كانت تعز قد واجهت قدرها الجغرافي والوجداني كساحة للحرب، وقد صار كبح تطلعاتها إلى دولة القانون والمواطنة المتساوية سببا في اشتعالها. ★إلى عبد الله نعمان، وتوكل كرمان وغيرهما..
لم يقف الليد محايداً يوم تجمعت أيدي سبأ وتكلمت مأرب في مواجهة انقلاب كامل على مسيرة التاريخ اليمني الضارب في معبد الشمس وعرش الملكة بلقيس..
فهو من قال وكتب: “حررها ياليد”، وكان يعني تحرير تعز الوطنية الكبيرة..
كانت تعز قد واجهت قدرها الجغرافي والوجداني كساحة للحرب، وقد صار كبح تطلعاتها إلى دولة القانون والمواطنة المتساوية سببا في اشتعالها.
لكنها الحرب يا أخوتي .. الحرب التي طال أمدها على نحو لا يستأنف تحقيق الحلم الذي كانت تعز الوطنية الكبيرة قد ركضت به على صهوة الحصان الأسود لثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية المجيدة.
والليد هنا يدق ناقوس الخطر أمام ما تجلى من “تعز الصغيرة”.. التي سيأكلها ما لم تأكله على قلب الثلاثية الجغرافية اليمنية بين جبل وسهل وساحل، وعند نقطة اختناق الملاحة الدولية بين شرق وغرب وبحرين وقارتين وخليجين ومحيط.
وفي جحيم تعز، فَقَدَ الناسُ أحباءهم وتحول الجرحى الى طائفة تئن بقوامها الكبير في أحشاء المجتمع الأعلى سكانا، فيما تآكلت القيم التقليدية وأواصر القرابة وأنهارت معها هياكل المجتمع وفقد الهيكل القانوني فاعليته وتعطل نظام القضاء.
وقد نشبت -ضمن ما نشبت- أزمات إنسانية كالتي مدت معاناة الناس على نطاق واسع يسوده الحرمان المهلك من الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الصحية والتعليم..
وضاقت لأبعد الحدود موارد المجتمع وسبل الوصول إليها، وولد هذا مع نيران الحرب نزح أعداد هائلة من السكان ودخل كل من لا يحمل السلاح وبعض من يحمله ضمن الفئات الأشد ضعفا، فيما أصبح الطرد القسري لأعداد كبيرة من البشر والقيود على السفر فضيلة خلقية بالنسبة للمتحاربين أياً كانوا.
وحيث أدرت وجهك ترى نيران الحرب وقد أحدثت دماراً هائلاً للمساكن والطرق والأسواق والمدارس والمشافي والبنية التحتية، والذي لم يدمر في جسم هذه البنية يستخدمه المتحاربون متارس لنيران حربهم..
ترى بعض المدارس وقد تحولت إلى متارس، والمتارس نفسها تراها وقد أصبحت مصدرا وحيدا لعيش البعض، فيما تقود آخرين إلى حتفهم..
يسقط المدنيون قتلى وجرحى وراء مترس حمى المقاوم المتربص ولم يحمِ السكان خلفه، ومثلهم يسقطون خلف المتارس المقابلة التي يتمركز فيها الإنقلاب الغاشم في الحي المقابل داخل المدينة ذاتها..
وأقبح المتارس هي التي يستخدمها المتركزون خلفها على الجانبين سبيلاً إلى إبتزاز ما تبقى من مصنع أو متجر أو مطعم، فترى أمراء الحرب يسمنون ويثرون على حساب متارس أخرى استبسلت وأستشهد أبطالها بأحلام تعز الكبيرة الراكضة إلى الإنعتاق والخلاص التعزي واليمني الكامل..
وبين المتارس المتنافسة في إطار مجموعات المقاومة المسلحة والطرف الإنقلابي الغاشم المحتل، تسود ثقافة عامة يغلب عليها طابع العنف، ويستخدم هذا العنف بمختلف أشكاله ضد المدنيين والمعتقلين والصحفيين وراصدي حقوق الانسان والموظفين الإنسانين..
يحدث هذا بوصفه طريقة متعمدة للحرب أو للإعتقاد في بعض الأحيان إنهم يساعدون فريقاً منافساً أو فريقاً آخر معادٍ حتى أن جانب من المجتمع صار ينظر إليهم باعتبارهم سبباً في إطالة أمد الحرب والمعاناة أو مستفيدين منها.
وهنا تخضع الأنشطة المدنية والإعلام بصحفييها وناشطيها لاستقطابات حادة ويسقط العديد منهم في الشباك متخلين عن مهامهم النبيلة كمدافعين ومسعفين ومغيثين، بل وتحول البعض منهم إلى مدافعين عن المتارس المتنافسة والمتحاربة ويقفون خلفها كمنتفعين صغار..
وحتى تلك المجموعات المعادية للإعلام برجاله وعرباته وعدساته إنطلاقا من خلفية دينية صار لها مدافعين من الناشطين والإعلاميين أنفسهم..
لا يحدث هذا بشروط تعز الكبيرة، وإنما بشروط تمليها التحالفات المليشياوية ويترافق معها حركة استقطابية حادة داخل المجتمع على نحو ينذر بدورات عنف دموية قادمة بين فصائل تضخمت يائسة من حسم معركتها الأساسية ضد من كانوا سبباً في تكوينها وخوضها للقتال.
تصبح سمعة قادة الفصائل أمام الدول الممولة لهم في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن أكثر أهمية من انهاء الإنقلاب واستعادة الشرعية..
مع أن بعض أولئك القادة يقاتلون دفاعا عن تاريخ مضى، لا دفاعاًعن قيم الدولة والمواطنة وحاجات مجتمع كبير تكويه النيران ..
وتلك يا اخوتي شيم أصيلة لأي حرب أخذت أبعاداً طائفية ووقفت خلفها من الجانبين بلدان غير متصالحة مع ما آمنت به تعز الوطنية الكبيرة..
تعز التي لم يألفها التحالف العربي لدعم الشرعية وقد لا يكون بوسعه ذلك، حتى وهو يرى نتائج سلوكه هذا تلوح في نهايات حرب لم تحسم تماما لصالحه وحلفائه في الداخل!
وهو لا يبدو مكترثا بأن الحرب التي طال أمدها دون حسم تدور رحاها على رافعة الدولة المدنية وقاعدة النهضة اليمنية الحديثة وجذوة الربيع اليمني..
وهي الرافعة الوطنية التي سبق وأن فتكت بجلاديها دون أن يزودها أحد بالحديد والنار..
إن تعز الجبارة تكمن في شارعها المدني الواعي والمحرك للمشهد الوطني موثراً في تفاصيله وحاسما لقضاياه بالحرب أو بدونها.
ويبقى بإمكان تعز أن تستعيد شارعها هذا من تحت ركام وويلات الحرب، في سياق الحاقها الهزيمة العسكرية النكراء بعدوها..
الشيء الذي ستستعاد معه آمال وتطلعات ثورة 11 فبراير على نحو متجاوز للإنقسامات الحادة الراهنة.
هنا تتجلى تعز الكبيرة بعناوين تمثلها ضمنياً، وصراحة من أمثال محافظها على المعمري وعبدالله نعمان وتوكل كرمان وغيرهم من الفاعلين السياسين والمجتمعيين وفي مقدمتهم شباب ثورة فبراير وصناع الرأي..
ويهيب بكم الليد إلى إستعادة هذا الشارع، والدفع بالمقاومة الشعبية والجيش الوطني إلى نقطة حاسمة أبعد؛ إذ لا يليق بتعز الكبيرة أن ترقص طربة أو مذبوحة في الظلام وبعيدا عن الأنشطة المدنية والإعلام.
وعلى الجميع أن يسارعوا إلى حملات وأنشطة الإنعاش والتعافي المبكر وجبر قلب هذا اليمن المكوي بالنار.. القلب الذي أراد ما أراده الشعب وأراد له الطغيان أن يظل مكسوراً لا يضخ دمه في الجسد اليمني الكبير.
ومن الجرم أن نمزقه بسيوف امتشقها أبطالنا من تحت جلودنا واعدين إيانا بالإنعتاق والخلاص قبل أن يشهروها في وجوه بعضهم تحت نيران القوة الإنقلابية الغاشمة وإذلال التحالف.
إن أبناء المحافظة اليمنية الأعلى سكاناً والأكثر ارتباطاً بحركة الأسواق وأدوات التحديث في البلد لا يمكن تطويعهم بشروط تعز الصغيرة.. إلا إذا كان عليهم أن يطردوا وجدانهم اليمني كحاجة وحالة، وفي ذلك إستحالة.
عمرها يا ليد.
*الكتابات والآراء المنشورة تعبر عن مواقف كتّابها ولا تمثل بالضرورة رأي “يمن مونيتور”.