الاصطفائيون هم أبشع من رفدوا العالم بالجثث، وذلك لأنهم ببعدهم -الديني أو القومي- يؤمنون على أنهم إرادة الله، وأنهم غاية الحياة والوجود الإنساني أيضا.
الاصطفائيون هم أبشع من رفدوا العالم بالجثث، وذلك لأنهم ببعدهم -الديني أو القومي- يؤمنون على أنهم إرادة الله، وأنهم غاية الحياة والوجود الإنساني أيضا.
والحق أن الاصطفائية ضد المساواة وضد العقل.. انها منبع الاصوليات والشوفينيات في العالم. كذلك تتجسد المشكلة الحقيقية حين تعتبر عرقيتك أو دينك في موقع متميز ومتفوق عن سائر البشر. بحسب فولتير فإن هذا النوع من المهووسين هم مجرد: “أناس مقتنعون بأن الروح القدس الذي يملؤهم هو فوق القوانين”.!
الاصطفائيون العنصريون هؤلاء في الحقيقة، يشبهون بعضهم بعضا، لكأنهم أصيبوا بمتلازمة داون المعروفة -ولكن بصيغة متوحشة- سواء في النازية أو الصهيونية أو في الأبرتهايد، أو حتى في قبيلة أو فئة ما -والأمثلة كثيرة بالطبع- تزعم أنها طريق النجاة دون غيرها، وواجب الآخرين اتباع مزاجها ولو بالقوة، وإلا فإنهم في ضلالة ولايستحقون الحياة.
لكن أكثر الأطفال الذين اقدرهم ويبهروني في هذه الحياة، هم الذين أصيبوا جنينيا بمرض متلازمة داون -المعروف أيضا بالبلاهة المنغولية- خصوصا مع مثابرتهم البريئة الملهمة على الحب والمودة والتطور والإبداع والادهاش، ومحاولة تجاوز المرض الصعب للاندماج المجتمعي قدر المستطاع.
وإذا كان هذا المرض، هو إرادة إلهية، فإن هناك للأسف من أصيبوا بكل إرادتهم الذاتية، بما يمكن أن نصفها بالمنغولية الاصطفائية، التي تعيق المجتمعات والدول عن إدراك السياسة والدين والحق والخير والجمال والسلام والمواطنة المتساوية والهوية الوطنية الجامعة، ومن ثم المشترك الإنساني العظيم.
أما المشكلة في هذا السياق، فهي أن هؤلاء لا يريدون مغادرة مرضهم -لأنهم يعتبرونه إمتيازا لايمكن التنازل عنه- ولذلك يصعب أن تقنعهم بإدراك مصابهم وتأثيره عليهم وعلى بقية البشر، فضلا عما تفعله الاصطفائية نفسها من تخريب لقيم التعايش والتجانس والدمقرطة والحريات والحقوق والواجبات المتساوية.
ليس ذلك فقط.. بل انهم ينظرون للعالم وفق تصرفات تاريخية، هي نتاج واعٍ أو غير واع، لكثير من التراكمات العقدية والنفسية، ولا يمكن إنكار أن أنهاراً من الدماء سالت بسبب هذه البلاهة الدموية الفظيعة، والتي تعتبر أن الحياة وجدت، وأن الدين وجد، لإسعاد سلالات بعينها، واقهار بقية البشر!
فمن هذه المنطلقات طبعا، لطالما عانت البشرية من الإرهاب العرقي والإرهاب الديني.
وفيما كانت هذ المنغولية الاصطفائية، تقتل بلا شفقة، كانت لا تتباهى بشيء للأسف مثل تبريرها لبلاهتها.
أما عظمة البشر الحقيقية على هذه الأرض فهي تتكثف فقط في أن يناضلوا ضد كل أنواع الاستبداد القائم، على أساس التمييز والعنصرية والاستغلال واللاعدالة، سواء من ناحية عرقية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية.. إلخ .
فبكل النواميس السماوية والأرضية المشتركة للإنسانية، لا يجوز أن تتحكم فئة تزعم أنها الأفضل، في بقية الفئات التي تعتبرها الأدنى -مهما كانت ذرائعها- ولا يجوز لأي فئة أن ترى أحقية لها في إمتيازات سياسية وإجتماعية ودينية لا تجوز لغيرها بالمحصلة.!
الاصطفائيون منغلقون.. الاصطفائيون لا يتسامحون ولا يتعايشون، كما يعادون الديمقراطية، ووعيهم شمولي وأحادي.
وباختصار شديد: غايتهم ممارسة التمييز بين البشر، فضلاً عن أنهم يعتبرون العنف الجزء الجوهري في وعيهم الضال للأسف!