كتابات خاصة

الفراغ الدستوري لا يستعيد الدولة!

فتحي أبو النصر

لابد للسياسة أن تعود وفق استعادة مؤسسات الدولة أو تستمر الحرب بيقين وطني ووعي جامع بدون أمراض المناطقيات والمذهبيات. قال صديق: “التمسك بشرعية الرئيس هادي هو تمسك بمخرجات الحوار الوطني”.. باختصار. قلت له: “صحيح.. ولكن لا فائدة لها وهي غير مقرة كدستور بعد وإقرارها كدستور لا يمكن أن يكون في ظل حرب”!
قال لي بحزن: ولماذا حاربنا.. ولماذا كل هذه التضحيات؟
قلت له بحزن أكبر كما بمنتهى الواقعية: “يحق للناس أن يدافعوا عن أنفسهم ويقاوموا قبضة الاستفراد والاصطفاء.. التضحيات جليلة.. لكن كان لا يجب للشرعية وضع كل بيضها في سلة التحالف لأن القول حينها سيكون ما يقرره للأسف.. ولنعترف أن كل هذا بسبب فشل المشروع الوطني الجامع وضرب السياسة وخواء النخب التي في القرار. الشعب منهك فوق مستوى التصور ولابد للسياسة أن تعود وفق استعادة مؤسسات الدولة أو تستمر الحرب بيقين وطني ووعي جامع بدون أمراض المناطقيات والمذهبيات المضادة التي تصب في صالح طائفية ومناطقية الإنقلابيين فقط.
***
كذلك أقول في السياق، لكل من تجاوزوا العمل بالدستور السابق، ولكل من يريدون العمل بدستور افتراضي غير موجود:
طيب.. ما دام والقرارات حقكم كلكم تصدر باسم الدستور (تخالفوه ليش).. يعني طرف صنعاء يستخفوا حسب مزاجهم الميليشياوي الذي لا ينتمي للدستور وطرف الرياض يستخفوا حسب مزاجهم الافتراضي المعتمد على مخرجات حوار ما زالت لادستورية أصلاً!
وهكذا كلكم استكنتم إلى حالة اللادولة، وكلكم يجب أن يعود إلى الرشد الوطني بدلا من الفراغ الرهيب الذي يكتوي فيه الشعب.. فراغ الفوضى والانتقامات والأوهام والعبث.. الفراغ الذي تسببت فيه أنانيتكم المخادعة والجشعة.
وبالتأكيد فإن كل فراغ من هذا النوع لا يمكن أن يمتلىء سوى بالميليشيات اللاوطنية، كما بالتشظيات المناطقية والمذهبية فقط.
 في حين لا يمكن استعادة كيانية الدولة، ما دامت حالة الفراغ هي القائمة!.. وأما من يعتقد بأن خلاصه سوف يكون في استمرار هذا الوضع، فهو بلا شك، أكثر من ضحل وأكثر من أحمق، كما بلا أفق وبلا بصيرة أيضا!
(ولن اعتذر عن هذا التوصيف لأن انقلابكم وشرعيتكم وحربكم قد فعلوا بالدولة والشعب كل ما هو لامتوقع من الجرائم).
ثم إن الحقيقة المرة تقول، إنه في حالة الفراغ الدستورية التي ارتضاها الجميع، لا يمكن حينها لطرف ما، اتهام طرف آخر بأية جريمة على أساس دستوري!، إذ سيبدو الأمر تناقضياً وانفصامياً بشكل لا يطاق ولا يعقل.. ذلك أن كل الأطراف أصلا، قد ارتضت تعليق الحالة الدستورية والعمل في فراغها (المريح)!
على أن هذه هي أم الجرائم بحق الدولة والشعب.. بينما كل ما حدث بعدها بالطبع ليس سوى مجرد نتائج.
وتحديدا، يصبح هذا المآل هو الانقلاب الحقيقي، وهو الخيانة الحقيقية، وهو الإرهاب الأكبر.
وبالطبع أعرف أن هذا الكلام لن يعجبكم (ولكن طز).
فالحال انكم لاتريدون أن تفهموا، معنى أن البلد لا تحتكم إلى أي شيء دستوري!
لا تريدون أن تفهموا الكارثة الكبرى الكامنة في ذلك السبب الجوهري، لانحراف الثورة السلمية التي قامت ضد انحراف نظام مهووس، مرورا بأخطاء ما بعد 2011، والمتمثلة بشخصنة النظام، وتجاوز الدستور، والحصانة، والتجييرات للثورة السلمية، وعسكرتها، مرورا بالتحاصصات، والمغالطات، ووصولا إلى مرحلة موفنبيك المفخخة، فحدوث الإنقلاب الفظيع، واندلاع الحرب الداخلية والتدخل الخارجي .. إلخ إلخ.
والواقع ان كنتم تستطيعون على الأقل العمل بالدستور السابق (الذي ما يزال قائما لكنه تعطل بحسب المزاج الأرعن لأشخاص يقامرون) وفي الوقت نفسه أيضا، تعملون لدستور قادم إلى حين معالجة إشكالية الميليشيات، ووضع معالجات جادة للقضايا الوطنية المتراكمة، وليس القفز على ذلك، ثم تفعيل الإتجاه الناضج والشفاف لانتاج حالة الإتفاق على الدستور، ومن ثم طرحه للشعب ليقول بشأنه: نعم أم لا.
لكنكم (ضيعتم الذي في اليد وطلع مافيش شجرة لتجدوا عليها شيئا بديلا)!
جعلتم من المرحلة الانتقالية، مرحلة تقويضية لكل ما كان يمثل إجماعا وطنيا.. ومع كل خطأ كنتم تبررون.
كذلك من هنا تسللت نوازع الانتقامات والانتقامات المضادة للأسف. 
وإذن.. كيف يمكن معالجة هذا الخلل، خصوصا في ظل الحرب وتداعياتها. وهل ينبغي أن تستمر الأمور بلا معنى كما هي الآن.. أم ماذا بالضبط؟
بالتأكيد لا أحد سيمرر إرادته بالقوة.. ثقوا ولا تصدقوا غير ذلك.
أما حاضر ومستقبل اليمن فسيحدده الجميع بلا إستثناء. كما أن المسألة ليست مجرد إنقلاب وشرعية (وخلاص).
إن هذا اسمه (تسطيح) لأن الخلل يمتد إلى ماقبل 2011 ثم تكرس الخلل المضاعف بعدها!
والخلاصة أن الإنقلاب مرفوض.. لكن غيبوبة الشرعية مرفوضة أيضا!
كما إن الأمنيات بفرض إرادة أحادية بالقوة من قبل أي طرف، ليست سوى التعبير الأمثل عن منتهى السخف.
بل إن إستمرار هذه الأمنيات العصابية ستحرق أصحابها في النهاية.. ولن ينجو أحد.
لن ينجو أحد لأن العنف المنفلت والجوع المستمر وحدهما مَنْ سيأكلان البلاد والعباد ببساطة.
وليس سوى المراجعات والتنازلات هي عين الحكمة والضمير الآن!

*الكتابات والآراء المنشورة تعبر عن مواقف كتّابها ولا تمثل بالضرورة رأي  “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى