أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتحليلتراجم وتحليلات

تحليل- ماذا يعني اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بالنسبة لليمن؟

يمن مونيتور/ وحدة التحليلات/ من مأرب الورد

أعلن رئيس حكومة قطر رسميا، مساء الأربعاء، عن نجاح الوساطة التي شاركت فيها بلاده بالتعاون مع أمريكا ومصر في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والذي سيدخل حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل. هذا الاتفاق يضع حدا للمعاناة التي استمرت 14 شهرا لسكان غزة، ويثير تساؤلات حول تأثيره المحتمل على الوضع في اليمن، الذي تعثرت جهود السلام فيه بسبب تورط الحوثيين غير المباشر في الحرب.

بعد اندلاع حرب غزة، كثف الحوثيون هجماتهم على السفن الملاحية التي ادعوا ارتباطها بإسرائيل أو وجهتها موانئ فلسطين المحتلة، تحت شعار دعم أهل غزة، كما ربطوا وقف هجماتهم التي امتدت لتشمل سفنا أميركية وبريطانية بوقف إطلاق النار في غزة ورفع الحصار عنها. في الوقت نفسه، شن الحوثيون هجمات صاروخية وبالطائرات المسيّرة ضد إسرائيل. ومع أن هذه الهجمات لم تُحدث فرقا ملموسا في تحسين الوضع العسكري أو الإنساني في غزة، إلا أنهم استندوا إلى إشادة قيادات المقاومة بها، متناسين أن تلك الإشادة رمزية ومعنوية وليست اعترافا بتأثيرها الواقعي.

مع مرور الوقت، انعكست هجمات الحوثيين على العملية السياسية في اليمن، حيث تسببت في تعليق تنفيذ “خارطة الطريق” التي توصلت إليها السعودية والحوثيون بتسهيل من سلطنة عُمان ورعاية من المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ، دون مشاركة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

جاء هذا التعليق نتيجة قرار أميركي يربط استئناف المفاوضات بوقف هجمات الحوثيين على إسرائيل، ما يعني أن القرار لا علاقة له بأنشطة الحوثيين داخل اليمن والتي تبدو غير مهمة بالنسبة لواشنطن وغيرها من الدول الكبرى، بل بأمن إسرائيل. وبهذا ربطت واشنطن مصير السلام في اليمن بأمن غيره، مثلما رهن الحوثيون مصير السلام بمغامراتهم الخارجية بهدف تحقيق مكاسب سياسية بكلفة قليلة، إضافة إلى تنفيذهم أجندة إيران الإقليمية في إطار “محور المقاومة”.

تضمنت خارطة الطريق التزاما سعوديا بدفع رواتب الموظفين وفق كشوف عام 2014 لمدة ستة أشهر، قابلة للتمديد، بقيمة إجمالية قدرها 1.2 مليار دولار، وكان من المُفترض أن يتم دفع المبلغ للحوثيين على دفعات شهرية بواقع مائة مليون دولار شهريا. غير أن واشنطن عرقلت هذا الاتفاق، استنادا إلى تصنيفها الحوثيين كجماعة إرهابية من الدرجة الثانية، وهو تصنيف يمنع تمويل المنظمات الإرهابية.

لكن الدوافع الأميركية تتجاوز هذا الإطار القانوني؛ إذ ترتبط بشكل أساسي بأمن إسرائيل. من جهة آخر، أثار عجز إدارة بايدن عن وقف هجمات الحوثيين عبر الضربات الجوية تساؤلات حول جدية الردع الأميركي، خاصة في ظل الإمكانيات العسكرية الكبيرة التي تمتلكها واشنطن.

من المتوقع أن يُسهم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في وقف هجمات الحوثيين، مما قد يرفع الفيتو الأميركي عن تنفيذ خارطة الطريق. لكن يبقى التساؤل قائما حول مدى صلاحية الخارطة بعد المتغيرات الإقليمية، خاصة مع تراجع نفوذ إيران في لبنان وسوريا.

كما يلعب العامل الإسرائيلي دورا في تحديد مستقبل السلام باليمن، خصوصا مع المواقف المعلنة بالرد الواسع على هجمات الحوثيين والتي تعني استمرار الضربات الجوية على الأقل، مما يمنح الحوثيين مبررا للاستمرار في هجماتهم بحجة الدفاع عن النفس، وبالتالي تضاؤل الآمال بإحياء مسار السلام.

بالنسبة لإسرائيل، المسألة تتعلق بسمعة الردع التي تحاول تكرّيسها في المنطقة بعد تضررها عقب هجمات ٧ أكتوبر، وهذا يعني أن الرد يدخل في إطار “التأديب” للحوثيين على هجماتهم التي مسّت هذه السمعة، خصوصا بعد فشل منظومات الدفاع الجوي أكثر من مرة في اعتراض الصواريخ.

وفي هذا الإطار، يتوقع الأكاديمي الفلسطيني والخبير في الشؤون الإسرائيلية د. مهند مصطفى أن تواصل اسرائيل استهداف الحوثيين حتى لو توقفت حرب غزة لأنها لم تعد تربط بينها وبين وقف ضرباتها بسبب تصاعد الهجمات الحوثية، التي جلبت على اليمن انتقاما اسرائيليا طال البنية التحتية الاقتصادية المدنية.

وبحسب الخبراء العسكريين، قد لا تحقق الغارات الجوية وحدها الرد الكافي لإسرائيل، ما يفتح الباب أمام احتمال دفع ترمب للسماح بعمل عسكري بري ضد الحوثيين بمشاركة قوات يمنية يتم اختيارها بناءً على المعايير الأميركية.

وعند الحديث عن هذا الاحتمال، ينبغي التذكير بموقف السعودية من الحرب في اليمن، وهذا الموقف على الضد من هذا الخيار بحسب التصريحات المعلنة، لكن الجديد هو ما ذكره القيادي الحوثي محمد علي الحوثي في مقابلة مع قناة “الميادين” مؤخرا، والذي قال إن الرياض أبلغتهم أنها لا تريد التصعيد، لكنها قد لا تستطيع رفض الانضمام لأي تحالف عسكري في حال عُرض عليها ذلك، في اشارة الى احتمال تشكيل تحالف بقيادة ترمب في حال اقتناعه بطلب اسرائيل.

من الجدير ذكره، أنه مثلما تمكن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي على قبول وقف إطلاق النار في غزة، وهو الذي حاول التهرب منه، فإنه يمتلك فرصة قوية للمضي قدما نحو تحقيق السلام في اليمن، التزاما بوعده بالعمل على نشر السلام في العالم بدلا من إشعال الحروب.

إذا تم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإن ذلك قد ينهي المبررات التي كانت تقدمها جماعة الحوثي لاستمرار هجماتها، بما في ذلك الهجمات في البحر الأحمر، وهو ما يعني أيضا انتهاء مبرر إسرائيل في ضرب اليمن. وبالتالي، قد يعيد هذا الأمر مسار الدبلوماسية إلى الطريق الصحيح.

 وفي المحصلة، يدخل العامل الإقليمي مرة أخرى في تحديد مستقبل السلام في اليمن وهذه المرة عن طريق اسرائيل مثلما كان من قبل عن طريق دول أخرى مثل السعودية وإيران، مما يعني أنه بدون تفاهمات بين هذه الأطراف، بالإضافة إلى دور ترمب في الموازنة بين مصالح حلفائه، ورؤيته الشخصية للوضع في اليمن، إن وجدت طبعا، سيكون السلام أبعد مما يبدو قريبا، وربما يتعين على المجتمع الدولي تجاوز مرحلة احتواء الحوثيين إلى مرحلة إضعافهم، للضغط عليهم للقبول بالسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى