رئاسة جوزيف عون ستشعل فتيل إعادة الارتباط العربي مع لبنان بقيادة السعودية
خطاب تنصيب الرئيس اللبناني جوزيف عون في البرلمان يوم الخميس حظي بـ 30 جولة تصفيق خلال 19 دقيقة فقط. وكان ذلك جزئيًا بسبب التزامات رئيس الدولة المنتخب بدقة لإحياء مفهوم الدولة اللبنانية. كما قدم خطابه خارطة طريق تعكس وعيه السياسي وعزيمته العملية على بسط سلطة الدولة.
السيد عون ليس رئيسًا جاء بالصدفة ولا مجرد نتاج تسويات بين القادة اللبنانيين المدفوعين بالمساومات المحلية. إنه رئيس واقع جديد، تشكل بفعل التطورات الإقليمية والدولية في لبنان وسوريا، وله تداعيات بعيدة المدى تشمل إيران والدول العربية والولايات المتحدة وحتى إسرائيل.
مهمته ليست مستحيلة.
انتخابه، لأول مرة منذ استقلال لبنان، تم من خلال عملية ديمقراطية خالية من هيمنة إسرائيل أو سوريا ودون الهيمنة الإيرانية. إن رئاسته تعني عودة لبنان إلى الحضن العربي وإعادة انخراط السعودية مع البلاد.
هذا الانخراط يتجذر مع ثقة العالم العربي في قدرة السيد عون على تنفيذ اتفاق الطائف. الصفقة، التي أنهت الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا في لبنان في أواخر 1989، كانت برعاية السعودية قبل أن يتم تقويضها من قبل إيران وسوريا.
في الحقيقة، لعبت الشراكة الفريدة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب في ملف بيروت دورًا أساسيًا في إنقاذ لبنان من حرب إسرائيلية استهدفت البنية التحتية للبلاد.
انتظرت إدارة بايدن حتى تكمل إسرائيل حملتها لتحييد حزب الله، مما يمكنها من تحقيق أهدافها الاستراتيجية ضد إيران وأقوى وكلائها. كانت خطوة بايدن اللاحقة، بمساعدة ترامب، الضغط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار، بهدف تسهيل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بضمانات أمريكية ووضع خارطة طريق لترسيم الحدود البرية اللبنانية الإسرائيلية خلال أشهر.
كان دور رئيس البرلمان نبيه بري، وكذلك رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، حاسمًا في إنقاذ لبنان من التدمير الكامل على يد إسرائيل. لقد فهموا أن الثنائي بايدن-ترامب قدم فرصة نادرة لحماية لبنان وإطلاق فصل جديد في ظل ظروف لم يكن من الممكن تصورها سابقًا.
عندما حان الوقت لانتخاب رئيس تحت الضغط الأمريكي، أدرك السيد بري الخيار الوحيد القابل للتطبيق، متماشيًا مع الرؤية الاستراتيجية لصانعي السياسة الأمريكيين، الذين فهموا أيضًا قيمة عودة القوى العربية النشطة إلى لبنان.
كان السيد بري، وهو مراقب حاذق للتغيرات الاستراتيجية، يرى أيضًا ضرورة عودة لبنان إلى هويته العربية، خاصة من أجل إعادة إعمار الجنوب الذي دمرته إسرائيل.
إن انتهاء هيمنة إيران في لبنان يمثل حدثًا تاريخيًا، وليس مجرد تطور عابر.
إن تراجع قدرة حزب الله في لبنان والمنطقة الأوسع، على الرغم من تحديه اللفظي المستمر، هو أمر واضح. انهيار حكومة بشار الأسد في أسبوعين فقط أنهى بشكل لا رجعة فيه وصاية سوريا على لبنان. هذه التطورات جعلت عودة القوى العربية إلى لبنان، دبلوماسيًا وسياسيًا، أمرًا طبيعيًا وضروريًا، بينما تتماشى مع الديناميكيات الجديدة للقوة الإقليمية.
تسعى دبلوماسية السعودية من أجل “لبنان جديد” إلى إحياء “الهياكل العظمية” التي أصبح عليها اتفاق الطائف برعاية سعودية، كما قال مصدر مطلع. يشمل ذلك استعادة السيادة اللبنانية، واحترام المبادئ الدستورية، وتنفيذ اللامركزية الإدارية وضمان احتكار الدولة للسلاح من خلال نزع سلاح الفاعلين غير الدوليين، مما يترك الأمن بيد الأجهزة الأمنية الرسمية فقط.
تم التعبير عن هذه العناصر الحاسمة في خطاب السيد عون التاريخي، الذي يمثل التزامًا رسميًا بتنفيذ اتفاق الطائف، بما يتماشى مع التنفيذ الكامل للقرار 1701.
يعتزم السيد عون أن يكون حازمًا مع إسرائيل في تنفيذ تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار وحل القضايا العالقة، مما يؤدي إلى انسحاب إسرائيل النهائي من الأراضي اللبنانية يليه ترسيم الحدود. أما قضية مزارع شبعا المحتلة، فتتعلق باعتراف سوريا بملكية المنطقة المتنازع عليها للبنان. إذا أوضح الحكومة الجديدة في دمشق موقفها، فسيكون مطلوبًا من إسرائيل – من حيث المبدأ – الانسحاب من المنطقة.
يهدف السيد عون إلى تطبيع العلاقات الثنائية مع سوريا على قدم المساواة، خالية من الاستعباد، مع ضمان قدرة لبنان على اتخاذ قراراته السيادية. إن ترسيم الحدود بين البلدين هو أيضًا هدف مهم للرئاسة.
تثبت زيارات السيد ميقاتي الأخيرة إلى تركيا وسوريا أن بيروت قد أدركت أهمية هذه القضية والدور التركي المحوري في تحقيقها. من المرجح أن أنقرة ستلعب دورًا كبيرًا في دوائر السلطة في دمشق، وقد تعهدت بدعمها في هذا الصدد.
تبدو الإدارة الانتقالية السورية، الممثلة بأحمد الشرع براغماتية في علاقاتها الإقليمية. بينما تظل تركيا شريكها الأساسي، أكد السيد الشرع على أهمية وجود اتصال عضوي مع السعودية والعالم العربي.
تتولى الرياض قيادة الجهود العربية في لعب دور نشط في بلاد الشام، ساعية لتحقيق الاستقرار في سوريا ولبنان من خلال التعاون مع أصحاب المصلحة الآخرين مثل تركيا، والتنسيق البراغماتي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية المعنية، مع احترام القرارات السيادية.
نوايا السعودية ليست لاستفزاز إيران، بل لتعزيز الاستقرار في بلاد الشام العربية، التي تم تفتيتها بسبب التوجهات التوسعية والإيديولوجية لطهران ووكلائها. دفعت التحولات الجيوسياسية الرياض للعمل على إعادة الدول العربية الضعيفة إلى الحضن العربي من خلال الدبلوماسية والتنمية وإعادة الإعمار.
سيتضمن ذلك نهجًا شاملًا يهدف إلى إصلاح النسيج العربي في بلاد الشام، الذي عانى بشدة تحت الهيمنة الإيرانية.
*نشر أولاً في صحيفة “ذا ناشيونال” الصادرة بالانجليزية