الأخبار الرئيسيةغير مصنف

“المتارس” الإعلامية للحرب في اليمن (تحليل)

مصطلح “الإعلام الحربي” جديد على الاعلام اليمني، وظهر متزامناً مع انقلاب الحوثيين على السلطة في 2014. يمن مونيتور/ خاص/ من محمد الرجوي
من المعلوم أن “الاعلام” هو خط التماس الأول في الحروب، لذلك يتم توظيف الإعلام كجزء من الدعاية التي تستطيع أن تحشد الرأي العام حول قضية بعينها، سواء من خلال المصداقية أو المبالغة والتضليل والكذب، ومن ينجح في تقديم الصورة السلبية للعدو، وإبراز الصورة الإيجابية لنفسه، قد ينجح إلى حد كبير في حشد التأييد وتغذية الاعتقاد بأن ما يقوم به من عمل هو لمصلحة القضية والوطن ككل. وفي الوقت الحالي أصبح ينظر إلى الإعلام باعتباره المعيار الذي تقاس به كفاءة الأداء العسكري والسياسي والاقتصادي للأنظمة المعاصرة، فلا نجاح بدون إعلام ناجح.
الإعلام الحربي
قد يبدو هذا المصطلح “الإعلام الحربي” جديداً وغريباً على الاعلام والمجتمع اليمني ككل، فلم يظهر هذا المصطلح إلا مع انقلاب جماعة الحوثي المسلحة على السلطة وبداية دخولها في حرب مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية إثر انطلاق عاصفة الحزم في 28 مارس 2015.
ولكن في الحقيقة؛ ظهر هذا المصطلح في الاعلام العربي من قبل، وخاصة في لبنان والعراق وسوريا. فهناك الاعلام الحربي المركزي التابع لحزب الله اللبناني، الذي يحمل شعار “عدسة المقاومة في الجبهات”، وهناك كتائب الاعلام الحربي “داعم نداء المرجعية” في العراق، كما تدعم شبكة الاعلام الحربي السوري نظام بشار الأسد.
ولعل المتصفح لمواقع هذه المراكز يجد أنها خصصت قسماً خاصاً للحرب الدائرة في اليمن؛ فمثلاً موقع كتائب الإعلام الحربي العراقي خصص أقساماً للحرب في اليمن وسوريا والعراق والبحرين، كما تظهر نفس الأقسام على موقع الإعلام الحربي المركزي اللبناني كملفات ساخنة، ويظهر التقسيمم ذاته على موقع “عربي برس” كأخبار عربية عن هذه الدول فقط.
ولعل المتابع العادي يستطيع أن يستنبط الروابط الايدولوجية بين كل هذه المواقع وتأثيرها على الإعلام الحربي في اليمن، خاصة وأن تلك المواقع تساهم في تنشر أخبار المعارك التي يخوضها الحوثيين بشكل يومي.
ويؤكد على ذلك محرر الأخبار بقناة بلقيس، عبدالرقيب الإبارة، حيث يشير إلى أن “هذا النوع من الإعلام يرتبط بالجماعات وليس الجيوش النظامية التي غالباً ماتستخدم مصطلح الإعلام العسكري”، وهذا بالضبط ماحدث مع الإعلام العسكري للجيش السوري، فبعد تفكك الجيش وتحوله إلى ميليشيات طائفية، تحول من استخدام الاعلام العسكري إلى الإعلام الحربي.
استخدام هذا المصطلح يضع نوعاً من الايحاءات في عقول المشاهدين تثير اهتمامهم بشكل كبير، وخاصة أولئك اللذين يعيشون حالة الحرب. فكما يقول الصحفي ضيف الله القهالي، مدير الأخبار بقناة صنعاء، إن “الإعلام الحربي  مصطلح يوحي بأن ثمة صلة قوية للإعلام بالحرب واشتداد المعارك و تغطيتها من ميادين الجبهات، وهو مصطلح يشد انتباه المشاهد أو المستمع كثيراً  نحو المادة المعروضة على الشاشة أو المذياع”.
ويؤكد الناشط الإعلامي، ابراهيم الذيفاني، على أن “مصطلح الإعلام الحربي اسم قوي جداً، لكنه محسوب على الحوثيين والرحكات المشابهة لهم “مذهبياً”، لذلك نرى في الفيديوهات الخاصة بهم دائماً مايشيرون إلى الاعلام الحربي كما في لبنان وسوريا واليمن، ولذلك أنا ضد استخدام هذا المصطلح من جانب الشرعية، لأنه يدعو إلى الحرب والتدمير”.
الانقلابيون في مواجهة الشرعية
إذا ماقمنا بتحليل بسيط لأداء الاعلام الحربي (الانقلابي) والإعلام العسكري (الشرعي) سنجد فروقاً واضحة في طريقة عمل وأداء كل من الطرفين. فإعلام الحوثي يتميز بانتشاره في أغلب جبهات القتال، و”متواجد في  كل الجبهات والمحافظات التي تقع تحت سيطرة المليشيات، ويغطي الأحداث بصورة مكثفة”، كما يرى القهالي، ويؤيده الإبارة، في أن “الاعلام الحربي لديه مراسلين في كل الجبهات، مما يزيد من كمية التغطية الاعلامية ونشرها على نطاق واسع”. بينما نجد كمية المواد الاعلامية التي ينشرها اعلام الشرعية قليلة جداً، بالرغم من امتلاك الشرعية لعدد كبير من المتخصصين والمؤهلين ولكن طاقاتهم مشتته. كما يرى الذيفاني أن “اعلام الحوثيين ينتشر في العديد من الوسائل الاعلامية المحلية كالصحف والاذاعات والقنوات التلفزيونية، كما يضم فريق الانقلابيين كوادر أجنبية ذات خبرة عالية، بالإضافة إلى انفاق الحوثيين مبالغ كبيرة على الاعلام، فمعركتهم إعلامية أكثر من كونها حربية”.
ومن جانب آخر ما يزال اعلام الشرعية يمتلك نقاط قوة عديدة من أهمها “الشرعية” و”استعادة الوطن” من الفئة الانقلابية. وهذا يجعل أداء الاعلام الشرعي أكثر قبولاً لدى المواطن على الرغم من قلة التغطية الاعلامية. حيث يرى الإبارة أن “الشرعية تمتلك زمام الهجوم في العديد من الجبهات، مايعني أنها قادرة على نقل مايجري بشكل أكثر دقة ومصداقية”، بينما يقع الحوثيين في الكثير من المغالطات وتزييف الحقائق التي قد تبدوا مؤثرة للوهلة الأولى، ولكن سرعان ما ينقلب السحر على الساحر في حال كشف اعلام الشرعية لزيف ادعاءات الانقلابيين وفضحهم.
الشجاعة والتضحية في نقل الأحداث لدى اعلام الانقلابيين تبدو أكثر وضوحاً منها لدى اعلام الشرعية، فالعديد من مقاطع الفيديوهات التي ينشرها الحوثيين تحوي على مشاهد من أرض الحدث، وفي بعض الاحيان، يتم تصوير الفيديوهات من مسافة قريبة جداً لخط التماس، كما نجد أن بعض الفيديوهات تركز على تحفيز المقاتلين على الشراسه في القتال والتضحية بشكل جنوني أحياناً. بينما تركز بعض تغطيات اعلام الشرعية على المناطق المحررة والتي في الغالب يتم التقاط الصور والفيديوهات فيها بعد انتهاء المعركة. كما يركز الاعلام العسكري الشرعي على ابراز مواقف القادة العسكريية (بعد استشهادهم) وليس أثناء تواجدهم في الخطوط الأمامية، مما يثير الحزن والهزيمة النفسية لدى الجنود، والذي من المفترض أن يعيشوا جواً من الحماس والروح القتالية العالية لا أن يذرفوا الدموع على من استشهد منهم.
3 مهمات لتطوير إعلام الشرعية
1- توحيد الجبهة الإعلامية
المشكلة الرئيسية التي يتفق عليها جميع اعلاميي الشرعية هي تشتت الجبهة الاعلامية؛ فهناك العديد من المراكز الاعلامية التي تعمل بشكل منفرد ومحدود، مما يضعف أدائها ويقلل من تأثيرها. فلدى الشرعية المركز الاعلامي للقوات المسلحة، والمركز الاعلامي لمقاومة صنعاء، والمركز الاعلامي لمقاومة تهامة، والمركز الاعلامي لمقاومة تعز، والمركز الاعلامي لمقاومة اقليم سبأ، والمركز الاعلامي للمنطقة العسكرية الخامسة، والمركز الاعلامي للثورة اليمنية، وغيرها الكثير. لكن كل هذه المراكز، كما يقول الذيفاني: “مشتتة بشكل كبير، حيث لا توجد جهة اعلامية عليا تابعة للشرعية، فهناك مراكز بالعشرات ولكن بدون جبهة موحدة تنشر باسم الجميع. تنقصنا المطابخ الاعلامية والمحطات الاذاعية والتواجد بشكل أكبر على الاعلام الاجتماعي”.
 كما يرى القهالي أنه “لا يوجد إعلام حربي يتبع الشرعية  سوى بضع قنوات جميعها تعمل دون موجهات سياسة أو إعلامية موحدة، لذا فكل قناة  تغرد لوحدها. فخلال أكثر من عام ونصف والجيش والمقاومة يحرران المنطقة تلو الأخرى، حتى  وصلوا الآن  إلى مشارف صنعاء وحرروا محافظات كاملة من المليشيات، ولكن قبل ما يقرب من أكثر من شهر واحد تقريباً، بدأ الجيش في انشاء مركزاً إعلامياً له، وفي الحقيقة ما يزال المركز دون المستوى المطلوب لإعلام يواكب المعركة الكبرى التي  يخوضها أبطال الجيش والمقاومة لتحرير كامل الوطن من الإمامة الكهنوتية الحديثة”. ويضيف الإبارة أن “دور الإعلام العسكري للشرعية ضيف في نقل الصورة لأسباب مجهولة، وكذلك اعلام التحالف واقع في نفس الضعف”.
 2-الانتقال إلى مرحلة الخطاب التفاعلي بدلاً من الاخباري
هناك ثلاث مراحل يمر بها الإعلام خلال الأزمات؛ وهي مرحلة نشر المعلومات، ثم مرحلة تفسير و توجيه المعلومات، ثم مرحلة التفاعل مع المعلومات ودفع المشاهدين للعمل والتحرك في اتجاه معين حسب المخططات الاعلامية لكل مؤسسة. ولعل أفضل مثال لذلك هو كيفية تعامل اعلام الانقلابيين مع حادثة قصف القاعة الكبرى بمحافظة صنعاء؛ حيث بدأت المرحلة الأولى ببث الفيديوهات على مستوى واسع على كافة الوسائل الاعلامية، ثم تلتها مرحلة تفسير المعلومة على أنها انتهاك لأخلاقيات الحرب واستمرار للعدوان، ثم جاءت مرحلة الدفع بالجماهير بالتحرك للرد على هذا العدوان عن طريق تحريض الجماهير على التوجه إلى الجبهات على الحدود اليمنية السعودية.
ولكن في المقابل لا نجد استخدام اعلام الشرعية للمرحلة الثالثة بالدفع بالجماهير نحو رفض الوجود الحوثي في المناطق التي يسيطر عليها، أو محاولة دفع الناس للعزوف عن المشاركة في الجبهات مع الحوثيين، بل كثيراً مايتردد في اعلام الشرعية شعارات “قادمون يا صنعاء”، ولكن المواطن لا يجد خطاباً يدفعه نحو المشاركة في هذا الحدث، فيبدأ في التشكيك في شعارات الشرعية، ومع مرور الوقت، تبدأ الجماهير في فقدان حماستها للقضية.
 3- التركيز على اللاعب الدولي وتوجيه خطاب خاص له
تؤثر وسائل الإعلام العسكري في الرأي العام الإقليمي والدولي بما يجعله متعاطفاً مع رأي الدولة القائمة بالعمليات العسكرية، أو بما يسهل أعمال المساعدة والدعم المدني والعسكري والدبلوماسي، ويؤدي ذلك إلى كسب تأييد الرأي العام الإقليمي والدولي تجاه القضية، كما يساعد في الدفاع عن القضية والتصويت بجانبها في المحافل الدولية، وكسب تأييد الحكومات بما يؤثر على الإمداد المادي والعسكري وتسهيل طرق الإمداد البديلة. ويعمل الاعلام العسكري أيضاً على تهيئة الرأي العام الإقليمي والدول الصديقة لاتخاذ موقف جماعي يؤثر على العدو أو المتعاطفين معه. لذلك بتوجب على المسؤولين عن اعلام الشرعية الظهور بشكل مستمر في سائل إعلامية اقليمية ودولية لشرح وتوضيح ما وصل إليه الوضع اليمني جراء الانقلاب على الشرعية، وعدم الاقتصار على الإعلام الخليجي فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى