هل تستطيع القوى العربية التأثير على دونالد ترامب بشأن غزة؟
![](https://www.yemenmonitor.com/wp-content/uploads/2024/11/ترامب.jpg)
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
لن يحقق الرئيس الأميركي دونالد ترمب كل الأهداف التي ترتكز عليها معاركه مع مختلف البلدان في مختلف أنحاء العالم. ولكن في حين أنه من المؤكد تقريبا أنه سيقدم تنازلات بشأن بعض القضايا بمرور الوقت، فمن غير المرجح أن يتراجع تماما في أي من الحالات.
وعلى الرغم من ادعاءاته المتكررة بكرهه للحرب، فقد هدد بعض الدول باستراتيجيته “للضغط الأقصى”، بل وهدد ضمناً بالعمل العسكري. وهو يطمح إلى أن يتذكره الناس باعتباره صانع سلام، إلا أنه يبدو وكأنه يزرع بذور الصراع.
إن إحدى المناطق التي تقع في مرمى نيران الرئيس الأميركي هي الشرق الأوسط، حيث يتفاخر بالعدالة. ومع ذلك، فإنه يتحدث بلغة التهجير القسري، ويسعى إلى تحويل الكارثة الإنسانية في غزة إلى فرصة استثمارية مربحة للمطورين.
ويبدو أن السيد ترامب مقتنع بأنه يعرض حلولاً للفلسطينيين، وخاصة سكان غزة، لكنه لا يتردد في تهجيرهم من وطنهم. وهو يدرك أيضاً أنه يؤيد الرؤية التوسعية الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة.
لقد رفض الزعماء الإسرائيليون المتعاقبون إقامة دولة فلسطينية، لأنهم ينظرون إلى الأردن باعتباره “الوطن البديل للفلسطينيين”. ولطالما أشارت إسرائيل إلى أن ما يسمى “القنبلة الديموغرافية” ــ السكان الفلسطينيين المتزايدين ــ يستلزم إفراغ غزة والضفة الغربية من خلال خطة “النقل” ، التي ربما تمتد إلى الفلسطينيين داخل إسرائيل نفسها (الأراضي المحتلة).
تكمن المأساة في حقيقة أن إسرائيل سهّلت في الأصل صعود حماس، مستخدمة وجودها كذريعة لتنفيذ إجراءاتها الوحشية واستراتيجياتها التوسعية. في البداية، رأت حماس نفسها كمنافس على السلطة مع منظمة التحرير الفلسطينية، لكن هجماتها على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 مهدت الطريق منذ ذلك الحين لاستعراض القوة من جانب إسرائيل وكذلك خطاب السيد ترامب الحاد.
لقد كان الرئيس الأميركي جريئاً بما يكفي ليطالب مصر والأردن بفتح حدودهما أمام الفلسطينيين من غزة. كما أعلن صراحة أنه يدرس سبل دمج الضفة الغربية مع إسرائيل.
لقد وضع الملك الأردني عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في موقف صعب، مما يعني ضمناً أنهما يمتثلان لمطالبه لأن واشنطن تقدم المساعدات لكلا البلدين. وفي القيام بذلك، أظهر السيد ترامب القليل من الاهتمام بالتداعيات الدبلوماسية والسياسية لما هو في الواقع ابتزاز اقتصادي وسياسي.
إن التحدي الحقيقي سوف يأتي عندما يلتقي الزعيمان السيد ترامب في البيت الأبيض. وبصرف النظر عن أي تضامن عربي يحاولان استحضاره، فإن الرئيس الأميركي لن يتردد في طرح المطالب التي يعتبرها معقولة، متوقعا الامتثال.
ومن ثم فإن موقف المملكة العربية السعودية، كما عبر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالغ الأهمية. ذلك أن معارضة الأمير محمد لرؤية السيد ترامب وإصراره على حل الدولتين تحملان ثقلاً كبيراً. وقد تخدم هذه المعارضة في التأثير على استعداد الأخير للتراجع عن موقفه المتطرف.
إننا نأمل أن لا يحاول السيد ترامب، سواء عن علم أو عن جهل، توريط السعودية في مناوراته، معتقداً أن الرياض سوف تستسلم في نهاية المطاف. ومن الأفضل له أن يفهم أن إجبار الزعماء العرب على الخضوع لإرادته له حدوده.
ولكن هذه لحظة حاسمة لأن السيد ترامب لا يبدو وكأنه يخادع بشأن خطته بشأن غزة، ومن غير المرجح أن يتراجع. قد يخفف من بعض مواقفه المتطرفة، لكنه لن يتخلى عنها بالكامل. وإذا عُرضت عليه خريطة طريق قابلة للتطبيق للنزول إلى المنحدر، فقد يعدل موقفه. ولكن إذا شعر بأنه محاصر، فمن المرجح أن يضاعف موقفه المتشدد.
يتعين على القيادات العربية، وخاصة القيادة الفلسطينية، أن تتحرك بسرعة وبشكل استراتيجي للتغلب على هذه المشكلة. ورغم أن المساهمات المالية العربية في إعادة إعمار غزة تشكل أداة ضغط قيمة، فإنها غير كافية بمفردها. وسوف تحتاج القوى العربية الرئيسية إلى استكمال الضغط المالي باتخاذ إجراءات دبلوماسية واستراتيجية.
وعلى أقل تقدير، يتعين على الزعماء الإقليميين أن يصروا على أن يضمن السيد ترامب قانونيا عودة سكان غزة النازحين بعد إعادة الإعمار حتى لا يتحول النزوح المؤقت إلى نزوح قسري دائم. ولابد من إرغامه على ضمان عدم ضم إسرائيل لغزة وأن تكون هذه الضمانات موثوقة وملزمة. ولابد من توجيه المساعدات نحو مساعدة سكان غزة على البقاء في غزة، بدلا من دفعهم إلى المنفى الطوعي.
من المؤكد أن المعارضة السياسية والدبلوماسية الدولية لخطط السيد ترامب أمر بالغ الأهمية، ولكن حتى هذا لن يكون كافيا.
وتأتي المواجهة بشأن غزة في وقت اتهمت فيه الرياض الحكومة الإسرائيلية بمواصلة “عقلية متطرفة احتلالية” وسط خلاف متزايد بشأن ادعاء الأخيرة بأن المملكة العربية السعودية يمكنها إيواء ملايين الفلسطينيين على أرضها. وفي بيان شديد اللهجة يوم الأحد، اتهمت وزارة الخارجية السعودية إسرائيل بارتكاب “جرائم متواصلة” و”تطهير عرقي” للشعب الفلسطيني.
من وجهة نظر الرئيس الأميركي، تحتاج إسرائيل إلى واشنطن لتحقيق أهدافها. وبالتالي، فإن تفكيره يتركز حول إطار أمني أميركي إسرائيلي مزدوج يملي النظام الجديد في الشرق الأوسط. وسوف تكون إيران في قلب العاصفة بسبب مطالب السيد ترمب فيما يتصل ببرنامجها النووي ونفوذها الإقليمي. فقد تم تحييد حزب الله في لبنان إلى حد كبير، وتم تقليص نفوذ طهران في غزة، واحتواء وجودها في العراق، ويتم وضع استراتيجيات لقطع نفوذها في اليمن.
تشكل المملكة العربية السعودية أولوية قصوى بالنسبة لترامب، فهو يراها شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا وينظر إليها باعتبارها العمود الفقري لمقترحه “صفقة القرن” مع إسرائيل. وتشير التقارير إلى أن أول زيارة خارجية لترامب ستكون إلى المملكة العربية السعودية.
وفي الوقت نفسه، تظل إيران أيضًا محورًا رئيسيًا لترامب بسبب أجندته النووية، مما يضع المنطقة عند مفترق طرق حساس. وينطبق هذا بشكل خاص إذا اتخذت طهران إجراءات انتقامية أو احترازية ضد إسرائيل في محاولة لتعطيل الخطط الأمريكية الإسرائيلية. ويلعب النفط دورًا حاسمًا في هذه الاعتبارات، وخاصة تقلب الأسواق العالمية وتأثيرها على الأسعار. ومع ذلك، يعتزم ترامب توسيع العقوبات على صادرات النفط الإيرانية وإنفاذها.
إن النهج العام الذي ينتهجه الرئيس الأميركي، سواء في المنطقة أو خارجها، يعتمد على تحديد مطالب عالية على الطريقة “الترامبية” النموذجية، باستخدام مزيج من الحوافز والتهديدات ــ أسلوب العصا والجزرة الكلاسيكي. ولكن ما يظل حاسما هو الكيفية التي يتعامل بها مع التراجع عن التوقعات العالية التي حددها ــ كما فعل للتو في الشرق الأوسط.
إن السيد ترامب ماهر في خلق حالة من الارباك والصدمة، ثم يتراجع إلى الوراء لمراقبة الاستجابة، وتقييم ما إذا كان يواجه عقبات كبرى أو مجرد انتكاسات طفيفة. ثم يقوم بتعديل وصقل نهجه، لكنه لا يتراجع تماما أبدا. ومعرفة هذا هو المفتاح للتعامل معه بشكل فعال.
نشرت أولاً في “ذا ناشيونال”