آراء ومواقف

قراءة في تقرير منظمة مواطنة “فصول من جحيم”

موسى النمراني

اطلعت على تقرير منظمة مواطنة الصادر تحت عنوان “فصول من جحيم” المخصص لتغطية انتهاكات القانون الدولي الإنساني في النزاع البري المسلح في محافظة تعز، خلال المدة بين أبريل 2015 إلى مارس 2016 . اطلعت على تقرير منظمة مواطنة الصادر تحت عنوان “فصول من جحيم” المخصص لتغطية انتهاكات القانون الدولي الإنساني في النزاع البري المسلح في محافظة تعز، خلال المدة بين أبريل 2015 إلى مارس 2016 .
أثار التقرير جدلا أقل مما يجب، فرغم أهمية موضوعه كشهادة تزعم أنها محايدة بين أطراف الصراع ومنحازة للضحايا إلا أن أغلب التعليقات عليه بدت سطحية وقالها البعض تحت تأثير الانطباع المسبق، فكثير من الزملاء والمتابعين لم يكلف نفسه عناء القراءة، باعتبار أن انحياز المنظمة المسبق وتبعيتها المفترضة لأحد أطراف النزاع سيؤثر بالتأكيد على موقفها، وأنا شخصيا لا أحبذ هذه الطريقة في التقييم، بل أعمد إلى محاكمة النص لا محاكمة الكاتب، ليس في الأعمال الأدبية فقط وإنما ينسحب ذلك على النتاج الفكري والحقوقي والعرائض القانونية وغيرها من الأعمال .
ومن المهم ابتداء أن أشير إلى أن التقرير على ما فيه من الأخطاء الناتجة عن الرغبة في تقديم خدمة سياسية لطرف سياسي بواسطة عمل يفترض انحيازه للإنسان الضحية، إلا أن من المهم الإشادة بالجهود المضنية التي بذلها الراصدون في الميدان الذين يعملون في ظروف ميدانية خطرة ويغامرون لتسجيل المعلومات الدقيقة خدمة للقضية الإنسانية ولا يتحملون مسئولية أخطاء غيرهم في إدارة المنظمة، بقدر ما يتحملون مسئولية دقة المعلومات، ويتحمل مُصدر التقرير مسئولية التوظيف السياسي لهذه المعلومات، كما أن من الضروري الإشادة بالجهد الفني لإخراج التقرير الذي أزعم أنه أفضل تقرير من الناحية الفنية متعلق باليمن صادر عن منظمة محلية .
لقد فوجئت بحجم المغالطات الفجة التي تضمنها هذا التقرير ابتداء من الخلفية التي شرحت وجهة نظر المنظمة للأحداث وانتهاء بالهوامش وسُخِّرَ التقرير للنيل من اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، حيث وردت التوصية بتعيين لجنة تحقيق دولية في ستة مواضع من توصيات التقرير، على الرغم من أن التقرير لم يتطرق لنشاط اللجنة في أي واقعة من وقائع الرصد لا سلبا ولا إيجابا .
خيب التقرير أملي ابتداء من مقدمته عن الصراع في اليمن وفي تعز وانحاز ضد دماء الضحايا وآلامهم وبدى كواحدة من أدوات المليشيا للتنكيل بأبناء هذه المحافظة، وعلى الرغم من أن المنظمة تلقت تمويلها من جهة محايدة إلا أن مخرجات العمل بدت منحازة لمليشيا الحوثي والمخلوع كما لو أنها صادرة عن مركز إعلامي تابع لها.
فقد تعمد التقرير استخدام ألفاظ ذات دلالات منحازة فجماعة الحوثي في نظره جماعة إحياء ديني صـ 6 بينما المقاومة مليشيات مسلحة تابعة للإصلاح أو لجهات أخرى، والإصلاح ممثل للإسلام السياسي السني، وخصم فكري تقليدي للحوثيين، صـ 6، وغيرها من الإشارات التي تدل على انحيازٍ ضِدِّي ووجهة نظر تختلف عن الخطاب المعلن لأدبيات الحزب وطريقته في تقديم نفسه، أي أن التقرير يقدم الإصلاح بطريقة خصوم الإصلاح ويقدم الحوثيين بطريقة أنصار الحوثيين .
ومن بين الملاحظات على التقرير تعَمُّده الإحالة إلى وسائل إعلام تابعة لأحد أطراف الصراع فعندما تحدث عن المبادرة الخليجية أشار إلى أن نصها الكامل موجودا على موقع المؤتمر نت التابع للمؤتمر الشعبي العام، صـ 6 ولو أراد تجنب تهمة الانحياز لأشار إلى نصها في موقع محايد مثل ويكيبيديا.
وبينما يغفل التقرير الحديث عن أي دور لقيادات عصابات المليشيا أو تاريخها، يتعمد الإشارة إلى كون حمود المخلافي قد خاض نزاعا مسلحا في مواجهة قوات الجيش عام 2011 وبينما يتحدث عن أي خطوة للمقاومة بشكل تفصيلي ومنحاز في مجمله فإنه يشير إلى تحركات الحوثيين من خلال نتائجها فيقول ” اشتداد التوتر في تعز”: أو “استمرت المعارك في شبوة” ، “تمكن الرئيس هادي من الفرار” .. وغيرها من العبارات المشابهة مثل قوله “ونتيجة لذلك تراجعت الحريات العامة والنشاط المدني، وأُغلقت معظم وسائل الإعلام في البلد” صـ5 وكأن المنظمات أغلقت أبوابها بقرار ذاتي والمؤسسات الإعلامية توقفت عن العمل بدافع الملل، وليس بسبب قيام مليشيا الحوثي والمخلوع بشكل مباشر بنهب المقرات واختطاف العاملين في المؤسسات الإعلامية وإغلاقها.
تعمد التقرير التركيز على أنواع من الجرائم يمكنه – بطريقة ما – تحميل المقاومة – جزءا أو كل – المسئولية عنها، وتهرب من ذكر أنواع أخرى من الجرائم التي تفردت مليشيا الانقلابيين بارتكابها، ومن الجرائم التي تعمد التقرير إهمالها وعدم الإشارة إليها :-
1 – تلغيم الحوثيين للطرقات الريفية والطرق الرئيسية، وضحاياها خلال الفترة التي رصدها التقرير مئات المدنيين، ووصول الراصدين إليهم ميسور
2- تفجير الحوثيين لمنازل الخصوم، وهي خلال الفترة التي رصدها التقرير عشرات المنازل، ومعلوماتها متاحة والوصول إليها ميسور
3- اختطاف المسافرين من مداخل المدينة التي يسيطرون عليها ومواطنين آخرين من منازلهم في الأحياء التي تمكنوا من السيطرة عليها، وأسماؤهم معروفة وبعض أهاليهم أوصلوا شكاواهم إلى راصدي هذه المنظمة وإدارتها تحديدا
4- تهجير الحوثيين لسكان الأحياء، والقرى التي وصلوا إليها أو أصبحت في مرمى نيرانهم.
5- اختطاف الحوثيين لمواطنين عاديين في صنعاء تعود أصولهم إلى تعز ومبادلتهم بأسرى حرب.
6- تعذيب الحوثيين لمختطفين من مدينة تعز في السجون الخاصة بمدينة الصالح وسجون ذمار وصنعاء، وكثير ممن تعرضوا للتعذيب أفرج عنهم الحوثيون ضمن صفقات تبادل الأسرى أو مقابل فدى مالية أو بضمانات ووساطات، وبإمكان راصدي المنظمة الوصول إليهم وتسجيل شهاداتهم والتحقق منها ومن آثار التعذيب الباقية على أجسادهم .
7- نقل بعض المختطفين إلى صنعاء وذمار لمنع أهاليهم من زيارتهم .
8- قنص المارة بمن فيهم النساء والأطفال في المعابر المستحدثة والأسواق وأبواب المساجد .
وعندما يتحدث عن شن مليشيا الحوثي والمخلوع حربها على اليمنيين، تحاشى الإشارة لجرائم القتل التي رافقت دخول المليشيا صنعاء وتلاعب بظروف مغادرة الرئيس عدن في أكثر من موضع تعمد في أول تناول لتسلسل الأحداث الإشارة إلى فرار الرئيس كما لو كان يفر من مواجهة ثورة شعبية مع إصرار التقرير على استخدام مصطلحات المليشيا مثل وصم الرئيس الشرعي بالرئيس الفار من خلال تكرار الإشارة إلى عملية مغادرته عدن باعتبارها فرارا إضافة إلى توقيت بداية الحرب التي تتزامن مع التوقيت الذي تعتمده المليشيا كبداية للحرب مع بداية عمليات عاصفة الحزم في الـ26 من مارس واستخدم التقرير عبارة “وكان هذا التاريخ بداية لحرب واسعة” صـ 5 وكأن فترة ما قبل عاصفة الحزم كانت بردا وسلاما على اليمنيين ولم تبدأ المعاناة إلا مع عاصفة الحزم وفي هذا من التلبيس ما يخفى على المتابع السطحي لكنه لا يخفى على من عاش يوميات الحرب واكتوى بنارها، أو درسها دراسة محايدة بعد انتهاء ظروفها وعوامل الاستقطاب .
كما تعمد التقرير في مقدمته تسمية مليشيا الحوثي بالاسم الذي تعتمده لنفسها “أنصار الله” وهي تسمية ليس لها أي سند قانوني، وبمقابل ذلك لم ترد كلمة مليشيا إلا في الإشارة لتشكيلات المقاومة، وتعامل مع الجيش الوطني المقاتل إلى صف الرئيس الشرعي باعتبارها “مليشيا” وغيَّب مشاركة أحزاب الاشتراكي والناصري في المقاومة والتركيز فقط على مكونات سلفية وجهادية مجهولة الاسم لتصوير المقاومة كما لو كانت مجرد عصابات تحركها أيدلوجيا الجماعات الإرهابية وتستخدم شعاراتها.
لقد كان تقريرا مخيبا للأمل ومنحازا للمليشيا على حساب الضحايا، مغفلا للكثير من الانتهاكات التي تعاني منها المدينة بشكل يومي ولم يحمل نفسه حتى عناء الاعتذار -بأي عذر- عن تناول جرائم تفجير البيوت وزراعة الألغام وتهجير المدنيين .. وحاول تبرئة الحوثيين من تعمد ارتكاب جرائم قصف الأحياء المدنية وراح يختلق لهم الأعذار تارة بقرب الأهداف المدنية من الأهداف العسكرية ومرة بوجود عسكريين بالقرب من المواقع المستهدفة أو بسبب نوعية الأسلحة غير الدقيقة، مع أن الوقائع التي عاشها سكان المدينة ونقلتها العدسات أولا بأول تقول أن السكان تعرضوا لتنكيل ممنهج ومستمر باعتبارهم سكانا مدنيين وتعرضوا للحصار أيضا باعتبارهم مدنيين، بل إن من بين الحوادث التي تناولها التقرير في الباب الأول منه وحاول تبرئة الحوثيين من جريمة تعمد قصف مناطق سكن المدنيين واقعة قصف شارع الخياطين حي مدرسة الثورة بمديرية القاهرة22 يوليو 2015، فعلى الرغم من سقوط القذيفة على بعد أكثر من كيلو متر من الهدف الذي تفترضه المنظمة إلا أنها تقدم الواقعة كما لو كانت ناتجة عن خطأ في استخدام قذائف غير موجهة بينما تقول الوقائع أن سكان المدينة وهذا الحي تحديدا تعرضوا لأكثر من عملية قصف كما استهدفت بدقة متناهية مواقع تجمع المدنيين للحصول على المياه في أكثر من حي من أحياء المدينة، وبينما يهمل ذكر نوع القذيفة التي استهدفت حي الخياطين ويشير إلى أنها من جهة مواقع الحوثيين، فإنه في الواقعة التالية مباشرة والتي يتهم فيها المقاومة يفصل قدر الإستطاعة في ذكر نوع القذيفة التي يعتقد أنها كانت موجهة للدبابة التي تبعد عن موقع سقوط القذيفة بمائة وعشرين مترا. صـ 32،33
أهان الحوثيون النساء من سكان تعز في منافذ المدينة وتعرض الأبرياء للقنص كما تعرض الآلاف من سكان المدينة للإذلال والإهانة والضرب ولم يكن من الصعب على المليشيا أن تفرق بين المدنيين والعسكريين، علاوة على أن الجميع مدنيين وعسكريين تعرضوا للحرب في بلادهم واضطر بعضهم لاستخدام حقه في حمل السلاح دفاعا عن النفس ، فالمقاتلين الذين وصفهم التقرير بالمليشيا ونسب إليهم الكثير من الجرائم هم في الواقع سكان المدينة الذين كانوا يعملون في مختلف المهن المدنية ابتداء من التدريس في الجامعات وانتهاء بالباعة المتجولين في الشارع، على أن هذا لا يبرر لهم ولا لغيرهم ارتكاب أي جريمة انتهاك حق من حقوق الإنسان، سواء من المدنيين الذين يدافعون عنهم، أو حتى من عناصر المليشيا التي تهاجم المدينة ومن يتعاون معهم من السكان .
يتنكر هذا التقرير لمبدأ حق الشعوب في الدفاع عن النفس، وترتكب هذه التقارير جناية بحق هذه الشعوب عندما ترصد وقائع الحرب وتنظر لطرفيها كما لو كانا متساويان في المركز القانوني، أي أنهما يشنان سويا حربا مشروعة ضد بعضهما أو يشنان سويا حربا غير مشروعة ضد بعضهما، وفي هذا التوصيف انحياز كامل – غير مرئي – لطرف من الأطراف الذي تحاول هذه التقارير إضفاء صفة المشروعية على أعماله الحربية أو إضفاء صفة اللامشروعية على أعمال الطرف المقابل له، ولإزالة اللبس المتعمد إحداثه يمكننا بالعودة إلى ميثاق الأمم المتحدة أن نتأكد من معيارية مشروعية الحرب من عدمها، فقد حرم الميثاق أي حرب عدوانية، بينما أكد على مشروعية حرب الدفاع عن النفس، م 51، وهو منطق يتفق مع طبيعة العدالة، بينما يناقض هذا الموقف مواقف هذه المنظمات المنحازة التي تتنكر لحق الشعوب في الدفاع عن نفسها وتدعي ضمنا أن من مبادئ الحياد الوقوف على مسافة واحدة من مختلف الأطراف وهذه أكبر مغالطة يمكن استثمارها لهذا الهدف، فالوقوف على مسافة واحدة بين الطرف المعتدي الذي يشن حربا غير شرعية وبين الطرف المقاوم الذي يستخدم حقه في الدفاع عن النفس، هو شكل من أشكال دعم الطرف الأول على حساب حق الطرف الثاني في المناصرة والتأييد، ليس انتصارا له بالضرورة، بقدر ماهو انتصار لحقه في الدفاع عن نفسه، الحق الذي يتمسك به الجميع في مواجهة الجميع، والحياد المشترط لنزاهة العمل الحقوقي هو الوقوف على مسافة واحدة من ضحايا الأطراف وليس من الأطراف نفسها، فالمدني الذي يتعرض حقه للانتهاك يستحق المناصرة سواء كان الطرف المسئول عن الواقعة شرعي الوجود أو غير شرعي، وذلك لأن الحق واحد لا يتجزأ.
وعلى الرغم من أهمية وضرورة احترام المقاتلين لحياد الأعيان المدنية، إلا أن تمركز مقاتلي المقاومة في أو بالقرب من هذه الأعيان لا يعني تحولهم إلى طرف مدان، فليس من المنطق أن نطالب المدنيين الذين اضطروا لحمل السلاح دفاعا عن مدينتهم – أن نطالبهم – بالدفاع عن بيوتهم ومؤسساتهم ومدينتهم بعيدا عنها !
وفي الباب الثاني المخصص للإعدامات الميدانية وجه التقرير كل الإتهامات للمقاومة وتبنى ادعاءات سماها شهادات وانحاز إليها ولم يذكر أي واقعة إعدام يتهم فيها الحوثيون، كما ذكر وقائع غير مثبته مثل واقعة إعدام امرأة ليس لها إسم وتم إعدامها في المقبرة ثم توجيه الأمر لحارس المقبرة بدفنها! صـ 64
في الباب الثالث وتحت عنوان ” الحصار ونهب المساعدات” نعرف أن المدينة تعاني حصارا جائرا تسبب في حرمان مئات الآلاف من السكان من الحصول على احتياجاتهم الأساسية مع ما انطوى عليه ذلك من مآسي، ووفيات أطفال وسوء تغذية، ومع ذلك يذكر التقرير هذه الجريمة بوصفه “حصارا متقطعا” كما لو أن المليشيا تفرض الحصار ثم تفتح المنافذ من تلقاء نفسها، مع أن الوقائع تقول أن كل عمليات فك الحصار كانت نتائج عمليات عسكرية نفذتها المقاومة، وتصارع المليشيا بعدها مباشرة لإعادة الحصار من النقطة التي تستطيع فرضه منها، ولهذا كان ولايزال الحصار متقطعا، و نقلت مليشيا الحوثي والمخلوع الحرب إلى أرياف تعز لقطع الطرق الفرعية الموصلة بين المدينة وأريافها، ومع ذلك يستخدم التقرير كلمة “حصار متقطع” دون أي إيضاح لآثارها الكارثية على حياة السكان بينما يحرص كل الحرص على التفصيل في حالة الانتهاكات التي يعتقد أن بإمكانه إدانة المقاومة من خلال التفصيل فيها، وأغفل رصد وقائع حجز المساعدات على مداخل المدينة وهي وقائع معدودة ومرصودة وقوافل إغاثية كبيرة تابعة لمؤسسات إغاثية كانت تستهدف المدينة وسكانها المدنيين نهبها الحوثيون وأغفلها التقرير واستبدل الإشارة إليها بالحديث عن سيارة غاز ومواد غذائية ودجاج، ولم يشر إلى مصادرة أي من المواد الإغاثية إلا على لسان أحد الشهود الذي قال أنهم صادروا عليه ألبان وأرز ودقيق وسكر وزيت ..
يقول التقرير أن جماعة الحوثي ” فشلت في التفريق بين المدنيين والمقاتلين وكانت تنعت الجميع بالدواعش” وحين يستخدم كلمة “فشلت” فهي تدل على أنها حاولت التفريق لكنها فشلت في ذلك، وهذا غير صحيح، لكنه تعبير ناعم في مواجهة عملية بشعة عمدت إلى إباحة دماء سكان مدينة بأكملها. صـ 67
ذكر التقرير شهادات عن الحصار، وهو واقعة أكبر من أن تحتاج لشهادات، لكنه تعمد إخفاء آثار الحصار التي تسببت بوفاة مرضى وسوء حالة آخرين على سبيل المثال، وبينما تناول الفصل الأول من الباب الثالث الحصار فقد خصص الفصلين الثاني والثالث لاتهام المقاومة بالاعتداء على المستشفيات ونهب مخازن مساعدات حيث اتهم كتائب أبي العباس بنهب سيارة وإطلاق نار على مخازن ثم نهبها في أغسطس 2015 ومارس 2016، لكنه لم يقل لنا اسم المؤسسة الإغاثية التي تعرضت للنهب وإطلاق النار، بل أسند المعلومات إلى مقابلة مع عامل إغاثة، أقول هذا مع تأكيدي على ضرورة التزام المقاتلين باحترام مؤسسات الإغاثة وتسهيل مهمات العاملين فيها قدر الاستطاعة، كما أدعو كتائب أبي العباس إلى بيان موقفهم من هذه الاتهامات .
ومن بين الوقائع التي يمكن للقارئ استشفاف انحياز التقرير واقعتي اقتحام مستشفى البريهي ونهب سيارة إسعاف، الأولى قام بها الحوثيون والثانية تتحمل مسئوليتها المقاومة، قال التقرير في الأولى تم اقتحام المستشفى وتحويله إلى ثكنة عسكرية .. في عبارات مقتضبة، وعند الحديث عن السيارة المنهوبة تحدث عن عدد المسلحين ونوع السيارة وجهة ملكيتها وعدد الرصاص الذي أطلق عليها والوقت المستغرق لصناعة مفتاح جديد صـ 80، ولا غرض من الاختصار في الأولى والإطالة في الثانية سوى تجنب إثارة عواطف القارئ في الثانية على حساب الأولى ، وبطبيعة الحال فالصور المشابهة لهذه الصورة في التقرير أكثر من أن تحصى ولو أراد أحد ما تتبعها لاحتاج إلى كتابة مجلد في شرحها .
في الباب الرابع وتحت موضوع احتلال المدارس واستخدامها لأغراض مسلحة صـ 84 ، نعلم أن في مدينة تعز وريفها عشرات المدارس، تحدث التقرير عن حالة “واحد وعشرين مدرسة” اختارها بعناية ليدين المقاومة بشكل غير مباشر، ولو أراد التزام الحياد الصادق لقال لنا لكم عدد المدارس الإجمالي في المنطقة بشكل عام ، وكم عدد المدارس التي تقع في مناطق سيطرة المقاومة وتستخدمها المقاومة لأغراض عسكرية، وكم عدد المدارس التي تقع في مناطق سيطرة المقاومة وتمارس عملها بشكل طبيعي، وبالمقابل، كم عدد المدارس التي تقع ضمن مناطق سيطرة الانقلابيين، وكم منها يستخدم لأغراض عسكرية وكم منها يمارس عمله الطبيعي، في هذه الحالة يمكن للقارئ المقارنة بمعلومات واضحة، لا انتقائية، على أن ذلك لا يعني تساوي الطرفين في المركز القانوني فمن يستخدم المدرسة لسجن السكان أو تخزين الأسلحة التي تهاجمهم، لا يمكن أن يتساوى في المركز القانوني مع من يستخدم المدرسة لتسكين النازحين على سبيل المثال، وأشار التقرير إلى أن المقاومة فرغت بعض المدارس لتعود لممارسة عملها الطبيعي، لكنه لم يقل لنا هل تخلى الحوثيون عن أي مدرسة لتعود الدراسة إليها أم أنهم لا يتخلون عن المدارس إلا حين يطردون منها بقوة السلاح ؟ هنا يكمن الفرق بين من يحتل المدارس ليحررها ومن يحتلها ليحولها إلى سجون .
من البديهي والمعرف أن تقارير الرصد تعكس نتائج ما تمكن الراصدون من الوصول إليه والتأكد منه، ولا يعني ذلك أن كل ما توصل إليه التقرير هو انعكاس لماهو عليه الأمر في الواقع، خاصة إذا ماكان الفارق مهولا بين أرقام التقرير وبين حقائق الواقع المعاشة والمشاهدة، ويظهر انحياز هذا التقرير في تعمد إظهار المقاومة الشعبية كطرف مساو في السوء وعدم احترام حقوق الإنسان، فأورد التقرير أرقاما تحكمية، مثل عدد الأطفال المجندين،في الباب الخامس، الذين تعمد التقرير زيادة عددهم في صفوف المقاومة على عددهم في صفوف الانقلابيين بطفل واحد، ثمانية وعشرين مقابل سبعة وعشرين، بينما الواقع يقول أن الأطفال المجندون في الطرفين هم مئات أو بالأصح آلاف الأطفال دون سن الثامنة عشر ، فعلى أي أساس منطقي اعتمد التقرير سوى الهوى الدافع للانحياز صـ 87
كما أن بعض الإحالات ليست سوى تلاعب بعقل القارئ الكسول الذي لن ينتقل لمتابعة الرابط، خاصة وأن النسخة المنشورة بي دي إف والروابط غير مفعلة وتحتاج لنسخ الرابط حرفا حرفا حتى تنتقل إليه، ومن بين الروابط التي لا معنى لوجودها الإشارة إلى موقع الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلّح، وبينما تتحدث الفقرة عن 2015 إلى 2016 فإن الرابط متعلق بمعلومات عن 2013 ! صـ 87
ختاما
ومع كل الملاحظات التي قلتها والتي لم أقلها، إلا أن من المهم التأكيد على أهمية احترام العمل الحقوقي والتعامل الإيجابي والبناء مع الراصدين الميدانيين والتعاون معهم وتسهيل وصولهم للضحايا المفترضين، وفي كل الأحوال فإن نتائج العمل سيحكم عليها التاريخ نجاحا أو إخفاقا، حيادا أو انحيازا، فإذا كان القارئ اليوم قد تغطي على عينيه غشاوة من التشويش والأخبار المتضاربة وتنازع الاهتمامات، فإن قارئ الغد سيكون باحثا متخصصا عليما بالتفاصيل قادرا على استخراج المعاني والرسائل من بين السطور وأكاد أتخيل قارئا بعد عقود، يكمل قراءة التقرير، ثم يقول “كان هذا التقرير بحد ذاته واحدا من فصول الجحيم “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى