تحقيق حصري- تمردات وصراع نفوذ.. فشل الهيكلة يشلّ مؤسسات صنعاء

يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ خاص:
أُصيبت معظم مؤسسات الدولة الخاضعة للحوثيين في صنعاء بالشلل مع فشل خطط دمج المؤسسات والهيئات رغم مرور 7 أشهر على إعلان زعيم الحركة عن “التغيّرات الجذرية” في أغسطس/آب الماضي لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة. ما يثير تساؤلات حول مدى تصاعد الصراع بين قادة الحوثيين.
تحدث في هذا التحقيق لـ”يمن مونيتور” أكثر من 15 مسؤولاً في عديد من مؤسسات الدولة الخاضعة للحوثيين في صنعاء، أكدوا فشل خطط الدمج، حيث ما تزال اللجان المشكلة على مستوى كل مؤسسة، ووزارة تضع خطط جديدة للدمج مع فشل التوقعات السابقة بسهولة الانتقال للمرحلة الجديدة.
وحسب المسؤولين الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم خشية الانتقام فقد اضطر الحوثيون “لتشكيل لجان دمج بما يتناسب مع كل مؤسسة ووزارة على حِده، مع حدوث تمردات ورفض من بعض الهيئات خاصة المؤسسات الإيرادية”.
- رواتب تحت نيران الحرب.. تحليل تأثيرات برنامج حكومة الحوثيين الجديدة على اليمنيين
- “استنزاف”.. مقاومة مسلحة غير منظمة تتشكل في مناطق الحوثيين
- حصري- الحوثيون يخططون لشن “حرب استباقية” على مأرب
تمردات وغضب
والأسبوع الماضي وافقت مصلحة الجمارك على تشكيل فريقها للدمج مع مصلحة الضرائب. بعد أن أعلنت قيادة الحوثيين السياسية تعيين رئيس جديد للمصلحة، ثم تراجعت لاحقاً مع خضوع رئيس المصلحة عادل مرغم لتشكيل لجنة دمج مصلحتي الجمارك والضرائب المسؤولتين عن أكبر عائدات الحوثيين المالية.
وقال مسؤول مرتبط بالجنة إنها مكونة من 6 فرق قانونية وبشرية ومالية وتقنية وفنية والمرتبطة بالوثائق، وتم تشكيل هذه الفرق الأسبوع الماضي؛ بعد أن كانت لجنة الدمج تحتوي فقط على أعضاء من وزارة المالية ومصلحة الضرائب.
وأضاف أن كل الرؤى تتصادم حول دمج المصلحتين، وهو ما تسبب في تصاعد الخلافات رغم تشديد “مكتب السيد” على سرعة الدمج.
ويشير المسؤولون في صنعاء لمكتب زعيم الحركة “عبدالملك الحوثي” بـ”مكتب السيد” وهو المكتب الذي حضر عملية الهيكلة وقراراتها دون تدخل من مسؤولين وخبراء قانونيين ودستوريين. ويعتبر المكتب سلطة مستحدثة تشبه المرشد الأعلى في إيران، وهي أعلى من رئاسة الجمهورية والحكومة.
وقال مسؤول في وزارة مالية الحوثيين: “كان متوقعاً أن تتم الهيكلة بسهولة ويسر- كما أبلغونا- لكن الآن ستدخل المصلحتين في نزاعات قانونية ولوائح داخلية معقدة تحتاج وقتاً للدمج”.
وأضاف المسؤول “كان يفترض دمج هيئة الزكاة أيضاً -باعتباره مؤسسة إيرادية أيضاً- لكن حدثت ضغوط كبيرة لتبقى تابعة لرئاسة الجمهورية وليس للحكومة أي سلطة أو رقابة عليها”.
ما يعني بقاء هيئة الزكاة تحت إدارة مباشرة من مكتب رئاسة الجمهورية “أحمد حامد” فيما دُفعت مصلحة الجمارك -التي يفترض أنها تحت سلطته- إلى الهيكلة.
- (حصري)… تغييرات حوثية واسعة في اللوائح والإدارات وموظفي الدولة والمحافظات
- (انفراد) صراع الحلفاء المتشاكسين… هل يسقط مؤتمر صنعاء “مهدي المشاط” من رئاسة المجلس الأعلى؟

(سكمشا) العصية
يذهب التمرد أيضاً إلى هيئات أخرى، حيث لا يزال المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (سكمشا) يعمل ويحتفظ بمقراته في جميع المحافظات الخاضعة للحوثيين ويعمل جميع موظفيه. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أبلغت حكومة الحوثيين الأمم المتحدة إلغاء (سكمشا) ونقل صلاحيات التعاون الدولي إلى وزارة خارجية الجماعة.
مع ذلك يقول عمال إغاثة ومسؤولون في وزارة خارجية الحوثيين إن سكمشا ما يزال يعمل بذات الصلاحيات، ويمنح التصاريح -كما في السابق- عن أي أنشطة إغاثة في مناطق الجماعة. ولا تزال حسابات المجلس الرسمية في شبكات التواصل تعمل حتى مطلع مارس/آذار الجاري.
وعمل “سكمشا” -الذي أسسه الحوثيون في 2019- على “تقويض العمل الإنساني، وفرض على الأمم المتحدة سداد ميزانيته التي تصل سنوياً إلى 52 مليون دولار، وقام بممارسات -وصفها عمال الإغاثة بالفظيعة- لابتزاز منظمات الإغاثة المحلية والدولية العاملة في مناطق الجماعة، ووصم العاملين فيها بالتجسس”.
المصالح الخاصة
ويضيف مسؤول في رئاسة وزراء الحوثيين أن هذا شأن معظم الوزارات والمؤسسات. وأجرى الحوثيون خلال الفترة الماضية تغييرات واسعة في قيادة الإدارات بالوزارات والهيئات معظمها بسبب تمردات، ورفض للهيكلة والدمج واعتباره “غير قانوني ومنطقي”.
ويقول المسؤول في رئاسة وزراء الحوثيين “هناك رفض للهيكلة أو العمل في المنشآت الجديدة، كما يبدو أن هناك صراع غامض آخر حول التعيينات والمصالح خاصة في المؤسسات الإيرادية”.
في وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي- دمج التعليم العالي مع والتربية والتعليم ووزارة التعليم المهني والتدريب الفني- ما تزال حالة الارتباك وعدم معرفة الصلاحيات لكل المسؤولين دون حل.
وقال ثلاثة مسؤولين لـ”يمن مونيتور”: لا نعرف ما الذي حدث وكيف يحدث الدمج والهيكلة وما هي صلاحيات كل الأقسام في الوزارات الثلاث.
مسؤول في جامعة صنعاء قال إن “هناك صراع صلاحيات ودرجات الموظفين والأكاديميين في جامعة صنعاء والوزارة الجديدة، ويتم التعامل مع الجامعة منذ أغسطس (آب) وكأنها مدرسة حكومية”!
الأمر ذاته في وزارتي الطرق والأشغال العامة، والزراعة والثروة السمكية والموارد المائية. ويقول مسؤول في لجنة الدمج بوزارة الطرق “ما تزال الأوضاع سيئة ولا يمكن تحقيق تقدم لأسباب عديدة”. ورغم رفضه الكشف عن الأسباب إلا أنه أشار إلى خلافات مسؤولين، ومحاولات تهرب من المسح الذي يجري.

إنشاء هياكل جديدة
في وزارة الإدارة المحلية والتنمية الريفية، قال مسؤول إن عمل الوزارة واسع وكبير حيث تنقسم إلى الوحدات الإدارية في المحافظات. ولفت إلى فشل لجنة الدمج والهيكلة “حيث تعتزم ضم هيئات من وزارات أخرى، واحداث تغيير كبير في الوحدات الإدارية في المحافظات (الخاضعة للحوثيين) لتكون نموذج لبقية الإدارات”.
وأضاف: حتى الآن لم يتم إنشاء منظومات وهياكل جديدة لاستيعاب الرؤية والمهام الجديدة للوزارة التي أضيفت لها التنمية والريف.
وقال المسؤول في رئاسة وزراء الحوثيين حول ذلك إن لجنة “مسح وحصر” تابعة لمجلس الوزراء -غير المعترف به- أكلمت حتى منتصف فبراير/شباط المرحلة الأولى من عملية المسح التي شملت أكثر من 100 وحدة خدمة عامة ومن المبكر الحديث عن الانتهاء من “رسم الخرائد والهياكل التنظيمية واللوائح لهيئات الدمج”.
وأضاف المسؤول “في مكتب رئاسة الوزراء هناك اختلالات وظيفية واسعة وكبيرة لم يتم حلها متعلقة بعمليات الدمج والهيكلة، والفشل في حلها كل هذه المُدة يكشف حجم الخلل الذي يحدث وسيحدث إذا ما فُرضت هياكل وأنظمة جديدة دون وعي”.
وحسب المصادر فإن هناك مقاومة واسعة في معظم مؤسسات الدولة لعملية الهيكلة. لذلك شرع الحوثيون قانوناً لتسليم رواتب الموظفين التي رفضوا تسليمها منذ 2016م، وهو ما تسبب بركود هائل في الاقتصاد بمناطق الجماعة، وبدأوا بالفعل منذ مطلع العام بتسليم الرواتب وفق ما أسموها “آلية استثنائية”. تشترط الاعتماد على الموظفين الذين سيبقون في أعمالهم بعد عملية الدمج والتغيير التي يقوم بها الحوثيون منذ منتصف العام الجاري.
وتم تقسيم الموظفين إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تستلم كامل مرتباتها شهريا، والفئة الثانية نصف مرتب شهريا، والفئة الثالثة: نصف مرتب كل ثلاثة أشهر فقط. هناك طبقة رابعة لن يسلم الحوثيون مرتباتهم. وفق آخر عملية صرف لنصف مرتب حسب كشوف النظام الموحد الذي اعتمده الحوثي قبل سنوات.
ويهدف الحوثيون من ذلك القانون إلى إجراء عملية طرد واسعة من الوظيفة العامة وتوظيف آخرين. وستشمل على سبيل المثال فصل خمسة آلاف موظف من هيئة النقل العام من وظائفهم وفق “علي الزنم” عضو مجلس النواب التابع للحوثيين (البرلمان في صنعاء غير المعترف به دولياً).
ووفق تقديرات الحوثي فإن 80% من الموظفين مستحقون للتقاعد، ونالوا أحد الأجلين: خدمة 34 سنة، أو تجاوز سنهم 64 سنة. وهو ما يفتح صراعاً بين مراكز النفوذ داخل جماعة الحوثي لوضع الموالين في الوظيفة العامة.
- من يحصل على راتبه؟.. الفائزون والخاسرون في قانون رواتب الحوثيين
- حصري- أبو علي الحاكم.. ذراع “استراتيجي” لأشد عمليات الحوثيين سرية!

صراع نفوذ
على الأوراق يتكون الحكم في صنعاء من تحالف حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان موالياً للرئيس السابق على عبدالله صالح، وجماعة الحوثي. لكن بعد مقتل صالح في 2017 على يد الحوثيين جرى اقصاء أعضاء الحزب من مواقع المسؤولية في الحكومة تدريجياً. وعقب الإعلان عن “التغيّرات الجذرية” وإعلان حكومة دون موافقة حزب المؤتمر الذي يقوده صادق أمين أبو راس فإن كثير من قادة الحزب يقولون إن قادة الجماعة سيتقاسمون الوظيفة العامة بين أنصارهم ومواليهم وإخراج الحزب بشكل كامل من الحكومة.
لكن يتوقع مسؤولان اثنان مطلعين على تفاصيل صراع أوسع على النفوذ داخل جماعة الحوثي أن تشهد المراحل القادمة زيادة في حدة الصراع بين مجموعتين تتصارعان على النفوذ داخل الحركة ومصادر الإيرادات. ويدور الصراع بين طرفين رئيسيين يمثل الأول “أحمد حامد” (ابومحفوظ) مدير مكتب مهدي المشاط (رئيس المجلس السياسي الأعلى)، والطرف الثاني محمد على الحوثي (أبو أحمد) عضو المجلس السياسي الأعلى وقائد اللجنة الثورية العليا -سابقاً-.
وخلال السنوات القليلة الماضية ركز (أبو محفوظ) المؤسسات الإيرادية والوظيفة العامة بين يديه وصناعة المراكز المالية للجماعة؛ وتبلغ إيرادات مصلحة الجمارك وحدها 1.8 مليار دولار سنويا. فيما يمتلك طرف (أبو أحمد) نفوذاً أقل بكثير في مؤسسات الدولة، ويتحكم عبر تابعين ببعض المنافذ الإيرادية والمراكز المالية الجديدة. وعمل الأول على تجفيف مؤسسات الدولة من الموالين للطرف الثاني الذي كان يتحكم بالمؤسسات عبر النظام الإشرافي الذين تعينهم الجماعة، حيث يعمل المشرفون على إقامة علاقة هيمنة مع الوزراء والمحافظين وغيرهم من المسؤولين، ويتولون بشكل فعال أدوارهم في صنع قرار تلك المؤسسات والموافقة عليها.
- “الحوثي” يستفرد بالسلطة كليا في صنعاء ويعلن عن تغييرات لا تشمل شركائه من المؤتمر
- (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟
لن تؤدي التغيّرات الجذرية إلى حوكمة فعلية، إذ تستمر “القوى الخفيّة” في تسيير الأمور. وحتى في حال نجاح “الحوثي” في حل الصراع على الثروة والسلطة بين الطرفين المتنافسين داخل الجماعة، إلا أن من الصعب نجاح وضع توليفة إرضاء لأنصار وأبناء الحركة لإدماجهم في الوظيفة العامة. إذ أن ذلك يثقل كاهل الجهاز الإداري للدولة ويستبدل الكادر المؤهل بموظفين غير قادرين. ما يؤدي إلى استمرار حالة التذمر والسخط من المواطنين والكيانات السياسية بما في ذلك مؤتمر صنعاء، مع اقتصاد غير فعال.
لا يستطيع الحوثيون إدارة دولة ويعرفون أن الشعب اليمني الذي عاش سنوات الحرب لا يثق بهم وبمرور الوقت ستصبح التغيّرات الجذرية من حلّ إلى مشكلة يعاني منها الحوثيون باعتبارها حامل “بذور الفناء” لهيمنة الجماعة المسلحة.