تخذلنا النظريات دوما في اللحظات الحاسمة، شخصيا أُصاب بالاكتئاب عندما استمع لهرطقة اكاديميي العلوم السياسية عند حديثهم عن السياسة والحرب تخذلنا النظريات دوما في اللحظات الحاسمة، شخصيا أُصاب بالاكتئاب عندما استمع لهرطقة اكاديميي العلوم السياسية عند حديثهم عن السياسة والحرب، فهؤلاء المنظرين يعيشون الأمس وكل الكتب القديمة التي اعتمدوا عليها في التحليل لا تساوي لحظة ممارسة سياسية أو عسكرية في الميدان، وفي خضم هذه الحرب التي يخوضها شعبنا ضد الهاشمية السياسية كفكرة وكمنظمات ارهابية مليشاوية تتقن القتال والسياسية والاعلام، وكمنظمات مدنية تجيد تلميع الشر وتختلق الاكاذيب التي تساعد في القضاء على الدولة اليمنية، ليس أمامنا الا المضي خلف قيادتنا الشرعية مهما كان هناك من ملاحظات على بعض جوانب القصور.
لا يفتأ البعض أن يردد على مسامعنا حادثة سقوط عمران، مع أن القضية اليوم هي دخول المقاومة الى منفذ علب على بعد 20 كيلو متر من مركز محافظة صعدة، القضية هي تعز ونهم وصرواح، الا أن هناك من لا يزال متمسكا بسقوط عمران كدليل على خيانة من لا يعجبونه، والمشكلة ليست في أننا نفكر في وضع المقترحات والحلول بعد فوات الأوان فقط، بل في أننا ما زلنا نظن أن ما كان ينقصنا هو معرفة المزيد من المعلومات والحقائق، في عمران خُذلنا وخَذلنا أنفسنا جميعا بلا استثناء، لم نكن متناغمين مع اللحظة الراهنة وغير حساسين تجاه الظرف، وفي صنعاء فعلنا نفس الشيء، رقص بعض اراجوزات اليسار طربا بسقوط صنعاء وعمران، لكن بعضهم اليوم يحارب ببسالة مع الشرعية، -مع أن بعضهم ما زال في منزلة ما بين المنزلتين طمعا ببقش الإمامة وبترولها- ، ومع كل ذلك علينا التخلي عن أفكار الهزيمة في معركة صغيرة كعمران، علينا التخلي عن كل المثبطات السابقة، الحرب تحتاج إلى قدر عال من المرونة في التعاطي معها، فهي ليست ثابتة كما ترون، ولكنها متأرجحة ما بين كر وفر، وما بين معارك اعلامية وسياسية وعسكرية، كما أن محاولة استقطاب القوى الصاعدة بعد سقوط عمران لا يختلف عن الانسحاب من صنعاء فيما بعد، وما ينطبق على الانسحاب من صنعاء ينطبق على عودة عمران إلى حضن الدولة، سواء كان الفاعل س أو ص من الناس، بالإضافة إلى حقيقة أن سقوط جزء من الدولة أو كل الدولة مسألة تخص كل جماعة وكل فرد مهما كان موقعه، ربما هذه المقاربة تسهل علينا التحرر من البقاء في عقدة الماضي.
بحسب أفكارنا السابقة لم نتوقع سقوط صنعاء، ولم نتوقع انتشار شاصات المليشيات الإرهابية الحوثية في عموم الجمهورية، كنا نتوقع جميعا أن هذا الهيجان سيتوقف بمجرد استلام السلطة في صنعاء، خانتنا النظريات والأفكار المسبقة كلها بلا استثناء، وبحسب أفكار البعض اليوم ستنتهي الجمهورية، ولن تنتصر تعز بسبب كل هذه الحشود الهمجية التي تحاصر المدينة المسالمة، ولأسباب تعود إلى الأفكار المسبقة عن تعز، حيث يظن العدو والخانعين -بحسب هواه- أنها مدينة سهلة الابتلاع من قبل الطائفة المعادية لليمن وللجمهورية والدولة. دعونا نقولها لكم بصراحة متناهية: ((شئتم أم أبيتم فتعز هي الحاسمة))، عودة قصيرة إلى التاريخ المعاصر كفيلة بأن تعيد تعريف تعز بوضوح لمن يجهلها، في سنة 1936 أنشأ ولي العهد أحمد حميد الدين المدرسة الأحمدية في تعز، وتم إرسال الطلاب إليها من أولاد السلالة المقدسة ومن السلالات الملحقة بالنسب -سادة الجمعة وتفيك الله يشفيك- ومن المنطقة الجغرافية التي خدعت بمذهب التعصب السلالي -وهو مذهب سياسي أكثر من كونه مذهبا فقهيا-، وفي بدايات 1960 حولت تعز طلاب تلك المدرسة الى ثوار ضد صاحب المدرسة، وحولت أبناء السلاليين إلى متظاهرين في تعز ضد الطاغية، ما الذي حدث؟ لا شيء سوى أن تراب تعز يمني وهواء تعز يمني وروح تعز سرت فيهم فاصبحوا نواة للثورة، وإن تحول بعضهم اليوم إلى إماميين جدد فالسبب يعود الى أنهم ليسوا في تعز وقد اغرتهم دولارات إيران، وتسهيلات السفارة الامريكية الممتدة من 2000 إلى نهاية 2014 والتي قدمت لهم تحت مسمى طائفي، وما تزال امريكا تدعمهم إلى اللحظة تحت مسمى أقلية
منذ 1948 كانت تعز ملاذا للثوار ومنها انطلقوا نحو عدن وصنعاء، وبعد تراجع ثورة 48 ظلت تعز هي المدد الحقيقي للثورة إلى 1962 وما بعدها، وكانت وحدها البيئة الحاضنة للثورة، وكانت بيوتها حاضنة للثوار المتخفين من الإمامة، -اسألوا القاضي الزبيري عن هذه المعلومة-، وفي 1962 كانت تعز ترسل شحنات الأسلحة للضباط في صنعاء عبر مطار الحديدة في سلال الجبن، -واسألوا عبد الغني مطهر صاحب كتاب يوم ولد اليمن مجده عن هذه الحقيقة-، وقبل 26 سبتمبر يوم إعلان الثورة في صنعاء كانت تعز كلها ثورة معلنة النصر من قبل هذا التاريخ. وفي 1968 عندما كانت صنعاء محاصرة من قطعان الهمج كانت تعز تجمع المخلصين للجمهورية والدولة وتدربهم على كسر حصار صنعاء وفعلا كسروه من داخل صنعاء ومن خارجها.
وفي 2011 كانت تعز هي صنعاء وهي عدن، جمعت اليمن في كل ساحة لا احتاج إلى تذكيركم بالفاعلين في كل ساحة أنهم كانوا قد قدموا من أرياف تعز –اسألوا عبد الهادي العزعزي-، وربما في هذه النقطة سيحدث جدلا، لكن عامي 2015 و 2016 يقولان أن تعز كانت محاصرة بقطعان قادمة من محافظات شتى، وقد خلصت تلك المحافظات من سفلتها واعادتهم الى طبيعتهم مجرد طين لازب . وتعز اليوم هي الحد الفاصل ما بين ثورة 26 سبتمبر 1962 وانقلاب 21سبتمبر 2014، كما كانت بالضبط الحد الفاصل ما بين الجمهورية والملكية دوما.
هذه القطعان ليست لا حاشد ولا بكيل ولا مذحج، لا يمكن لليمني أن يقتل أباه ولا أن يذهب محاربا مع عدوه لأصل ونواة دولته، هؤلاء مجرد همج رعاع من عكفة الإمامة الذين اقتحموا صعدة وعمران وصنعاء وذمار واب وعدن وسحقوا في تعز ومارب والجوف، لا يمكن ليمني مازال عقله في رأسه أن يحارب الدولة والشرعية، أما تزييف الوعي وتفخيخ الواقع بمسميات النكف والقبيلة للتفريق بين اليمنيين لم تعد تنطلي على أحد، تعز فيها الحسم ومنها ستعود الدولة، فلا حسم معركة ولا دولة لليمنيين بدون تعز، وهذا الأمر له علاقة بالجغرافيا وبالديمغرافيا وبمدنية الدولة المنشودة.
لقد تم مداراة الإرهاب الحوثي بكل الطرق لكنه أبى الا أن ينتشر كالسرطان، وها هي المقاومة تستأصله، لا علاج شعبي للسرطان، لا الهرد ولا الحبة السوداء يفيدان مع اللوكيميا، الطب المتخصص وحده هو الحل، والمقاومة هي الطب المتخصص لاجتثاث سرطان الهاشمية السياسية المستشري في البلد.
نقلا عن الصحوة