كتابات خاصة

مأزق صعب للقطاع البنكي في اليمن

يقف القطاع المصرفي اليمني أمام مفترق طرق وخيارات صعبة للغاية، بعد أن طالت العقوبات الدولية، لأول مرة، أحد أكبر البنوك التجارية في اليمن، بفعل السياسات الحوثية التي تعرض البنوك والمصارف لمخاطر العزلة الدولية وتجردها من أبرز وظائفها المالية على مستوى التعاملات الخارجية.

قبل أن تعلن الخزانة الأمريكية العقوبات على بنك اليمن والكويت، بتهمة مساعدة جماعة الحوثي في الوصول إلى النظام المالي الدولي، كانت قد فرضت عقوبات مسبقة على قيادات وكيانات ومنشآت صرف مرتبطة بجماعة الحوثي، من بينهم القيادي الحوثي هاشم إسماعيل، محافظ ما يسمى بالبنك المركزي بصنعاء في التاسع عشر من ديسمبر الماضي.

مثلت تلك الإجراءات نقطة تدحرج في تمدد لائحة العقوبات لتشمل بعد ذلك بنك اليمن والكويت، أحد البنوك التجارية في اليمن، والذي يتواجد مقره الرئيس بصنعاء. حيث أرجعت وزارة الخزانة الأمريكية سبب العقوبات ضد بنك اليمن والكويت إلى قيامه بتسهيل وصول جماعة الحوثي إلى النظام المالي العالمي وتعاملاته مع كيانات وشخصيات مدرجة على لائحة العقوبات الدولية.

تُمهد مثل هذه الخطوات لإجراءات أكثر تعقيدًا تطال القطاع المصرفي في مناطق الحوثيين، لا سيما مع استمرار حالة الانقسام النقدي وإصرار مركزي صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين على ممارسة مهامه كبنك مركزي وفرض سياسة نقدية مجحفة ومتناقضة مع سياسات البنك المركزي اليمني في عدن المعترف به دوليًا. وهو ما يخلق وضعًا نقديًا مختلاً، يسهم بمزيد من التشظي ويخلق واقعًا متأزمًا مليئًا بالتعقيدات والتحديات في البيئة المصرفية والاقتصادية بشكل عام.

ولأن رأس مال القطاع البنكي هو بناء الثقة مع العملاء ومع كافة الجهات ذات العلاقة، فإن أي عقوبات تتعرض لها المنشآت المصرفية ستزعزع ثقتها وتخلخل البيئة المصرفية الآمنة، الأمر الذي ينعكس سلبًا على تدهور النشاط المصرفي في البلاد.

والحقيقة أن القطاع المصرفي والمالي في اليمن مرّ بمنعطفات حرجة منذ بداية الحرب قبل أكثر من عشرة أعوام. إذ أدت السنين العجاف إلى تفاقم الضغوطات أمام البنوك التجارية والمصارف الإسلامية، وعززتها السياسات الممنهجة من قبل الحوثيين. حيث أدت هذه الممارسات إلى تحجيم دور الجهاز المصرفي الرسمي بعد أن جرى احتجاز استثمارات البنوك التجارية في أدوات الدين العام (أذون الخزانة) لدى البنك المركزي بصنعاء، ثم شرعنة قانون منع الفائدة في التعاملات المالية، علاوة على الجبايات المفروضة باستمرار على البنوك ومنشآت الصرافة.

الانقسام النقدي الذي رسخته جماعة الحوثي واقعًا على الأرض، قد وضع البنوك التجارية والمصارف الإسلامية التي تتواجد مقراتها الرئيسية بصنعاء في وضع لا تحسد عليه. إذ وجدت نفسها أمام احتياجات فعلية للاستمرارية في النشاط المصرفي والحفاظ على ما تبقى من مركزها المالي، وبين خيارات مُرة وتنفيذ إملاءات السياسات الحوثية التي تقوض بيئة عمل القطاع المالي والتجاري، لا سيما مع عدم اكتراث الجماعة لأي عواقب أو تداعيات يتعرض لها الاقتصاد الوطني.

حاليًا، باتت البنوك والمصارف اليمنية، لاسيما التي تتواجد مراكزها المالية بصنعاء تحت سيطرة جماعة الحوثي المدرجة في القائمة السوداء، أمام وضع معقد للغاية. إذ تؤثر عقوبات الخزانة الأمريكية على البنك المركزي بصنعاء، ومن ثم بنك اليمن والكويت التجاري، على آلية المراسلات الخارجية للبنوك، وتضع تحديات إضافية في تسوية المدفوعات والوصول إلى حساباتها في البنوك الإقليمية والدولية، ناهيك عن صعوبة استيعاب أو استقبال حوالات النقد الأجنبي من الخارج.

ومع أن العقوبات المعلنة لا تستهدف البنوك اليمنية أو القطاع المصرفي عمومًا، إلا أن هناك تأثيرات حتى وإن كانت بطرق غير مباشرة قد تصيب الأنشطة المالية للبنوك، خصوصًا فيما يتعلق بتسوية المدفوعات ومراسلة البنوك الإقليمية واستقبال حوالات النقد الأجنبي.

تبدو خيارات القطاع المصرفي اليمني محدودة مع التطورات الأخيرة، لكنه في النهاية ليس أمامه سوى التنسيق الكامل مع إدارة البنك المركزي اليمني في عدن المعترف به دوليًا واتباع تعليماته، حتى يمكن أن ينأى بذاته عن مقصلة العقوبات الدولية ويحافظ على مركزه المالي، فضلًا عن تجنب كافة التعاملات المالية المشبوهة بارتباطها بالحوثيين، والالتزام بالمعايير الدولية الصارمة في مجال مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال ومضاعفة عملية الرقابة الداخلية والخارجية على المعاملات المالية والمصرفية بما يسهم في الامتثال لآليات قوانين المنظومة المصرفية الدولية.

لكن ما يثير المخاوف هو طريقة الحوثيين في التعامل مع القطاع البنكي، خصوصًا تلك التي تتواجد مقراتها الرئيسية في صنعاء ومحاولتهم إرغام البنوك والمصارف على التماهي مع السياسات المالية للجماعة، والتي تتنافى مع مبادئ وقوانين العمل المالي دوليًا. وهو ما قد ترفضه البنوك والمصارف اليمنية، إذ أن الإذعان للسياسات الحوثية المدمرة في الوقت الراهن سيقضي على ما تبقى من أنشطة خارجية لهذه البنوك، ويعرضها للعزلة الدولية، والتي سيكون لها تبعات خطيرة تصل إلى فقدان أهم وظيفة مالية للبنوك وتحولها إلى مجرد منشآت صرف ذات طابع محلي.

مجدداً، ليس أمام البنوك والمصارف اليمنية سوى العمل يدًا بيد مع إدارة البنك المركزي اليمني في عدن ومضاعفة الرقابة على كافة العمليات المصرفية الداخلية والخارجية، والالتزام بشكل صارم بقواعد الامتثال وآليات ومبادئ المنظومة الدولية، لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى