اخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتراجم وتحليلات

“حنكة آل مسعود”.. كيف نفهم انتفاضات رداع ضد الحوثيين؟

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:

منذ يوم الأحد الأسبوع الماضي هاجمت جماعة الحوثي قرية حنكة آل مسعود في مديرية القريشية التي تتبع قبائل قيفة رداع بمحافظة البيضاء وسط اليمن. وبعد أسبوع من القتال تمكن الحوثيون من اقتحامها.

وفق مصادر محلية وشهود تحدثوا ليمن مونيتور ومقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي شن الحوثي الهجوم بالطيران المسير والدبابات والمدفعية وتعزيزات عسكرية من معسكرات في رداع والسوادية وذمار وصنعاء، وحتى محافظة إب.

لم يكشف الحوثي عن خسائره، لكن مصادر قبلية في رداع تحدثت عن عشرات القتلى والجرحى من الحوثيين بما فيهم بعض القادة العسكريين للجماعة المسلحة.

من الجانب القبلي سقط عدد من القتلى بينهم نساء، ولم يكشف بعد أعداد من قتلوا في المواجهات، وتحدثت مصادر قبلية يوم السبت عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص.

واشتدت الحملة الحوثية على القرية، وظهرت مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي نشرها سكان من رداع عن حملة تهجير واضحة لنساء ومدنيين وأطفال. انتقلت عشرات العائلات إلى وادي “ثاه” فيما بقي المئات في القرية وسط اقتتال مع الحوثيين.

ووفق المصادر التي تحدثت ليمن مونيتور فإن أعداد المخطوفين من سكان قرية آل مسعود 400 مدني من أبناء القبيلة معظمهم كبار في السن وأطفال. ونقلت حوالي 340 منهم إلى سجن إدارة منطقة رداع في الكمب، كما نقلت 60 منهم إلى السجن المركزي برداع.

لحظة الاشتعال

وفق مصدر قبلي، يعود جذر الصراع إلى سنوات مضت، تجمد حينها بطلب الحوثيين رهائن لحجزهم، ومن ثم إطلاق سراحهم. لكن الجماعة لم تطلق سراحهم منذ سنتين تقريبا، وحتى انهيار النظام السوري أفرجت عن بعضهم وأبقت جزءا منهم في سجونها غير القانونية. حصل يمن مونيتور على وثائق عدة من النيابة الجزائية تأمر جهاز المخابرات الحوثي بإطلاق سراحهم وعدم ثبوت التهم الموجهة إليهم من قبل سلطة الحوثيين.

رفض الحوثيون إطلاق سراح بقية المخطوفين، دفع بأهاليهم لإطلاق رصاص على طقم حوثي الأسبوع الماضي، جرح عدد منهم في الهجوم، ولاحقا تم اغتيال مدير الأمن والمخابرات الحوثية الجديد المعين من الحوثي في البيضاء في أطراف القرية.

وبينما كانت الوساطة القبلية تفاوض على تهدئة الموقف هاجم الحوثيون القرية بكل أنواع الأسلحة خاصة المسير من الجو وتحول لغزو عسكري لتدمير القرية. وبعد أيام من القتال، وقصف المنازل بالطائرات المسيّرة الانتحارية تمكن الحوثيون من السيطرة عليها، واعتقال العشرات وتفجير المنازل.

كيف تعامل شيوخ من قيفة مع القضية؟

ظهر الشيخ أحمد عبدالولي الذهب في قناة المسيرة الحوثية أثناء فعالية حوثية أسبوعية في السبعين جوار محمد البخيتي وهو أحد أعضاء لجنة حوثية مكلفة بإدارة البيضاء يتهم فيها من سماه “التنظيم” بحشد شراذم إلى قرية حنكة آل مسعود ويحملهم المسؤولية، ويتبرأ منهم.

لكنه عاد في مقطع آخر في وقت متأخر الجمعة، وزعم أنه عقد مع آخرين من شيوخ قيفة اجتماعا آخر مع الحوثيين بشأن القضية وقدم رواية مختلفة.

قال الشيخ القبلي من رداع أحمد عبدالولي سعيد الذهب في مقطع مصور الجمعة على وسائل التواصل الاجتماعي إنه التقى بمحمد البخيتي محافظ ذمار في السبعين، وفي لقاء لاحق، وطرح جوهر المشكلة: يجب تسليم المساجين/ الرهائن للوساطة القبلية والشيوخ هناك، وتسليم المساجين الرهائن إلى شيوخ محن يزيد من أجل إنهاء الحشد المسلح لأهالي القرية، وتسليم أنفسهم للدولة، مع تعهد قبلي من ذات الشيخ للحضور معهم جلسات التحقيق الحوثية.

تجمع لقبائل قيفة رداع البيضاء- منصة اكس

شمل المقترح الذي قدمه الشيخ أحمد الذهب النقاش لاحقا عن الدماء التي سالت من الطرفين الأسبوع الماضي.

الشيخ الذهب شكك بجدية الحوثي وقال إن تجربتهم مع الحوثي في الوساطة مؤسفة ولا قيمة لها.

اقترح الذهب أيضا أن تكون هناك قاعدة للتواصل بين المجتمع والدولة تتم عبر العقال والشيوخ وصولا إلى سلطة الحوثيين، ومن يخالفها من أبناء القبائل تتبرأ منه.

وشدد الذهب على أن يطلق الحوثي جميع المساجين من أبناء قيفة عبر شيوخ القبائل وفق آليته المقترحة، وحذر من عدم الاستجابة بتكرار المشاكل باستمرار. وأن شيوخ القبائل في هذه الحالة لا يتحملون مسؤولية وستكون على الحوثين وحدهم.

نموذج الهجوم الأخير ومقارنته بحروب سابقة في رداع

الهجوم الأخير شهد استنفارا عسكريا كبيرا حوثيا، وتعزيزات من معسكرات ودبابات وقوات خاصة وطيران مسير.

تم إحراق منازل وتفجير ثلاثة منازل أخرى على الأقل في جنح الليل، ومسجد يدعى مسجد معاوية، قائم منذ عقود.

قطعوا الاتصالات والإنترنت عن القرية منذ يوم الجمعة. نشروا عشرات النقاط الأخرى.

شنوا حملة دعائية واسعة يتهمون فيها سكان القرية والمسلحين بأنهم دواعش وتكفيرين.

اتهم الإعلام الأمني الحوثي عقب اقتحام القرية سكان القرية بروايات متناقضة، أولها أنهم دواعش تكفيريين تحركوا خدمة للصهاينة، ثم قال إنهم عناصر إجرامية رفضوا حتى الوساطات القبلية.

قال محمد البخيتي القيادي في الجماعة إنهم تحركوا خدمة للاحتلال وللفت الأنظار عما يجري في غزة.

قال أحمد الشامي أحد كبار منظري الحوثية إنه يجري تطهير حنكة آل مسعود من الدواعش التكفيريين.

وعادة ما يلجأ الحوثيون إلى اتهام مخاليفهم بالانتماء إلى تنظيم الدولة (داعش) أو تنظيم القاعدة، أو عملاء مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية. على الرغم من أن تقرير خبراء الأمم المتحدة أكد وجود تعاون بين “القاعدة” والحوثيين.

 

لماذا تكثر الانتفاضات المسلحة القبلية في رداع؟

وفق الشيخ أحمد الذهب الذي قدم روايتين متناقضتين عن الحرب الغاشمة على آل مسعود، فإن الخطف والسجن بدون وجه حق سبب رئيس لاستمرار الانتفاضات القبلية وسبق أن حذر منها، وحذر أيضا من أن شيوخ القبيلة سيغلقون الأبواب على أنفسهم في منازلهم احتجاجا على تجاهل الحوثيين لمطالبهم ودورهم في تهدئة الصراعات.

وفي قضية آل الجوفي في رداع وهم يفترض أنهم أنصار للحوثيين احتجوا على استمرار خطف مدير أمن مديرية ولد ربيع المعين من الحوثي على خلفية قضية الزيلعي. بمعنى أن الاحتجاجات تصل أيضا إلى بعض أنصار الحوثي.

في قرية “حمة صرار” التابعة لمديرية ولد الربيع بمحافظة البيضاء (وسط) استمر التوتر عدة أسابيع منذ مطلع أغسطس/آب الماضي  بعد أن قتل رجال القبيلة أربعة من مسلحي الحوثي وأصابوا خامس انتقاماً لمقتل اثنين من أبناء القرية الواقعة في نطاق قبائل رداع. وحشد الحوثيون قواتهم ومدرعاتهم على تخوم القرية وفرضوا حصارا خانقاً عليها حيث منعت دخول الدواء والمواد الغذائية الى القرية، كما تمنع وصول المواطنين الى مزارعهم. يشترط الحوثيون على القرية تسليم رجال القبيلة الذين انتقموا من مسلحي الجماعة، ثم اجتاح الحوثيون القرية.
وفي مارس/آذار الماضي قام شخص يدعى عبد الله إبراهيم الزيلعي بقتل قاتلَ شقيقه فوق عربة عسكرية للحوثيين في مدينة رداع، فأطلق النار عليه وقتله وشخصا آخر بجانبه، وجرح عنصران آخران. وردت عليه مليشيا الحوثي بتفجير سلسلة من المنازل على رؤس ساكنيها أسقطت عشرات القتلى والجرحى من المدنيين في حارة الحفرة، وفشلت في الوصول إلى الزيلعي.

في قرية خبزة التي شن الحوثي الحصار والحرب عليها عدة مرات في رداع كانت آخر محاولة حوثية للسيطرة عليها واقتحامها مجددا قبل سنتين ولأول مرة نجحت وساطة حوثية في منع اقتحامها وإجبار الحوثي على سحب عناصره وإنهاء حصاره بعد تهديد من كبار شيوخ القبائل بما فيهم الموالين للحوثي وتحديدا من آل الذهب بالقتال مع أبناء القرية.

بمعنى آخر؛ فإن استمرار الانتفاضات القبلية المسلحة في رداع يشير إلى عداء هائل بين المجتمع في رداع ومليشيا الحوثي، نتيجة لأبعاد مذهبية والأهم من ذلك نتيجة فشل آلية الحكم الحوثية في تمثيل المجتمع ولا بحده الأدنى. أدى ذلك إلى تدمير الروابط غير الرسمية كالأعراف القبلية في تهدئة المشاكل. كما تشير سلسلة الحروب المتكررة إلى ضعف عارم يصيب بنية القبيلة وتحديدا شيوخها بالطريقة التقليدية، ولجوء السكان هناك إلى الخيارات المسلحة، برضى شيوخها أو بتجاهل موقفهم غير المؤثر.

وأمام هذه الهجمات كشفت مصادر حوثية مطلعة عن زيادات كبيرة في حجم التمويل، فوفق تسريبات صحفية فإن جماعة الحوثي رفعت موازنة عناصرها الأمنية في رداع من 120 مليون ريال بالطبعة القديمة شهريا إلى 180 مليون ريال في أبريل/نيسان؛ ولاحقاً رفعتها إلى 220 مليون ريال، مع نشر عدد كبير من عناصرها في المدينة.

وقال الصحافي والباحث مأرب الورد: تاريخيا، أظهرت النزاعات في محافظة البيضاء أن المواجهات المسلحة بين الحوثيين والقبائل غالبا ما كانت نتيجة لانتهاكات الحوثيين، مثل القتل والاختطاف، بالإضافة إلى رفضهم الاستجابة لمطالب العدالة. ومع ذلك، يستمر الحوثيون في تأطير هذه الصراعات ضمن سياق “محاربة الإرهاب” لتبرير اعتداءاتهم على السكان، وقمعهم لأي مقاومة عبر اتهامها بالإرهاب.

رجال قبائل موالون للحوثيين في صنعاء

آفاق الانتفاضات القبلية في وجه الحوثي؟

في مطلع 2022 قبل الهدنة بأشهر انتشرت في عدة شوارع بمحافظات صنعاء والحديدة وإب والبيضاء شعارات ارحل يا حوثي، رغم الضعف العام للبنية الحزبية والسياسية في محافظة البيضاء، حيث تقع فيها مدينة رداع كبرى المدن هناك.

بعد مجزرة حي الحفرة على رؤوس ساكنيها خرجت مظاهرة سلمية نادرة في رداع تهتف بشعارين: لا إله إلا الله … الحوثي عدو الله. وشعار لا حوثي بعد اليوم.

التحركان أعلاه مؤشر مهم لتحول عميق ينمو ببطء في رداع والبيضاء عموما بما يتجاوز البنية القبلية والنكف القبلي المحدود المحصور بالمطالب الحقوقية.

في الأيام الماضية تصدر مكتب التربية والتعليم في مديريات رداع الأربع سائر مكاتب التربية والتعليم في مناطق سيطرة الحوثي ورفض القرار الحوثي بعدم شمول موظفي التربية والتعليم من غير المدرسين الحصول على نصف راتب، وصدر بيان موحد عن مكاتب التربية في مديريات رداع الأربع يرفض القرار الحوثي.

في الأيام الأخيرة أيضا وفي مواجهات آل مسعود تعرضت سلسلة من الأطقم العسكرية الحوثية لهجوم مفاجئ نهاية الأسبوع الماضي ليلا، لهجمات قبلية مسلحة من خارج آل مسعود، وفق مصدر قبلي تحدث ليمن مونيتور في أحدث إشارة لعمل قبلي مسلح محدود يتضامن مع القبيلة المستهدفة، ما يعني إمكانية تطوره مستقبلا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى