كتابات خاصة

كيف نهب الإماميون الجدد صنعاء؟

ياسين التميمي

الحوثيون كانوا هم الواجهة المعلنة للعصابة الانقلابية الجهوية الطائفية التي أدارها المخلوع صالح وحلفاؤه السلاليون الإماميون الجدد، بذات الحقد الانتقامي الثأري الذي أظهره الإمام أحمد. في اللحظات التي كان يقتحم فيه الحوثيون مؤسسات الدولة، في لحظة انتشاء صنعتها خيانة المؤسسة العسكرية والأمنية والقائمين عليها للواجب الوطني والدستوري، وانتهازية بعض مكونات الطبقة السياسية ومؤامرات الأقوياء في الخارج، في تلك اللحظات كانت يد سكان صنعاء على قلوبهم من إمكانية تكرار أحداث العام 1948 عندما اقتحم الإمام أحمد صنعاء واستباحها لعساكره وللقبائل التي ناصرته في مواجهة الدستوريين الذين حاولوا تغيير نظام الحكم وانتشال اليمن من ظلاميته وتخلفه.
الحوثيون كانوا هم الواجهة المعلنة للعصابة الانقلابية الجهوية الطائفية التي أدارها المخلوع صالح وحلفاؤه السلاليون الإماميون الجدد، بذات الحقد الانتقامي الثأري الذي أظهره الإمام أحمد غير ان المخلوع والإماميين الجدد، نفذوا مهمة نهب صنعاء والمؤسسات بطريقة مختلفة.
فقد كان المرئي بالنسبة للناس أن النهب يطال فقط مخازن الجيش التي كان يسيطر عليها اللواء (الفريق) علي محسن، نائب رئيس الجمهورية الحالي، ويجري الادعاء بأنها أيضاً كانت تابعة لقادة موالين للإصلاح، وهو ادعاء خاطئ مائة بالمائة، وكان الناس يرون الدبابات والمدرعات والأسلحة تتجه على متن ناقلات صوب صعدة. كان هذا هو المظهر الأبرز للنهب الذي طال صنعاء.
لكن ثمة مظهر أكثر سوءً للنهب وقد جاء في أنساق متعددة، النسق الأول وشمل قصور وفلل وبيوت القيادات العسكرية والسياسية البارزة والوجاهات التي وقفت إلى جانب ثورة الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، في دليل قطعي على أن الحوثيين لم يكونوا جزء من هذه الثورة ولم تكن تعنيهم أهدافها ولا غاياتها وإلا لما رضوا على أنفسهم أن يتحولوا إلى أدوات قذرة بيد المخلوع الموتور يصفى بها حسابته ضد خصومه السياسيين، والحقيقة أن أهداف الإماميين الجدد اتحدت مع أهداف المخلوع، في اعتبار قوى التغيير وأنصار الجمهورية أعداء أصيلين للثورة المضادة التي قاموا بها.
جاء النهب بوقاحة لم تر الإنسانية لها مثيلاً، فلم يكتفوا باقتحام المنازل ونهبها، ولكن كانت عناصرهم المسلحة المهترئة المتسخة الثياب، تتجمع في غرف النوم وأسرتها الفاخرة كأكوام من القاذورات النتنة، ولم يتحرجوا في الكشف عن أدق التفاصيل العائلية الشخصية، وهو مس جريء بكل بقيم النخوة والرجولة والشرف.
لقد كان نهباً محملاً بكل أشكال البذاءة والدناءة والانحطاط الأخلاقي، وشكلاً سيئاً من أشكال تصفية الحسابات، التي في الحقيقة تؤسس لدورة جديدة من الثارات وتصفية الحسابات. وأعتقد ألا أحد بوسعه أن يلوم الذين اُستهدفوا بهذا الشكل من الإساءة إن أرادوا الانتقام ليس للكرامة الشخصية ولكن لهذا القدر من الفجور الذي لم يُبق شيءٌ من أخلاقيات البشر إلا وهدمه تماماً.
توجد اليوم في أحياء صنعاء الراقية عشرات القصور والفلل التي تم الاستيلاء عليها بشكل سري أو معلن، من قبل عناصر محسوبة على الحوثيين والمخلوع صالح، لأن أصحابها تركوها في لحظة الاضطراب الأمني نجاةً بأرواحهم، علماً بأن بعضهم ليس له علاقة بالسياسة وليس طرفاً.
أخبرني أحد الأصدقاء أنه وجد نفسه يسكن في فيلا واسعة ومليئة بالأثاث الفاخر في مدينة حدة بجنوب العاصمة صنعاء، بإيجار شهري يصل إلى 150 ألف ريال أي بنحو 500 دولار، واتضح فيما بعد أنها تابعة لأحد المغتربين من أبناء محافظة البيضاء، ويقوم أحد المحسوبين على الميلشيا بتأجيرها لحسابه الشخصي، بل أنه عرض عليه الأثار الموجود في هذه الفيلا بالتقسيط، قبل أن يضطر صديقي إلى مغادرة الفيلا ويهاجر بدوره إلى خارج البلاد.
إنها عينة من مئات العينات التي تم رصدها في العاصمة صنعاء، والتي تبرهن على أن الإماميين الجدد وحقد المخلوع صالح نفذت القدر نفسه من النهب والسلب والسطو على ممتلكات الغير بدافع العقاب السياسي، وتبرهن أيضاً على أن الانقلابيين يديرون الخراب بذات القطعان البشرية السائمة المتخلفة المتأهبة للحرب بدافع النهب والسلب، والتي هي في الحقيقية حصاد ثلاثة عقود من سياسة التجهيل التي مارسها المخلوع صالح وتحالف الإمامة بحق سكان النطاق القبلي المحيط بصنعاء.
قد يستغرب المرء لماذا لم تنجح مدينةُ صنعاء وثقافتها المدنية، في التأثير على المحيط الأقرب لها، فما أن تغادر حي شملان في شمالها الغربي باتجاه مديرية همدان، حتى تجد نفسك في بيئة ريفية وقبلية لا علاقة لها بالمدينة، رغم أن معظم مظاهر الحياة المدنية موجودة فيها من كهرباء واتصالات وطرق أسفلتيه.
 هذا الأمر ينطبق مثلاً على حي ضلاع الريفي الذي يضم منزل الرئيس الأسبق أحمد الغشمي، فجزء من سكان هذا الحي كانوا وقود الحرب والنهب والسلب الذي عاشته صنعاء، إثر اقتحامها من قبل الإماميين الجدد.
أما ا لنسق الثالث من أنساق النهب، فيتمثل في تحويل مقدرات الناس وأموالهم العامة إلى بضاعة تباع في السوداء التي يشرف عليها مشرفو الميلشيا وقادتها. فما كان يحصل عليه الناس من مواد أساسية بأسعار ثابتة ومعقولة، أصبحت سلعاً نادراً ومرتفعة الثمن ولا يستطيع أن يحصل عليها إلا من يمتلكون الكثير من المال أو المحظوظون والمقربون، كل شيء أصبح رهن السوق السوداء الموازية التي تحولت إلى أهم مصادر دعم مشروع الميلشيا وسعيها الحثيث للسيطرة على الدولة ولتمويل حربها المجنونة على اليمنيين.
النسق الرابع من أنساق النهب يتمثل في السطو على المرتبات، وهاهم آلاف الموظفين أمام حالة جديدة لم يعهدوها من قبل فلم يعد بوسعهم الحصول على مرتباتهم الشهرية.. ترى ماذا بقي في اليمن لينهبه هؤلاء؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى