كل الأمم العظيمة، خرجت من حروبها الفظيعة بوعي أكبر بالمواطنة وبالدولة، ونحن أمة يمنية خالدة، ابتلينا بإعاقات ممنهجة ومتجذرة لا تحبذ التغيير ولا تطيق التجدد. لا مكان في المستقبل المنشود لمن ملك السلاح خارج نطاق الدولة، وقام ليهدد ويقهر الشعب فارضاً إرادته بالقوة، كما لا مكان لمن سيعتقد أيضاً بقدرته على تحويل الجيش مجدداً إلى اقطاعيات له أو لغيره، ليتعامل حينها مع مؤسسات الدولة والوظيفة العامة والمال العام، بنفس التعامل المختل الذي تتحكم فيه مراكز النفوذ والهيمنة ذاتها التي رفضناها جميعا، بشكل أو بأخر، كما يفترض، أو حتى زعمنا رفضها.
فلا مكان للمستقبل المأمول، إلا لما يؤدي إلى دولة ومواطنة حقيقيتين، لا إلى يمن مرتهن لأشخاص وشلل، ولا إلى مواطنين تتم خديعتهم وتزيين استلابهم وفق المناطقيات والطوائف الموهومة والفجة.. ما لم فليستمر هذا الصراع المقدس لا سواه، حتى تنضجون وتعقلون كلكم كلكلم، شمالا وشمالا، وجنوبا وجنوبا، وجنوبا وشمالا، بلا إستثناء، بلا إستثناء.
وللتذكير فإنه بعد ثورة الشباب خذلتنا هيمنات ومفاسد الأحزاب والجماعات، المغلفة بالنعرات المناطقية والطائفية، وهي تتهافت من أجل حصصها في السلطة والثروة، وحتى الجغرافيا، ليدخل من يدخل مؤتمر موفمبيك بذات الوعي التقاسمي البشع في التعامل مع فكرة الوطن ومؤسسات الدولة ومفاهيم المواطنة.
وعليه، فإن من يتصور أنه بعد كل هذه الحرب سيكرر خطأه التاريخي بالفهلوة أو بالقوة، فهو واهم وأبله، حتى لو أراد الخارج ذلك، وحتى لو استمرت كل مراكز قوى ماقبل الدولة – بمختلف توجهاتها وبالرغم من كل خلافاتها- تتطابق في مواصلة نعراتها التحاصصية البدائية المشوهة نفسها، مبررة لممارساتها أيضاً وهي تتكالب كالضباع على الدولة وعلى القانون وعلى الفرد، بينما جوهر القانون العادل أنه لكل المواطنين كمواطنين بلاتمييز، فلم- ولن- يختص بإصطفاء وتقديس الشلل التي تريد إحتكار إرادة الشعب لصالحها.
والمعنى أن على هذه الشلل المأزومة الإستعداد الذهني والنفسي من الآن، لمغادرة وعي المنتصر الذي يؤمن بقدرته على فرض إرادته على المهزوم القابل بماسيتم فرضه عليه، وبالضرورة مغادرة وعي تحاصصات اللامنتصر واللامهزوم معا، وذلك ببساطة متناهية لأن المستقبل السوي الذي ضحى من أجله الشعب هو الذي لا تسلط فيه لشلل الأحزاب والجماعات، ما بالكم بالاستئثارات المناطقية والطائفية التي تريد أن تكون بإسم الشعب كذلك!
ويا للانفصام المروع ياساسة الغفلة!
وعليكم أن لا تستحثوا الخطى في السير بهذا الإتجاه الخاسر، وعليكم أن تفرقوا بين شللكم وبين الشعب، وعليكم أن تفيقوا، وأن تصدقوا مع أنفسكم ومع الشعب، من خلال تصحيح المسارات المنحرفة التي لا ينبغي أن تستهويكم مستقبلا، قبل أن تسقطوا مجددا في أعين الشعب والتاريخ.
والحاصل أن كل الأمم العظيمة، خرجت من حروبها الفظيعة بوعي أكبر بالمواطنة وبالدولة، ونحن أمة يمنية خالدة، ابتلينا بإعاقات ممنهجة ومتجذرة لا تحبذ التغيير ولا تطيق التجدد.
لذلك فإن علينا إستيعاب قدرنا الذي لامفر منه، وهو أن نروض المستحيل من أجل تحقيق حلمنا المستقبلي الجمعي المتمثل في سيادة وانبعاث دولة القانون والتقدم، وأن نجابه كل التحديات بشكيمة وطنية باسلة لا تعرف الارتهانية لإستغلالات الخارج ولا لإستبدادات الداخل.. وتحديدا حين ندرك جيدا من هم أعداء تطورنا وتحررنا هنا وهناك، من هم أعداء الشراكة والتعايش والتنوير والنهوض والتمدن والحقوق والواجبات المتساوية، حتما سننجو.
وغداً، حين تسأمون من مكائد الطائفية وقسوتها، ستعرفون جيدا، كيف أنها شوهت أرواحكم ودمرتها، بلا أدنى شفقة.
لكن يبقى على كل فصيل في المقاومة إعادة إعتبار للشراكة الوطنية واحترام المصير الواحد اليوم.. وإلا فإن اقصائيتكم لبعضكم أبشع من اقصائية الحوثي لكم.