المقاومة هي محطة مشرفة في تاريخ محافظة تعز واليمن، ولكنها عابرة، ولن تبقى المقاومة بتشكيلاتها المسلحة سيفاً مسلطاً على الدولة، لأن هذه المقاومة خرجت لتقاتل من أجل استعادة الدولة وليس من أجل أن تحل محلها أو لأجل إشاعة الفوضى.
يبدو أن الانتصارات لتي تحققت في تعز وتكاد تضعها على مشارف التحرير الكامل بدأت تثير قلق أولئك الذين قاتلوا حتى لا تصل المحافظة إلى هذه المرحلة.
هؤلاء ليسوا قليل، إنهم حلف يضم الانقلابيين وقوى إقليمية، والكتائب المستأجرة من مرضى النفوس والمنتفعين الذين تضيق صدورهم بأنسام الحرية والإباء والشرف والمجد.
هناك حالة من التقاء المصالح للنيل من تعز ونضالها وانتصاراتها، بين المكونات السيئة لهذا الحلف المعادي للحرية، ودائماً هناك ذريعة جاهزة وتلقى اهتماماً في الخارج على وجه الخصوص، إنها ذريعة “الإسلام السياسي” الذي استدعى كل هذه الموجة الهائلة من العداء ضد ثورات “الربيع العربي” ودفع بالبعض من الأحزاب السياسية في اليمن، إلى أن تتحول إلى غطاء للانقلاب الذي نفذه المخلوع صالح وميلشيا الحوثي على العملية السياسية وعلى الإجماع الوطني.
لا يحتاج هؤلاء إلى جهد لكي يقنعوا الآخرين بمبرر انسياقهم وراء مخطط تركيع محافظة تعز وإهانتها عبر استهداف رجالها المقاومين، فالأمر لا يحتاج سوى إلى تحوير بسيط في زاوية الرؤية لكي يظهر هؤلاء المقاومين في المشهد النهائي مجرد مجاميع “جهادية متطرفة”، هدفها “أمريكا وإسرائيل” و”الحضارة الغربية” وليس طرد قوات المخلوع صالح وميلشيا الحوثي والانتصار للمقهورين في المحافظة.
المتآمرون على المقاومة هم أولئك الذين لم يستطيعوا أن يكونوا بديلاً لهذه المقاومة في البذل والتضحية والفداء فأرادوا أن يكون بديلاً لها في تقرير مصير المحافظة، على أنقاض التضحيات الغالية للمقاومة ورجالها.
في محافظة عدن، سقط نموذج التحرير الذي كان يجب أن يلهم اليمنيين ويدفعهم للانخراط في مشروع استعادة الدولة، لأن المقاومة كانت هي المستهدف الأول بالاعتقال والتنكيل والتصفية فور دخول قوات التحالف العربية وتمكنها من السيطرة على المدينة بدعم وبسالة وتضحيات المقاومة.
فقد عملت هذه القوات على استهداف المقاومة فيما بعد لتحل محلها مجاميع منفلتة بعضها بملامح “حراكية” وبعضها الآخر بسمات “قاعدية” و”داعشية”.
ثم دخلت عدن في دورة غير مبررة من العنف، في ظل التواجد العسكري الضخم للتحالف، ولكن حتى يبدو الأمر كما لو كان مواجهة مع الإرهاب الذي يتطابق مع المواصفات الأمريكية والغربية، وليس مع الإرهاب الذي نال من اليمنيين ونكل بهم وشردهم وهدم منازلهم ومدنهم، وأعني به إرهاب ميلشيات المخلوع صالح والحوثي الانقلابية.
عدن اليوم ليست عاصمة مؤقتة، هناك جزء بسيط منها يستضيف ولساعات محددة الزائرين الطارئين من أعضاء الحكومة الشرعية، هذا الجزء يقع في معاشيق، في المجمع السكني الرئاسي الذي أعيد ترميمه وتأثيثه من قبل الإمارات كما تشير إلى ذلك صور حكام أبو ظبي التي تكاد تملأ حوائط المبنى.
مطار عدن لا يزال بحكم المغلق، عدا بعض الرحلات اليتيمة التي تتحول إلى مآسي نتيجة تدافع الركاب من أصحاب الأولويات والوساطات. ليست هذه عدن التي حلمنا بها، وتطلعنا إليها، وكان يمكن لهذه المدينة أن تقدم نموذج مشرفاً للتحالف العربي، حتى مع وجود مخطط لدعم الانفصال، فهذا لا يتعارض مع هذا مطلقاً.
القوات الحكومية تحولت إلى مجاميع معزولة في المدينة التي يطوقها “الحزام الأمني”، وهو تشكيل شبه عسكري مدعوم من الإمارات ويحمل شعارها الرسمي، وعلى الرغم من دورها كخط دفاع أساسي عن مدينة عدن إلا أنه تحول إلى آلة أمنية استخبارية قمعية سيئة تأذى منه سكان المدينة.
لا نريد لهذا النموذج أن يتأسس في تعز، هناك اختلافات جوهرية بين تعز وعدن، وما تحتاجه تعز هو دعم مؤسسات وأجهزة ومرافق الدولة المدنية والأمنية لكي يعيش الجميع بكرامة وسلام، نريد للمقاومة أن تمضي في طريقها المرسوم وصولاً إلى استعادة الدولة وتمكينها.
لهذا ننظر بريبة وشك للتكتلات التي يجري تأسيسها على خلفية أمنية ومرتبطة بالأجندة نفسها التي تئن بسببها عدن. تصريحات بعض من ينتمون إلى هذه التكتلات تشير إلى هذا النوع من الترتيبات السيئة، خصوصاً عندما يجري تكريس فكرة أن تعز “ضحية لكل الأطراف” ويجري الحديث بخبث واضح عن مقاتلي المقاومة باعتبارهم ميلشيا تابعة “للإصلاح” أو “للسلفية الجهادية”، وأن الناصريين والاشتراكيين لا توجد لديهم ميلشيات وإنما ” ضباط وجنود وقادة عسكريين” في الجيش الوطني، و”أفراد مقاتلين”.
لماذا يجري استدعاء الخصومة الأيديولوجية بين الإصلاحيين والناصريين والاشتراكيين، علماً بأن هذه الخصومة جرى توظيفها في بلدان عربية عديدة وكانت النتائج كارثية والكل يعلم ذلك.
المقاومة هي محطة مشرفة في تاريخ محافظة تعز واليمن، ولكنها عابرة، ولن تبقى المقاومة بتشكيلاتها المسلحة سيفاً مسلطاً على الدولة، لأن هذه المقاومة خرجت لتقاتل من أجل استعادة الدولة وليس من أجل أن تحل محلها أو لأجل إشاعة الفوضى.
هذه الحقيقة يجب ان تبقى حاضرة في أذهان الذين يرون إلى هذا الفصل الدموي باعتباره فرصة مناسبة لجني المكاسب، والاستحواذ على القرار، فقط لأنهم خصوم لحركة الإسلام السياسي.
———————-
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*الآراء والمواقف الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للشبكة.