
1- حنين
الحزن قد يقذفُ بي إلى البئر
لا أحدَ من الأحياء يسمعُ صراخي
سأبقى وحيدًا في العتمة
أحلمُ بامرأةٍ لا أراها
أتذكّرُ الأشجارَ حين تبكي خوفًا
من وصولِ البشر فجرًا بالحبال
لتغدو غصونُها مشانقَ
للأغنامِ الهاربةِ من بهجةِ الأعياد.
2- دمُ الفراشة
أخذتُ من الفراشةِ
الوردةَ والدم
وكانت تلك
ليلتي الأخيرة على الأرض.
انصتي قبلَ النوم
قبلَ رحيلِكِ الأبديّ
إلى حديثِ الوردةِ الغافية
انصتي في سَيْرِكِ البطيءِ إلى الموت.
سيأخذكِ النسيانُ بعيدًا عنّا
الشمسُ زرقاءُ بلونِ الطفولة
زرقاءُ بلونِ الحب.
3- أتحدّثُ عن الزهرة
عن الزهرةِ أتحدّث
على بابِ البيتِ وهي تذوي
مثلما يذوي الزمنُ بي
ونغدو معًا في اليباسِ وفي اليباب.
هي الأسرعُ في الرحيل
الأكثرُ جمالًا وبراءةً ونقاء
اختارَها الملكُ
وأبقاني أذبلُ رويدًا رويدًا.
ذاتَ يوم سيطرقُ باب بيتي ملك
لا أراه ولا يحدّثني
فقط يقتادني صامتًا إلى الموت
لأرى الزهرة تنتشر في الكون
عبقًا وجمالًا لا يُضاهَى.
أتحدّثُ عن الزهرة
عمّا يعودُ ولا يفنى
أتحدّث أنا الراحل دون عودةٍ إلى التراب.
4-كيف نضحك أمام القتلة
امرأةٌ تتأمّل ملامحها في المرآة
خوفًا من رحيل الجمال
أمام مرور الزمنِ الغامض.
*
لم يجد الدموعَ
التي تجعلُهُ قادرًا على النسيان.
*
كل شيء مطفأ
كالرياح وهي تواجه عبث الأيام.
*
يرحل الحصان الميت
عن البيت الذي يختبئ به الألم والهجر
عن نوافذ المطر المبللة باللوعة والفراق.
*
يعود المهاجر إلى وطنه غريبًا
يشعل نارًا في ساقية الجفاف
ينتظر الرياحَ والمطرَ والغناءَ السحري
ينتظر بكاء الأمهات الذي افتقده في الرحيل.
*
ليس لتلك الطرق الموحشة
في الجبال البعيدة
غيرُ الحنين
غيرُ الجمالِ اللامرئي.
*
تعود المياه الجبلية متدفقة في القلب
تعود الرياح الجبلية حاملة ضوء الليل
موقظةً في الأرضِ الطلعَ والنسغَ
محبّةَ الشجرِ إلى النار.
*
يسير في شوارعها الغرباء
موتَى الندم وحنينُ الشجرِ إلى الماء.
*
لكنّكِ جميلةٌ في الهدوء الصامت
لم أركِ أبدًا جميلةً في الصخب.
*
يبقى لنا الحجرُ الجبليّ
وسادةَ الرأسِ
اللغةَ المقدسةَ للصمت
غطاءَ الأبديةِ
دمْعَ الأشجارِ خالقةِ الحب.
*
وحيدة في شرفات العتمة
في الطرق المظلمة إلى الحب وإلى الموت.
*
لا يسير الموتى إلى البحر
غَرِقوا في الحُفَرِ العميقةِ للأرض
حجرٌ وترابٌ كثيف
غطّى فُتات عظامهم.
*
وكنتُ كالدمعة
التي سقطَتْ على التربة…
وانطفأَت.
*
كم الحياة عابرة وقاسية
كغبار الرمال الزاحف على القرى
لا نرى بعده الماءَ والنخيل
لا نسمعُ الأنينَ والصّراخ.
*
لقد جعلتْنِي البحيرةُ عطشَى
إلى كأسِ نبيذ
والموسيقى أعطت قلبي
مزيدًا من الفرح والحزن في آن.
*
إلهي الذي يراني وحيدةً وعطشى إلى الحب
مَن أُحِبُّ خلف سياجٍ من الحديد
لن أصلَ إليه أبدًا.
*
أتحدّثُ: لِمَ تركَني الله وحيدًا بعد رحيل أمي؟
ليس في الأرض غيرُ الحنينِ إليها
بقعُ دمٍ تتناثر في أغطيةٍ صفراء
موتى وغرباء ونوارس
يجرفُها البحرُ إلى النسيان.
*
الشمسُ من حمل المحبّة
بعيدًا تركتْنا في ليلِ الأبدية.
*
تَبْدينَ أكثرَ جلالًا في الغياب
هادئةً كعصفورٍ ميّت.
*
امنحيني بعضَ بكائكِ
أيتها الحرية
امنحيني دمَ الغزالة
امنحيني جناحَ الطيرِ المهاجر
عبر البحارِ إلى المجهول.
*
لن أعود إليكِ أيّتها المدن الغبية
أيتها المدن حاملةُ الكآبة والعدم واللصوص
والمشوّهين من رداءةِ الأعماق.
*
التقيتُها وهي صبيّةٌ في جبال الجنوب الخضراء
في ذلك المساء الذي اختفتْ من ذاكرتي تفاصيله
بقيَ منه سمارُ لونِها وعذوبةُ ابتسامتِها
بقيَ مطرُ الجبالِ الناعم
يكسو قلبي بفراقٍ قادمٍ لا محال.
*
مع المطر يأتي صوتُ الصغيرة الغائبة
الصبية التي لن تعود
ولن يعود معها مطرُ الحقول.
*شاعر عُماني.
المصدر: ضفة ثالثة