية العربية اليمنية وفي الجمهورية اليمنية فيما بعد حرب 1994.
والنتيجة هو أن ادعاء السلاليين بالأحقية في السلطة هو مجرد ادعاء فارغ لا أساس له، فها هو الكون لم يتداع ولم يتحطم أبداً حينما لم يحكم اليمن إمام زيدي، ولن يحدث شيء من هذا، وعلى العكس اليمن اليوم يتحطم ويحترق ويجوع ويتشرد لمجرد أن هؤلاء أرادوا استعادة السلطة.
أخطأ المخلوع صالح خطأ فادحاً عندما أعاد تكييف مجتمعه القبلي الحاضن ليقوم بدور الطائفة، في وقت تجاوز فيه هذا المجتمع مفهوم الطائفة، وانخرط ضمن مفهوم الوطن الكبير.
صحيح أن إغراءات السلطة أبقت أبناء القبائل أكثر التفافاً حول صالح، ولكن الدافع هو إغراء السلطة نفسه، الذي حاول صالح أن يبقيه عبر مغالطاته التي تقول: إن الحوثيين لن يعيدوا الإمامة، فالتحالف معهم هو للمساعدة في التخلص من تحالف ثوار فبراير، وحينما نستعيد السلطة سنتصرف مع الحوثيين ونعيدهم إلى “مران”معقلهم الأول في محافظة صعدة.
كان هذا هو المخدر السيء الذي ألقاه صالح على مسامع أنصاره، لكن تطورات الأحداث وطول أمد الحرب أفرز حقائق جديدة ومُرَّة بشأن النهاية السوداوية لمخطط الانقلاب حيث يزداد نفوذ الإماميين ويتقلص نفوذ المؤتمر الشعبي العام وهو حزب المخلوع صالح الذي كان قد تعرض لانشقاق خطير بعد 21 سبتمبر 2014.
المسلك السيء للمخلوع صالح دفع بالآلاف من أبناء القبائل المحيطة بصنعاء، إلى للتوجه إلى مأرب والانخراط في صفوف الجيش الوطني لمحاربة الإمامة المحمولة على طموحات صالح البائسة لاستعادة السلطة.
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى