منذ نحو عقدين، بدأت العلاقة بين جماعة صغيرة تسكن في شمال اليمن وإيران بتشجيع من الرئيس، حينها، علي عبد الله صالح، ضمن لعبة التوازنات؛ بحجة انتشار حلقات التدريس المنافسة لهم من المذاهب الأخرى في مناطقهم، السلفية وغيرها.
منذ نحو عقدين، بدأت العلاقة بين جماعة صغيرة تسكن في شمال اليمن وإيران بتشجيع من الرئيس، حينها، علي عبد الله صالح، ضمن لعبة التوازنات؛ بحجة انتشار حلقات التدريس المنافسة لهم من المذاهب الأخرى في مناطقهم، السلفية وغيرها.
بعد سنوات حولهم الإيرانيون إلى جماعة وكيلة لهم، موالية سياسيا، وأصبحوا مشكلة لحكومة صالح نفسه، الذي قام بربطهم بالجماعات الدينية في إيران، وتورط معهم في خمس حروب نتيجة هجومهم على قواته ودعواتهم لإحياء الإمامة التي هي مثل دولة الخلافة.
عُزل صالح من الرئاسة، التي دامت له نحو أربعين عاما، نتيجة للانتفاضة فيما عرف بالربيع العربي عام 2011، وكذلك نتيجة الإصابات التي لحقت به من محاولة اغتياله. وبعدها تحالف صالح مع خصومه الحوثيين، واستولوا معا على الحكم بالقوة، وهم اليوم يحكمون نصف اليمن تقريبا. هذا مختصر القصة الحوثية التي هي الآن طرف في معادلة الحرب اليمنية، وتثير أسئلة لا يمكن التقليل منها خلال المفاوضات الجادة للبحث عن حل للحرب هناك.
ولعل أهم سؤال يفترض أن يطرح هو حول مستقبل الحوثيين؛ لأنهم فريق خطير، ويقومون بدور لصالح إيران في لعبة إقليمية واسعة تستخدم فيها إيران وكلاء لها في العراق وسوريا ولبنان والبحرين وفلسطين. على الأرض، الحوثيون فريق عسكري قوي تمددوا حتى وصلوا إلى عدن جنوبا، تبعد ثمانمئة كيلومتر عن مركزهم في محافظة صعدة. وكان أول عمل قاموا به بعد الانقلاب الاستيلاء على مخازن سلاح الجيش اليمني، ونقله إلى مناطقهم، وصاروا في ليلة واحدة يملكون ترسانة عسكرية كبيرة.
ومن الواضح أن الإيرانيين كانوا قد هيأوهم لمثل هذا اليوم، وهناك تقارير تؤكد أن «حزب الله» قام بتدريب نحو ثلاثة آلاف مقاتل حوثي في الفترة التي تلت حربهم مع السعودية عام 2009. وتولى إطلاق محطات تلفزيونية ومواقع إلكترونية، وساعدهم على إدارة مناطقهم المحلية.
ويحاول الإيرانيون ترتيب وضع الحوثيين في اليمن ليصبحوا مثل «حزب الله» في لبنان، قوة عسكرية موالية لهم تدار من طهران. الحوثي مشروع الجيب الإيراني داخل اليمن وجنوب السعودية، على غرار «حزب الله» الذي يسيطر على الدولة اللبنانية، ويستخدمه الإيرانيون عسكريا ضد إسرائيل لأغراضهم السياسية.
هذه الصورة أصبحت واضحة ويقبل بها كثيرون ممن كانوا يشككون في صحتها مع بدايات حرب اليمن، مثلما كانوا يشككون في روايات وجود إيران عسكريا في سوريا، ولاحقا اعترفت طهران بذلك رسميا.
مع هذا، وفي رأيي، فإن الحوثيين مشروع فاشل، لن يكونوا نموذج «حزب الله» في لبنان؛ لاعتبارات متعددة، رغم أن طهران عملت كل ما يتطلبه المشروع لخلق التشابه، فهي أطلقت على تنظيمهم المسلح اسما مشابها، «أنصار الله» مثل «حزب الله»، وعلمتهم رفع صرخة دعائية مشابهة «الموت لأمريكا الموت لإسرائيل»، وقامت بتدريس مناهجها الدينية في مدارسهم، وتولت تدريبهم واختيار قياداتهم، وإنشاء وسائل دعاية لهم، وتدريبهم عسكريا على القتال، وتزويدهم بالأسلحة.
رغم هذا الإصرار الإيراني على خلق جيب عسكري فاعل، فإن العقبة الكبيرة التي تواجه الإيرانيين هي أن اليمن ليس كلبنان، يختلف كثيرا عنه. الحوثيون أقلية صغيرة في مجتمع سكاني كبير، وخلال السنوات المقبلة، سواء استمرت الحرب أو حل السلام، لن يكون سهلا عليهم فرض أنفسهم قوة مهيمنة، فنسبتهم من إجمالي السكان لا تزيد على خمسة في المئة فقط، ويسكنون في محافظة صعدة البعيدة جدا عن مركز الدولة، وهذا سيجعل قدرتهم على لعب دور محوري ومهيمن على بلد صعب التضاريس مهمة شبه مستحيلة، دون استيلائهم الكامل على الحكم في ظروف دولية مواتية.
عدا عن أن الحوثيين بعيدون مكانيا وأقلية سكانيا، فإن الجماعة تؤمن بفرع صغير خارج على إجماع الزيدية، المذهب الرئيسي في شمال اليمن. وسر قيام ونفوذ «حزب الله» هو احتلال إسرائيل جنوب لبنان أعطاه مبررا وادعاء شرعية المقاومة، وهذا أمر لا يتوفر للحوثيين، فالسعودية هي أكبر دولة داعمة لليمن، عندما كانت ملكية، ثم جمهورية. ولا يوجد أمام ملايين اليمنيين بديل لجارتهم وسوقهم السعودية.
كل هذه تجعل الحوثيين في وضع يختلف عن «حزب الله» في لبنان. وأجزم أن الاستقرار في اليمن سيضعفهم. أما الحرب، فهي التي تمنحهم دورا وقيمة، وعند التعاون مع قيادات اليمن السياسية والدينية سيمكن لاحقا تقليص وجودهم، ونزع أسنانهم.
الشرق الأوسط اللندنية