ما الذي يعنيه “إعلان كيري” عن اتفاق حكومة شراكة في اليمن؟!
يسعى جون كيري لتحقيق انجاز في نهاية مدته الدبلوماسية وآخر زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط، بعد الفشل الذي حققه يمن مونيتور/ تقدير موقف/ خاص:
أعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بدء هدنة يوم الخميس القادم (17 نوفمبر/تشرين الثاني)، وتشكيل حكومة مع نهاية العام الحالي، وفق رؤيته والتي تمثل خطياً في خارطة الطريق التي تقدم بها إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة.
جاء إعلان جون كيري أثناء زيارته للإمارات العربية المتحدة، بعد زيارة التقى خلالها المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام في العاصمة العُمانية مسقط، كما التقى السلطان قابوس بن سعيد وعقد اجتماعات مع دبلوماسيين غربيين وإيرانيين، لبحث نهاية للأزمة اليمنية.
ولم يكن مفاجئاً مع ذلك إعلان الحكومة اليمنية أن ما صرح به كيري لا تعلم عنه ولا يعنيها، “ويمثل رغبة في إفشال مساعي السلام بمحاولة الوصول لاتفاق مع الحوثيين بعيدا عن الحكومة”- حسب ما نشره وزير الخارجية اليمني عبدالملك المخلافي على حسابه الرسمي في تويتر.
وجاء في “إعلان كيري” أن: “التحالف العربي والحوثيون وافقوا على وقف للنار من الخميس المقبل” ويظهر من ذلك أن الحرب بين المسلحين الحوثيين وقوات التحالف العربي وليس أن هناك حكومة وطرف ثاني يواجه الحوثيين غير التحالف العربي.
يسعى جون كيري لتحقيق انجاز في نهاية مدته الدبلوماسية وآخر زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط، بعد الفشل الذي حققه في تحقيق أي تقدم لحلّ الأزمة السورية وأزمة شبه جزيرة القرم والقضية الفلسطينية وأدخلت مفاعيل دولية عديدة لم تكن موجودة من قبل مثل روسيا وإيران في سوريا، وظهور تنظيم الدولة، إن كان ذلك الفشل الذريع لإدارة أوباما فـ”كيري” يتحمل النصيب الأوفر منها، كما أن الإنجاز الوحيد الذي حققته كان (الاتفاق النووي) ويظهر أنه “هشّ” وقد بدأ يتآكل، لذلك فلم يبقى لجون كيري إلا اليمن ليحاول تحقيق انجاز في الوقت بدل الضائع.
وبدأت الأزمة في اليمن في سبتمبر / أيلول 2014 عندما استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، وقتل خلالها قرابة 10 آلاف يمني وجرح قرابة 30 ألف آخرين بحسب تقديرات للأمم المتحدة كما أن 85 بالمائة من مواطنيه يحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة.
وفي تحليل إعلان جون كيري فإن تشكيل الحكومة سيأتي بعد شهر من بدء وقف إطلاق النار، كما تشير بذلك خارطة الطريق التي قدمها إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والتي تحظى بدعم دولي واسع، لكنها في نفس الوقت تنقل صلاحيات الرئيس اليمني إلى نائب جديد متوافق عليه وتفضل الولايات المتحدة خالد بحاح رئيس الوزراء النائب السابق لعبدربه منصور هادي كما أن بحاح هو المفضل لدى لدولة الإمارات الشريك الرئيس الثاني بعد السعودية في قيادة التحالف العربي باليمن، وينشط الرجل في أوروبا مسوقاً نفسه كبديل جديد للرئيس اليمني، ويوم الأحد الماضي قال بحاح في حوار مع تلفزيون BBC إنه بعد أسابيع قليلة سيكون الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً سابقاً مثل سلفه علي عبدالله صالح الذي سقط بثورة شعبية عام 2011م.
لم يشر كيري في إعلانه إلى سحب سلاح الحوثيين، لكن خارطة الطريق الأممية تشير إلى أن سحب السلاح سيكون بعد تشكيل الحكومة اليمنية وكذلك انسحابها من المدن، عدا محافظة صنعاء التي سيكون الانسحاب منها قبل تشكيل تلك الحكومة، ولم يعد أحد يثق بوعود الحوثيين بسحب السلاح بعد إيقاف عمليات التحالف ومشاركتهم في حكومة انتقالية سيكون لهم نصيب كبير مؤثر فيها، حتى وإن قبلت سلطنة عُمان أن تكون ذات ضامن دولي للحوثيين، فتاريخ اليمن مليء بثغرات من هذا النوع فمن كل الاتفاقيات التي حدثت في اليمن يعرف السياسيون أن “المعضلة والمشكلة الرئيسية هي ما بعد الاتفاق، في تنفيذ مخرجاته وليس الاتفاق ذاته، وهذا ما يسبب هاجساً كبيراً لدى دوائر الأمن القومي لدول مجلس التعاون”- كما أشار دبلوماسي خليجي لـ”يمن مونيتور” في وقت سابق.
تزامن إعلان كيري مع بدء القوات الحكومية اليمنية عمليتين عسكريتين الأولى في محافظة الجوف، شمالي اليمن لتحرير ماتبقى من بلدة خب والشعف وبدأت فعلياً قبل أربعة أيام، والعملية الثانية لتحرير ما تبقى من بلدة “ميدي” التي تحوي ميناءً بحرياً وبدأت اليوم الثلاثاء، وتهدف العمليتين إلى تضييق الخناق على الحوثيين في معقله بمحافظة صعدة، من ثلاث جهات إذا ما أضيفت لها العمليات العسكرية المستمرة في منطقة “البقع” وبدأت بداية الشهر الجاري من الحدود السعودية.
ويبدو أن إيران تملك ترحيباً بإعلان كيري التي تعتقد أن موقف الإدارة الأمريكية في إدارة جديدة يمثلها دونالد ترامب غير مأمونة المخاطر، ولا تملك رفاهية فيما يخص الملف اليمني لدراسة توجهات ترامب الجديدة، خاصةً بأن الرئيس الجديد يملك توجهاً- حسب تصريحاته الانتخابية- نحو مواجهة إيران وميليشياتها المسلحة في المنطقة، وتعتقد أن أفضل النتائج للعلاقات مع الولايات المتحدة جاءت في عهد الرئيس بارك أوباما.
في كل الأحول وإن نفذ “إعلان كيري” فلا يمكن التكهن بإيقاف الحرب بل ستستمر وبشكل أشد ضراوة فقد وضعت الحكومة اليمنية أمام حلّ واحد وهو عملية عسكرية لمواجهة الحوثيين وفشل أي آمال بعملية السلام، وهو ما تحدث به السفير البريطاني لدى اليمن بأن الحوثيين يسعون: “لإذلال كل معارضيهم”، أو أن تقبل الحكومة والمملكة العربية السعودية (الإذلال) وتقبل بخارطة الطريق على نحو انتزاع الشرعية المبرر الوحيد لعمليات التحالف في اليمن، ويبقى الحوثيون بأسلحتهم كميليشيا موازية للدولة وضاغطة على قراراتها بشكل شرعي ورضا إقليمي-دولي، ومع ذلك لن يمثل ذلك نهاية للحرب بل استعداد لحرب جديدة قد كون أكثر فتكاً من سابقاتها.