هناك عصبية مذهبية لكن مناطقية وهي عصبية المناطق الزيدية، وعصبية المناطق الشافعية، كما أن هناك عصبية دينية إسلامية ضد عصبية معتنقي اليهودية، وكذا عصبية الشافعية والزيدية ضد الإسماعيلية، وصولا الى عصبية لونية وعرقية ضد ما يسمى بالأخدام والمولدين. -1-
الفكر الذي يعادي المواطنة المتساوية، من الصعب مجاملته طويلا. والعصبية لكونها مع التمييز وعدم الإنصاف، فهي ضد المواطنة دائما.
فعلى سبيل المثال هناك العصبية الهاشمية التي فجرها الحوثي، وهي أسوأ العصبيات حين توافقه في كونها عصبية احتكارية واصطفائية معززة بالسماء؛ فضلا عن ذلك، هناك العصبية المناطقية التي تشكلت من مظالم متراكمة أو من تشبثات تاريخية بالسلطة وهي السارية جنوبا وشمالا، كما في وعي عدن وتعز والضالع ويافع وحضرموت وأبين وذمار وصنعاء وصعدة وشبوة وتهامة إلخ.. ثم في السياق، هناك العصبية القبلية البحتة وأكثر ما تتجلى في حاشد وبكيل شمالا وفي مذحج شرقا..
وفي خضم ذلك، هناك عصبية مذهبية لكن مناطقية وهي عصبية المناطق الزيدية، وعصبية المناطق الشافعية، كما أن هناك عصبية دينية إسلامية ضد عصبية معتنقي اليهودية، وكذا عصبية الشافعية والزيدية ضد الإسماعيلية، وصولا الى عصبية لونية وعرقية ضد ما يسمى بالأخدام والمولدين..
ثم لا ننسى كذلك، سوءة العصبية الحزبية في المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري إلخ، وبالذات حين لا تقوم على عصبية برامج وسياسات وأفكار مختلفة على أساس ديمقراطي، يرمم فجوات المجتمع وإنما تترعرع داخلها كل العصبيات السابقة للأسف، بما يوسع تلك الفجوات، بحيث أن فشل الأحزاب في عدم إزالة العصبيات يكرس فشلها في أن تكون حالة مدنية حديثة، بخلاف تلك العصبيات التقليدية الرثة الطاغية داخلها وخارجها في عموم المجتمع والدولة.. وبالمحصلة ثمة عصبيات، فجرتها الحوثية في الجانب المضاد أيضا، وهي تحتوي على شقين المذهبي أو السلالي كالعصبية السلفية مثلا، إضافة إلى العصبية القحطانية إلخ.
لذلك كله، لن نصل لمرحلة المواطنة المتساوية ما لم ترضخ كل عصبية ذاتها للتقييم الحقيقي، وللمراجعة الجادة من أجل تصحيح المسارات غير المواطناتية الخاطئة التي استشرت بشكل لاوطني بشع.. ومن غير اللائق طبعا، أن نكافح كل استبداد لعصبية ما بعصبية مستبدة مضادة. وليس من مصلحة أحد الوقوف ضد الهوية الوطنية الجامعة، التي يجب أن تقوم على إحترام التنوع، وفق مبدأ المواطنة المتساوية، ليس قولا فقط كما في الدستور والقوانين، وإنما كفعل وممارسة بالضرورة.
وبالتأكيد، ليست المشكلة في التعدد الذي يوجد في كل مجتمع على مستوى العالم، وإنما تكمن المشكلة في العنف والتغلب الاستحواذي الإقصائي، الذي يؤدي إليه عدم قيام دولة القانون والمواطنين الأحرار الذين يتساوون في الواجبات والحقوق المتساوية.
-2-
تضحكني حكاية الأقلية التي يستأنس بها زعماء الميليشيات مع كيري، وزير خارجية “أمريكا الشرق الأوسط المطيف”، تضحكني وتثير الرثاء، لرثاثة ذرائعها واستخفافتها.. فالحال أن قضية التجانس الوطني، ودولة الجميع لادولة الغلبة مفتوحة في اليمن منذ عقود بل منذ قرون للأسف.
وإذ لا يليق هذا الفرز العرقي المؤسف إطلاقا، إلا أن استمرار السكوت عن مناقشة ما يصنعه من خلل مواطناتي فوق الطاولة، هو ما يجعله يتغلغل في المجتمع. ثم إن هناك من يريد تكريسه بمنتهى البلاهة، كحق تمييزي طبيعي، وهو لا يليق بالقرن الـ21 أبدا.
والمعنى أنه لا ينبغي لمن يتلذذون بمنطق الأقلية العرقية، ومنهم من هو في كل التيارات والمذاهب والجهات والمؤسسات، دون أي تمييز يذكر لا دستوريا ولا قانونيا، لأن هذا معناه، إصرارهم على التمييز السلالي البغيض مخدرين بخطاب الأقلية الأهوج والمسموم والمرعب.
وإذا كانت الجماعة الميليشياوية، قد أججت في هؤلاء أبشع النعرات البدائية كتلك.. إلا أنها ليست في صالحهم لا حاضرا ولا مستقبلا، ولذا فليتوخوا الحذر من هذا الفخ الاصطفائي الذي يضعهم في موقع تمييزي، يعادي المساواة ويستحقر فكرتي الشعب والهوية اليمنية.
وهؤلاء لا يتذكرون أن هناك هاشمية وطنية مثلا، استمرت تدرك مخاطر هذا الفرز المقيت، ويكن لها الشعب احتراما، كونها مندمجة في النسيج الإجتماعي وفي هموم الوطن الجامعة كما ينبغي.
وحتى في عز آثام وجرائم وتخلف الإمامة وقف الأحرار من كل اليمن ضد الإمامة، وكانت الهاشمية الوطنية كجزء أصيل مع المجموع الوطني، رفضا لاستعباد الشعب بإسم أوهام وخزعبلات نظرية الحق الإلهي في الحكم التي دهورت اليمن قرونا، واخرت فوق مستوى التصور تطور الشعب وتقدمه.
أما اليوم فثمة تحشيدات لاوطنية، يراد منها إستعادة وعي العصبوية التطييفي، خدمة لأجندات إقليمية ودولية، تريدكم رأس حربة، أو بالأصح محرقة لتوجهاتها التفكيكية في عموم المنطقة.. بالتأكيد: لا يفترض الانسياق وراء منطق العنصرية البالية الذي تتضمنه تلك الأجندات، كما من المؤسف كذلك تفضيل العيش المذهبي في مزاج صراعات قريش الرثة واستدعائها، عبر منطق ماضوي يحتشد بالطبقية بإسم الدين وفرض الامتيازات المأزومة.
وأما من فضلوا الانسياق وراء ذلك، من أجل وعود للسلطة وللنفوذ، في ظل شيطنة كل ما ليس في فلكهم النفسي والروحي، فعليهم أن يفهموا جيدا بإنه لم يحدث إقصائهم لمجرد سلالتهم.. غير ان الشعب بالمقابل لن يرضخ لاستفحال نغمتهم النشاز التي تقصي اليمن وهويتها إجمالا.
ومثلما نرفض العصبية القبلية والمناطقية والمذهبية، سنظل نرفض بلاشك العصبية السلالية.. ولقد كان ومازال من الطبيعي أن تكون هوية آل البيت ضمن الهوية اليمنية الوطنية المتنوعة والجامعة، أي في إطار المواطنة والمساواة فقط، لا باعتبارها كهوية فوقية، سياسيا بالذات.
ونقصد هنا، أحقية أتباع ذلك الفكر المذهبي الإيمان به واقامة شعائرهم في إطار ذهنهم الروحاني الخاص، وذلك بما لا يحق لهم أن يجبروا المجتمع عليه، أو يقدموا على استسهال شيطنة غالبية الشعب، لأنهم أرادوا الديمقراطية ولايستسيغون مذهبيا، حكاية “ولاية وما ولاية”.. ما بالكم وقد كنا اعتقدنا أننا كشعب قطعنا أشواطا في إزالة إرث الطبقية إياه، لنصطدم بمشهد إنهيار الدولة وتمزيق نسيج المجتمع، تحت وقع سلاح الميليشيات والاصطفافات السلالية العصابية معها.
والشاهد أن الهواء المثخن بهذا النوع من العصابية والعصبوية هو الذي يخنق الشعوب حتماً.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.