يخطئ من يقلل من أهمية التسريب الذي بثته قناة الجزيرة للمكالمة التي جرت بين الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ومحافظ عمران الأسبق كهلان أبو شوارب، فقد أظهر هذا التسريب الشخصية الحقيقية لهذا السياسي الذي أدار الدولة طيلة 33 عاماً بقاموس من الكلمات المبتذلة والدس والوقيعة والمؤامرات والتصفيات.
يخطئ من يقلل من أهمية التسريب الذي بثته قناة الجزيرة للمكالمة التي جرت بين الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ومحافظ عمران الأسبق كهلان أبو شوارب، فقد أظهر هذا التسريب الشخصية الحقيقية لهذا السياسي الذي أدار الدولة طيلة 33 عاماً بقاموس من الكلمات المبتذلة والدس والوقيعة والمؤامرات والتصفيات.
لقد كشف هذا التسريب عن المسافة التي ظلت تفصل بين المخلوع وبعض القادة العسكريين الذين ينتمون إلى جيل السبعينيات من القرن المنصرم، أمثال اللواء علي الجائفي، وكانت كافية لكي تجعلهم على الأقل في دائرة استهداف المخلوع وشكوكه الدائمة، وأماط هذا التسريب اللثام عن الجزء الذي خفي على معظم الناس من شخصية المخلوع، الذي وضعته الأقدار في هرم السلطة، في وقت يتوهم فيه معظم اليمنيين أنهم أمام رئيس كامل ورجل يتمتع بالمروءة.
هذه المفردات البذيئة التي سمعها الجميع، هي نفسها التي كان يستعملها ويستخدم مفردات أسوأ منها مع مساعديه ومع القادة العسكريين، الذين كان يختارهم على عينه حتى يلقي على مسامعهم هذه الكلمات النابية دون اكتراث.
طيلة فترة حكمه ظل القلة القليلة من القادة والسياسيين في منأى عن بذاءاته، لكنهم حوصروا وتلقوا ما يكفي من الابتزاز حتى أنهم لم يكونوا يشعروا أبداً بأنهم يملكون خياراتهم الشخصية، ولهذا صالح على عكس رؤساء آخرين في المنطقة، فقد العشرات من كبار مساعديه منذ الشهور الأولى لاندلاع ثورة الشعب على حكمه في الحادي عشر من فبراير 2011.
بعد أن تم نقل لواء العمالقة من أبين إلى عمران على خلفية الحروب التي أشعلها المخلوع في صعدة، لم يكن صالح يكف عن ضرب الإسفين بين قائد اللواء علي الجائفي، وبين قائد المنطقة الشمالية الغربية آنذاك، نائب الرئيس الحالي الفريق علي محسن صالح، كان يشعر بالقلق من رسوخ العلاقة بينهما لأنه لا يستطيع أن ينجز مهامه الرئاسية السيئة مع فريق منسجم ومتعاون.
كان ينسج الوقيعة بينهما بطريقة محكمة لكن الرجلين كانا قد خبرا ألاعيب المخلوع وطريقته في الدس والوقيعة، ولم تؤثر ألاعيب كهذه في علاقاتهما الشخصية، والأمثلة كثيرة على أسلوبه في تفخيخ العلاقات وتوتيرها بين الشخصيات والعشائر والقبائل والمناطق.
من الواضح أن معظم الشخصيات التي استشهدت في حادثة صالة العزاء، لا تروق للمخلوع صالح، وهذا يجعلنا نتمسك أكثر بفرضية وجود متهمين كُثر وراء حادث استهداف القاعة وليس متهم واحد هو التحالف العربي، وهذا ما أكدته برقية العزاء الصادرة عن نائب الرئيس التي أقرت بوجود شخصيات مهمة بين ضحايا حادث صالة العزاء محسوبة على الشرعية.
المكالمة التي أجراها المخلوع مع كهلان، أوحت بأنه كان يجلس حينها في غرفة عمليات يواجه التصعيد الذي أقدم عليه الرئيس هادي وشمل إغلاق قناة “اليمن اليوم”، ومحاصرة المسجد في ميدان السبعين ومنصة العروض في الميدان نفسه، وذلك غداة التحركات الفوضوية التي قام بها أنصار المخلوع في العاصمة صنعاء، في 11 يونيو 2014 وهم يرددون الشعار المثير للسخرية حينها” سلام الله على عفاش”.
التصعيد كان ربما يشمل محاصرة المعقل العسكري المهم للمخلوع في ريمة حميد وهو الإجراء الذي لم يتحمله المخلوع، فبادر إلى الاتصال بـ: كهلان أبو شوارب الذي يبدو أنهم كان ضمن لجنة تهدئة على صلة بالرئيس هادي وبأطراف التوتر الأخرى.
من سوء طالع المخلوع صالح أن يقضي اللواء علي الجائفي إثر إصابته في قاعة العزاء، ولكن في ظل شكوك تتعلق بظروف موته، خصوصاً وأن الرجل كان قد تعرض لإصابات طفيفة وظهر في الصور وهو متماسك ويتمتع بصحة جيدة.
لا يستطيع المرء أن يتجاوز مدلول الاستخدام المفرط للكلمات البذيئة من قبل المخلوع بحق اللواء علي الجائفي، والتي عكست حجم الاحتقان لدى المخلوع من شخص علي الجائفي، الذي لم يكن على ما يبدو رهن الإشارة في سياق مشروع الانقلاب الذي كان يديره صالح حتى نجح في تنفيذه بدعم قوي من إيران وذراعها الميلشياوي في اليمن” الحوثيين”.