كتابات خاصة

الحمدي ولصوص سنحان

بلال الطيب

يختلف اليمنيون سياسياً في كل شيء، إلا حول سيرة ومسيرة الرئيس الانسان إبراهيم الحمدي، لم يحظى اليمن عبر تاريخه الطويل برئيس مثالي مثله، ضحى لأجل الشعب، وقدم للوطن الكثير، إلا أنه في المقابل مكّن لصوص سنحان من مفاصل الجيش والدولة، فكانت نهايته على أيديهم، اختطفوا الحُكم والحلم، واغتالوا تطلعات اليمنيين. يختلف اليمنيون سياسياً في كل شيء، إلا حول سيرة ومسيرة الرئيس الانسان إبراهيم الحمدي، لم يحظى اليمن عبر تاريخه الطويل برئيس مثالي مثله، ضحى لأجل الشعب، وقدم للوطن الكثير، إلا أنه في المقابل مكّن لصوص سنحان من مفاصل الجيش والدولة، فكانت نهايته على أيديهم، اختطفوا الحُكم والحلم، واغتالوا تطلعات اليمنيين.
الحزبي المُلتزم ـ كما قيل ـ لا يمكن أن يكون مؤرخاً موضوعياً، ومن هذا المنطلق فإني كصحفي مُستقل أحاول إعادة قراءة التاريخ اليمني بشفافية مطلقة، مُعتمداً على عشرات المراجع، غير الشهادات الحية، فيما يخص تاريخنا المعاصر، وما أتلقاه من نقد وثناء يسعدني كثيراً، ويحفزني أكثر للاستمرار في البحث والتقصي، وفق منهجية دقيقة، وبجهود ذاتية متواضعة.
سبق للزميل مكرم العزب أن كتب مُستفسراً عن حقيقة تفاصيل جزئية مُتصلة بسيرة الرئيس الحمدي، تطرقت لها على عُجالة في مقالٍ سابق عنوانه: «الوحدة حلم مختطف»، هو بالأصل خلاصة لدراسة طويلة مذيلة بقائمة المراجع، ستُنشر قريباً ضمن فصول كتابي القادم، ولهذا السبب بدا القصور في إغفال بعض الأحداث واضحاً، السطور التالية توضح طبيعة الاستفسار، وتكشف فحوى الأسئلة.
الرئيس الملهم إبراهيم الحمدي ليس ملاكاً مُنزهاً عن الخطأ، وحينما نذكر بعض زلاته، فهذا لا يعني الانتقاص منه ومن تاريخه النضالي الذي لا ينكره إلا جاحد، بقدر ما يعني التركيز على تفاصيل حياته كإنسان، مارس السياسة، ودخل دهاليزها، وأجاد آلاعيبها، وله مبرراته وتطلعاته.
وثق «الحمدي» بمن ليسوا أهلاً للثقة، هادن مراكز القوى وداعميهم لبعض الوقت، ثم عمل جاهداً على استقلالية القرار اليمني، جاعلاً لليمن واليمنيين الف قيمة وحساب، حظي بمساندة غالبية الشخصيات الوطنية، لدرجة أن خلفه الرئيس عبدالرحمن الإرياني راسل معارضيه، ونصحهم بالوقوف لجانبه، وكذلك فعل الاستاذ أحمد محمد النعمان.
كثيرون هم الكتاب الذين تحدثوا عن «الحمدي» الإنسان، استعنت بكتبهم وكتاباتهم، وأثريت موضوعي بشهاداتهم، ذكر بعضهم أن «الحمدي» أعترض على اتفاقية الوحدة «اكتوبر1972»، وهي حقيقة تأكدت فيما بعد، أثناء لقاء الأخير مع سالم ربيع علي في قعطبة «فبراير1977»، لم يتم الحديث عامئذ عن ذات الاتفاقية، مع العلم ان المُعترضين عليها بعد توقيعها في القاهرة كانوا كُثر، وما لقاء وبيان طرابلس في الشهر التالي الا لإزالة ما وقع من التباس.
أما فيما يخص موضوع دعم السعودية لـ «الحمدي» بداية توليه السلطة، فهي معلومة متداولة أكدها كثيرون، ويعد حاتم أبو حاتم أشهرهم، قال صراحة بأن السعودية لم تكن راضية عن «الإرياني»، وأنها رأت في «الحمدي» الشخص المناسب لتوجهاتها، مشيراً إلى أنها والمشايخ كانوا يتوقعون أنهم سيمررون عبره ما يريدون، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفنهم.
كانت السعودية أول دولة يزورها «الحمدي» بعد توليه الرئاسة، التقى بالملك فيصل الذي كما تشير المصادر اعجب به وبديناميكيته، وهذا سنان أبو لحوم نفسه قال في إحدى حواراته الصحفية: «جاء الحمدي ليواجه النشاط الشيوعي في الجنوب، وتلقى دعماً من السعودية لهذه الغاية، فإذا بنا نكتشف أنه أقام علاقات سرية مع الشيوعيين، وتفاهم معهم».
أثناء أحداث «أغسطس1968» وقف «الحمدي» في صف رئيس الوزراء حسن العمري، بوصفه مديراً لمكتبه، وقاد ومحمد الإرياني بعد أربع سنوات حملة عسكرية لمحاربة الشيوعيين في المناطق الوسطى، ويعزوا البعض تغير علاقته إيجاباً مع اليسار لأخيه غير الشقيق «عبدالله»، الذي كان متأثرا بأفكارهم.
وجد «الحمدي» في «سالمين» ضالته المفقودة، أخذت العلاقة بينهما تتطور وتأخذ طابع العلاقة الشخصية اكثر من الرسمية، تحررا من هيمنة «القبيلة» وسطوة «الايدلوجيا»، وبعهدهما كان تحقيق الوحدة امراً ممكنا، وسبق لجار الله عمر أن كشف عن لقاءات سرية جمعت قيادات من «الجبهة الوطنية» مع «الحمدي»، كاشفاً أن الأخير لم يجرؤ أن يحول ذلك التقارب إلى سياسة مُعلنة.
 أزاح «الحمدي» مراكز القوى، وجاء بقوى أخرى من همدان، ومن سنحان، يمثلهما الرئيسان الانتهازيان أحمد الغشمي، وعلي عبدالله صالح، وذلك في «27/ ابريل/ 1975»، وهو التاريخ الذي عُرف حينها بـ «يوم الجيش»، واسماه «صالح» فيما بعد بـ «يوم الديمقراطية»، كونه اليوم الذي دخل فيه السلطة من أوسع أبوابها، وأصبح قائداً للواء تعز، بعد أن كان ضابطاً صغيراً بباب المندب، لا يؤبه له.
 الحمدي نعت «صالح» حينها بـ «تيس الضباط»، واخذه مرافقاً له اثناء زيارته شهيرة لباريس، ويُعتقد أن «التيس» نسق حينها كـ «قواد» مع فتاتين من هناك، استقدمتا فيما بعد لزيارة صنعاء، واتهم «الحمدي» واخيه كذباً بممارسة الفاحشة معهما، وأعلن عن ذلك رسمياً!!.
وثق «الحمدي» بـ «الغشمي» وضباط سنحان المحسوبين على الأخير حد العمى، وحين عرضت إحدى الدول العربية على هذا الفريق قتله، ذهب «الغشمي» من فوره إليه واخبره بذلك، طلب منه «الحمدي» أن يجاريهم حتى يمسك عليهم دليل إدانة، ومن يومها زادت ثقته به، ولم يستمع حتى لنصيحة محذريه، بل أنه اهدى اسمائهم لقاتليه!!.
يورد «أبو حاتم» قصة طريفة مفادها أن الملحق العسكري لتلك الدولة زار مكتب «الغشمي» وجلس مع سكرتيره أحمد العماد، عارضا عليه خدماته المادية، أخبر «العماد» مديره بما حدث، فعلق غاضباً: «هااا يشتوا عميل غيري، والله لا اقلب الطاولة على رؤوسهم».
بشهادة كثيرين، كان «الغشمي» ومعه لصوص سنحان متحكمون بمفاصل الجيش، وكان يوازيهما في الجهة المقابلة وإن بنفوذ أقل، عبدالله الحمدي، وعبدالله عبدالعالم، وعلي قناف زهرة، وعلي الشيبة، أعتمد الفريق الآخر على شعبية الرئيس، وأغفل ولاء غالبية القوات المسلحة لـ «الغشمي».
تقول الرواية الأكثر تداولاً أن «الغشمي» وأربعة ضباط من سنحان قاموا بقتل الرئيس الحمدي وأخيه «11اكتوبر1977»، وأن علي عبدالله صالح كان أحدهم، وقد أكد «أبو حاتم» مشاهدته لـ «صالح» في «نادي الضباط» بعد ساعات من وقوع تلك الجريمة المروعة، وليس صحيحاً ما يقال أنه كان يومها بباب المندب يندب حظه العاثر.
«الغشمي» المتهم بالغباء، تخلص من معارضيه بدهاء، وقيل أن «التيس» كان عقله الذي يفكر به، أخفى «قناف» عن المشهد، وحين تململ «الشيبه» خاطبه بلهجة شديدة: «عاد تسكت ولا الحقتك بصاحبك»، فأغلق المسكين على نفسه باب داره، ولم يخرج منه إلا إلى القبر.
أما «عبدالعالم» فقد انخدع بادئ الأمر ببراءة «الغشمي»، ولم يفق من شكوكه المتضاربة إلا حين بدأت دائرة التهميش تضيق عليه، سمح له الرئيس الجديد وقواته بمغادرة صنعاء «28ابريل1978»، فصفت الدولة للحكام الجدد.
في مذكراته ذكر سنان أبو لحوم أنه بعد اغتيال «الحمدي» طلبت السعودية منه عدم دخول صنعاء خوفاً من نقمة الجماهير، مشيراً إلى أنها توسطت في البداية بين «الحمدي» ومعارضيه، لافتاً إلى أن علاقته معها كانت متوترة إلى ما قبل مقتل الأخير، تنقل بعد ذلك في أكثر من دولة، وكان سفراء المملكة يتولون استقباله بحفاوة.
ما يزال أنصار الحمدي حسب توصيف رائع لسامي غالب يندبونه بدلاً من أن يقرؤونه، يحنون إليه بدلاً من أن يستزيدون من تجربته وهم يتطلعون للمستقبل، يتذوتون فيه حد الانسحاق عوض استنهاض ذواتهم، وفي النتيجة الصافية هم في حالة لجوء دائم إليه، تماماً كما أن خصومه في حالة هروب أبدي منه.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي. 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى