أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

الاحتكار والسيطرة.. كيف يؤثر حظر الحوثيين لـ”طحين القمح” على اليمنيين؟

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص

في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت جماعة الحوثي في الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري، قرارًا بمنع استيراد مادة الدقيق عبر موانئ الحديدة والصليف الخاضعة لسيطرتها غربي البلاد.

القرار الذي بررته وزارة الصناعة والتجارة التابعة للجماعة في صنعاء بالسعي لتوطين الصناعات المحلية، أثار جدلاً واسعًا وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في البلاد مع تهديد الأمن الغذائي والذي يأتي قبل شهرين فقط من شهر رمضان، وهو ذروة الطلب والاستهلاك، مما يزيد من مخاطر التضخم.

وذكرت مصادر صحفية أن الحوثيين هددوا التجار بالسجن والغرامة وسحب التراخيص في حال مخالفة هذه التوجيهات.

يُعد ميناء الحديدة الميناء الرئيس في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يمد هذه المناطق بوارداتها من المواد الغذائية والتموينية والمشتقات النفطية، وهي المناطق التي يقطنها أكثر من 75% من السكان، ويعتمد اليمن على آلية الاستيراد بنسبة تزيد عن 90% لتوفير احتياجاته من المواد الغذائية والسلع التموينية، مما ينذر بكارثة إنسانية من شأنها تفاقم الأزمة الإنسانية أكثر. وفق ما ذكرته تقارير أممية سابقة.

 

احتكار وأسواق سوداء

ويبلغ سعر كيس الدقيق عبوة 50 كيلوغرامًا في مناطق سيطرة الحوثيين 14,200 ريال يمني، أي ما يعادل 26 دولارًا. ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار الدقيق وتفاقم نشاط السوق السوداء، مما يزيد من تعقيدات الأزمة الإنسانية في ظل توقف المساعدات الإغاثية.

ويعلل الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي في حديث لـ”يمن مونيتور” إجراءات جماعة الحوثي بمنع استيراد الدقيق الى محاولة واضحة لفرض احتكار هذه السلعة الأساسية، وذلك عبر التضييق على التجار المستقلين والسماح فقط لتجار الجماعة بالتحكم في السوق، هذه الخطوة تعكس استغلالهم للمنافذ التجارية لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية على حساب معاناة الشعب اليمني، في ظل أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم”.

ويتابع العوبلي: من الناحية العملية، اليمن يعتمد بشكل كبير على استيراد القمح لتغطية الاحتياجات الغذائية الأساسية، حيث إن الإنتاج المحلي لا يكفي لتلبية استهلاك السكان المتزايد، منع استيراد الدقيق من قبل التجار العاديين يعني فتح الباب أمام تجار الجماعة لاحتكار السوق، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير وتقليل القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر.

هذا الإجراء يعمق أزمة الغذاء ويهدد الأمن الغذائي في اليمن ـ وفق حديث العوبلي ـ  حيث يصبح ملايين اليمنيين عرضة لمزيد من الجوع وسوء التغذية، علاوة على ذلك، فإن هذه الخطوة تُظهر استخدام الحوثيين لموارد الدولة والمنافذ التجارية كأداة للهيمنة والسيطرة، غير آبهين بتفاقم معاناة الشعب.

مشددا على ان استمرار هذه السياسات يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً للضغط من أجل وقف هذا الاحتكار وضمان بقاء الواردات مفتوحة أمام جميع التجار دون قيود أو استغلال.

أكياس من طحين القمح في ميناء الحديدة غربي اليمن -ارشيفية

استيراد مرتفع

أكد المحلل الاقتصادي رشيد الحداد أن القرار الأخير بشأن تقليل استيراد الدقيق وإعلان توطين مادة القمح أثار جدلًا واسعًا في الأوساط اليمنية. وأوضح أن القرار كان لافتًا، خاصة وأن اليمن تعتمد بشكل كبير على الواردات الخارجية، حيث تستورد نحو 90% من احتياجاتها من القمح، بما يعادل 3.3 مليون طن سنويًا.

وعلى الرغم من اتفاق الحداد مع تبرير وزارة الصناعة التابعة للحوثيين، إلا أنه أشار في حديثه لـ”يمن مونيتور”: أن جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي لا تزال في مراحلها الأولى، ورغم وجود بعض الخطوات في هذا الاتجاه، إلا أنها تُعتبر بطيئة وبسيطة ولا تصل إلى مرحلة تلبية الاحتياجات.

وقال المحلل الاقتصادي المطلع على تفكير الحوثيين إن الحديث عن الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الحبوب لا يزال بعيدًا، لكنه لفت إلى أن “البلد يشهد تنافسًا محمومًا بين المطاحن المحلية والمستوردة خلال السنوات الأخيرة، هذا التنافس دفع القيادات العليا إلى إصدار قرار بمنع استيراد الدقيق من الخارج، والاعتماد على الإنتاج المحلي، في خطوة تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص على زيادة إنتاج محاصيل الحبوب”.

وأوضح أن البلاد كانت تستورد كميات كبيرة من الدقيق خلال السنوات الماضية، ما أثر سلبًا على أداء وإنتاجية المطاحن المحلية، وأدى إلى توقف العديد منها عن العمل، وهو ما تسبب بخسائر كبيرة للاقتصاد الوطني.

 

الاستيراد الخارجي

وتقدّر فاتورة استيراد القمح والدقيق إلى اليمن بحوالي 700 مليون دولار سنويًا، وفقًا لدراسة صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة التابعة لجماعة الحوثيين بصنعاء، كما يستورد اليمن معظم احتياجاته من القمح من أستراليا وأمريكا وروسيا، ويعتمد على الاستيراد لتلبية أكثر من 95% من احتياجاته الاستهلاكية من القمح.

يُنتج اليمن حاليًا حوالي 150,000 طن من القمح سنويًا، بينما تبلغ الفجوة الغذائية في المحصول 94%.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة فمن المتوقع أن يواجه ما يصل إلى 18 مليون شخص (أكثر من 50 في المائة من إجمالي سكان البلاد) انعدام الأمن الغذائي بحلول فبراير/شباط 2025.

كما أن انتاج الحبوب تراجع عام 2024 إلى مستوى أقل بقليل من المتوسط، ويرجع ذلك أساسا إلى الظروف الجوية الجافة في وقت الزراعة في المحافظات الرئيسية المنتجة للمحاصيل وهي الحديدة وحجة وذمار، والوصول المحدود إلى المدخلات بسبب ارتفاع التكاليف.

يمنيان يتلقيان مساعدات من الأمم المتحدة في صنعاء- ارشيفية (يمن مونيتور)

أداة ضغط وتجويع

وفيما يرى الحوثيون أن حظر استيراد الدقيق يأتي “لتخفيض فاتورة الاستيراد وكذا للحد من إغراق الأسواق بالمنتجات الأجنبية المنافسة وحماية للمنتجات الوطنية المحلية”؛ يصف وكيل وزارة الإدارة المحلية للشؤون المالية والإدارية عبداللطيف الفجير، مواصلة جماعة الحوثي في فرض إجراءات مشددة على استيراد الدقيق عبر ميناء الحديدة، رغم علمها بأن الإنتاج المحلي لا يمكنه تلبية احتياجات السوق اليمني بأداة ضغط وتجويع.

ولفت الفجير الذي يعمل وكيلا لدى الحكومة المعترف بها دوليا  في حديث لـ”يمن مونيتور” أن هذا القرار يهدد بزيادة معاناة المواطنين في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية، ما قد يؤدي إلى أزمة غذائية حادة في البلاد.

“يبدو أن جماعة الحوثي تنتهج سياسة التجويع كأداة للضغط على الشعب اليمني، بهدف إضعاف مطالبه الحقوقية وتركه منشغلاً بتأمين قوته اليومي بدلاً من المطالبة بحقه في الحياة الكريمة. وهو ما تخشاه هذه المليشيات التي تواصل تصعيد الأزمات للسيطرة على الوضع الداخلي”- يقول الفجير.

ويتابع: اليوم تدرك الجماعة الحوثية أن الشعب اليمني بات قنبلة موقوتة، ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار في وجه هذه القوى الظالمة التي مارست الانتقام ضده على مدار سنوات، ورغم محاولاتها المتواصلة في تفعيل الأزمات المختلفة، مثل أزمة النفط والغاز والرواتب، إلا أنها تغفل حقيقة أن الشعب اليمني الذي صبر طويلاً على تعسفها لن يتوانى عن الرد في الوقت المناسب.

ويقول الحوثيون إن برنامج توطين المنتجات مستمر “لعدد من السلع والمواد الغذائية”.

ومع استمرار الخلافات حول قرار منع استيراد الدقيق، يبقى السؤال مطروحًا: هل يستطيع اليمن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والدقيق في ظل أزماته الاقتصادية المتفاقمة؟ أم أن القرار سيؤدي إلى مزيد من الجوع والمعاناة في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

 

تحذير الأمم المتحدة

تجيب منظمة الأمم المتحدة للزراعة (الفاو) على هذا التساؤل بالقول إن قرار الحوثيين بحظر استيراد طحين القمح “قد يفيد سوق العمل والاقتصاد على المدى الطويل، إلا أن الحظر المفاجئ، دون فترة انتقال كافية، بالإضافة إلى ضعف القدرة المحلية على طحن القمح ووجود احتكار في هذا المجال، يثير قلقاً”.

وأضافت أن قرار الحوثيين “سيؤدي إلى انخفاض الواردات، وتعطيل التجارة والإمدادات، وزيادة أسعار طحين القمح في المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا القرار يحفز التجار على استيراد طحين القمح عبر ميناء عدن، مما يتسبب في تكاليف نقل كبيرة، ورسوم لتجاوز العوائق، وضرائب مزدوجة من قبل سلطات صنعاء، والتي سيتم في النهاية نقلها إلى المستهلكين على شكل أسعار أعلى”.

ومع ارتفاع سعر الدقيق، من المتوقع أن تظل القدرة الشرائية للأسر في مناطق الحوثيين ضعيفة للغاية، مما يؤدي إلى محدودية الوصول إلى الغذاء خلال شهر رمضان المبارك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى