تفاءلت بالحياة، وفي كل يوم ابتسامتها تنبئ عن أمل يكاد يصل إلى مرتبة السعادة.
تفاءلت بالحياة، وفي كل يوم ابتسامتها تنبئ عن أمل يكاد يصل إلى مرتبة السعادة.
هي طفلة صغيرة، يكاد يصل عمرها الثامنة، أو على الأرجح أقل من ذلك بعدة أشهر.. تنظر إلى الحياة من حولها بأمل يزداد يوما بعد يوم.
ليس لأن الواقع من بعث فيها ذلك، ولكن طيبة قلبها هي التي ترسم الابتسامة والبشاشة على وجهها وأسرتها التي ربتها على ذلك.
إنها أسرة تعيش البشاشة والمرح والصبر الزائد منذ القدم، تحيا على العيش الزهيد والمال القليل، وعلى هذا فهي تقتنع بالقليل ولكنه مع مرور الأيام وقسوتها انقطع الرزق اليسير وذهب دون عودة؛ فتراجعت تلك الابتسامة وانقطع حبل الأمل عندما بدأت الأسرة تفقد عيشها، وتخسر اللقمة البسيطة التي كانت تعيش عليها صابرة محتسبة الأجرعند بارئها.
لن تكن تلك الأسرة تقدر على بسط اليد بالطلب البسيط.. إنها تمتلك عفة لو امتلك مسئولو يمنا الحبيب نصفها لكنا بخير ولعشنا أحسن الظروف.
إن عفتها تمنعها من أن تطلب الناس حاجة، ولو كانت بسيطة لأجل البقاء على قيد الحياة المثخنة بمآس وهموم شتى.
ظلت تلك الأسرة تتصبر وتتجلد و تكابد الجوع ليل نهار لكأنها في صحارى العرب قديما.. وطفلتهم الجميلة تلك التي تمتلك ذلك الكم الهائل من البراءة والعفوية تنظر إليهم، وهم يؤثرون عليها بكل حين، وترى تلك البشاشة التي تغيب لحظة غيابها، ليحل محلها الألم الكبير والصبر الذي آل إلى القنوط، وتعود وقت حضورها مزيفة لأجلها كي لا تحس بالواقع، وكي لا تشعر أنهم يموتون موتا بطيئا بسبب الجوع القاتل لهم دون رحمة أو حساب.
تمرالأيام عليهم مع قصرها بهذا الزمن لكأنها العمر المديد والموت يترصد لهم بزوايا المكان حتى بدأ يأخذهم واحدا واحدا، وبقيت تلك الصغيرة لوحدها، لم تدر أنهم ماتوا جوعا.
كانت تبكي قبل ذلك جوعا، وقد كان يضايقها قلة مايقدم إليها من الأكل الرديئ، ولم تدر أنهم كانوا يحتفظون به لها من يوم لآخر كي تكف عن البكاء، علها تبقى على قيد الحياة ذكرى لهم ولصبرهم.
الصغيرة لم تجد بجوارها أحدا .. لم تر أولئك الذين كانوا ينقذونها بكسرة خبز يابس، إلا موتى، وهي الأخرى تتضور جوعا لتلحق بهم إلى رب عزيز ذو انتقام.
ذهبوا جمعيهم إلى الموت.. ويا ليته أتى لمن أراد لهم ذلك، ويا ليت المأساة لم تات أو ليتنا لم نعهدها!